من يفوز بالحرب الإقليمية في ليبيا؟

الثلاثاء 30 يوليو 2019 08:19 م

بعد 3 أشهر من هجوم أمير الحرب الليبي "خليفة حفتر" على العاصمة طرابلس الذي أودى بحياة 1000 شخص على الأقل، تحولت ليبيا مرة أخرى إلى مسرح لصراع عنيف بين المعسكرات "السنية" التي تتنافس على النفوذ في جميع أنحاء الشرق الأوسط. ولا يعد التدخل الخارجي في ليبيا أمرا جديدا، وقد بدأت  هذه التدخلات مع الإطاحة بنظام "معمر القذافي" عام 2011، حيث رأت البلدان في المنطقة وخارجها في الفوضى الليبية التي تلت ذلك فرصة لتعزيز مصالحها داخل النظام السياسي الناشئ.

وطوال الجولة الأولى من القتال بين عامي 2014 و2015، تلقت الفصائل العاملة في غرب البلاد التي ينتمي بعضها إلى "جماعة الإخوان المسلمين" الدعم المالي والعسكري من تركيا وقطر والسودان. وعلى النقيض من ذلك، تلقت الميليشيات العاملة في شرق ليبيا، تحت سيطرة الزعيم العسكري "خليفة حفتر"، الدعم المالي والأسلحة من مصر والسعودية والإمارات. كما تلقى "حفتر" المساعدة من روسيا، التي سعت إلى الاستفادة من تراجع النفوذ الأمريكي والأوروبي في ليبيا لتعميق وجودها ونفوذها في حوض البحر المتوسط.

وإلى حد كبير، ظلت الخطوط الفاصلة في ليبيا دون تغيير حتى يومنا هذا، رغم اتفاق الصخيرات للتسوية السياسية الذي تم التوصل إليه في ديسمبر/كانون الأول 2015، والذي وضع نهاية الحرب الأهلية الأولى، وأنتج حكومة "الوفاق الوطني" المعترف بها دوليا في طرابلس، بقيادة رئيس الوزراء "فايز السراج". وتلاشت حدة التنافسات في عام 2016، في أعقاب إعلان تنظيم "الدولة الإسلامية" في ليبيا إنشاء ولاية تابعة له، التي تعد الأكبر خارج أراضيها الرئيسية في سوريا والعراق. لكن مع الهزيمة العسكرية للتنظيم في ليبيا أواخر 2016، بفضل الغارات الجوية الأمريكية والفرنسية إلى حد كبير، عادت الفصائل المحلية المهيمنة إلى عملية المفاوضات برعاية الأمم المتحدة بهدف التوصل إلى تسوية سياسية، وبرزت المنافسات الإقليمية مرة أخرى إلى الصدارة.

  • تكثيف المنافسة

وفي وقت سابق من هذا العام، سجلت مفاوضات الأمم المتحدة تقدما كبيرا، واتفقت الأطراف على عقد حوار وطني وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية بحلول نهاية 2019. ومع ذلك، بعد هجوم "حفتر" المفاجئ على العاصمة أوائل أبريل/نيسان، الذي كان يهدف ظاهريا إلى توسيع سيطرته في جميع أنحاء البلاد، انزلقت ليبيا إلى جولة أخرى من القتال، واتسمت الحرب الأهلية الحالية بدرجة عالية من المشاركة الخارجية.

ومن الأمثلة على ذلك الغارة الجوية التي وقعت في 3 يوليو/تموز 2019 على مركز احتجاز للمهاجرين شرق طرابلس، والتي قتل فيها 60 مهاجرا على الأقل. وتم إلقاء المسؤولية في هذه الحادثة لأول مرة على "حفتر"، في أعقاب التقارير التي أفادت بأنه تلقى أسلحة من الإمارات، في انتهاك لحظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على ليبيا عام 2011، لكن حكومة "السراج" اتهمت الإمارات في وقت لاحق بإطلاق صواريخ من طائرة مقاتلة على المركز. وحتى الآن، لم يعلن أي طرف مسؤوليته عن الهجوم.

وفي الواقع، تعد الإمارات الداعم الرئيسي لـ"حفتر"؛ حيث تزوده بالأسلحة والتدريب والتمويل. واستخدم "حفتر" الطائرات المقاتلة الإماراتية، والطائرات الإماراتية بدون طيار، لمهاجمة أهداف مرتبطة بحكومة طرابلس؛ حيث كانت هناك تقارير تفيد بأن الإمارات شنت غارات انطلقت من مصر، وأنشأت قاعدة جوية هناك لأجل طائراتها المقاتلة.

ويعكس دعم الإمارات لقوات "حفتر"، إلى جانب الدعم القطري والتركي للحكومة والفصائل في طرابلس وما حولها، الانقسام الإقليمي الأوسع منذ عام 2011 بين الإمارات والسعودية من جهة، وهي الجبهة التي تعارض جماعة "الإخوان المسلمين"، وقطر وتركيا من جهة أخرى، التي استمرت في دعم الكتل المرتبطة بالجماعة. وفي الواقع، زار "حفتر" الرياض قبل أيام قليلة من شن هجومه في أبريل/نيسان على طرابلس، في حين توفر قطر الدعم المالي للجهود العسكرية التركية لمساندة الحكومة المعترف بها دوليا في غرب ليبيا.

وإلى جانب النزاع حول الإسلام السياسي، تتنافس دول الخليج، التي تدخلت في الحرب الأهلية الليبية، على المكانة والنفوذ في المنطقة، مع وجود مصالح اقتصادية كبيرة، وأهمها السيطرة على احتياطيات النفط والغاز الخاضعة حاليا لسلطة طرابلس، التي لديها تفويض من الأمم المتحدة لتصدير الهيدروكربونات في البلاد. وتمتلك ليبيا أكبر احتياطي نفطي في أفريقيا. وقبل انتفاضة 2011، كانت ثالث أكبر مصدر لأوروبا. وحسب ما ورد، استولى "حفتر" على حقول النفط المهمة منذ عام 2016، بمساعدة الإمارات ومصر.

  • المشاركة التركية والروسية

ومع الجولة الأخيرة من القتال، ظهرت مشاركة تركية متزايدة. وتملك أنقرة مصالح اقتصادية في ليبيا تتعلق بإعادة إعمار البلاد، والعقود الموقعة قبل سقوط "القذافي". وإلى جانب دعم تركيا للعناصر القريبة من جماعة "الإخوان المسلمين"، شجع الليبيون في المنفى تركيا لاتخاذ موقفا عدوانيا ضد "حفتر". وتولي أنقرة أهمية أيضا لليبيا في توازن القوى الناشئ عبر شرق البحر المتوسط. وقد زاد التعاون المتزايد بين مصر وقبرص اليونانية واليونان و(إسرائيل) من إحساس تركيا بالحصار الإقليمي؛ ما أثار استجابة قوية نسبيا من أنقرة.

علاوة على ذلك، فإن عدم الاستقرار في السودان، والإطاحة الأخيرة بـ"عمر البشير" حليف تركيا، يجعل الأحداث في ليبيا أكثر أهمية بالنسبة لأنقرة. وبالتالي، زودت تركيا جيش حكومة "الوفاق الوطني" بالسلاح، بما في ذلك الطائرات بدون طيار والعربات المدرعة، وساعدت في تدريب القوات التي تعمل نيابة عن الحكومة. وفي وقت سابق من هذا الصيف، تم اختطاف 6 مواطنين أتراك يعملون لحساب شركة نفط ليبية على أيدي قوات مرتبطة بـ"حفتر"، وهددت وزارة الخارجية التركية باستخدام القوة العسكرية ما لم يتم الإفراج عن المختطفين.

وإلى جانب زيادة مشاركة القوات الإقليمية، واصلت روسيا تعزيز مصالحها في ليبيا. وفي شهر مايو/أيار الماضي، تم اعتقال مواطنين روس في البلاد، وتم اتهامهم بمحاولة التأثير على الانتخابات المقررة في وقت لاحق من هذا العام. وجدير بالذكر أنه بالنظر إلى العنف الحالي، من المشكوك فيه أن تجري هذه الانتخابات. وإذا كانت هناك محاولة للتأثير على الانتخابات بالفعل، فسيشير هذا إلى بعد جديد للمشاركة الروسية في ليبيا، التي كانت حتى الآن تتسم بشكل أساسي بتوفير المستشارين العسكريين والأسلحة والدعم المالي لـ"حفتر".

وفي مساعيها لترسيخ نفسها في ليبيا، استفادت روسيا من تراجع الولايات المتحدة وانقسام أوروبا. وفي أعقاب هجوم عام 2012 على قنصلية الولايات المتحدة في بنغازي، الذي أدى إلى مقتل السفير الأمريكي، قلصت الولايات المتحدة بشكل كبير من مشاركتها في ليبيا. واقتصر دور واشنطن منذ ذلك الحين على تقديم الدعم الخطابي لعملية التفاوض التي ترعاها الأمم المتحدة، وشن ضربات عسكرية موجهة ضد معسكرات تدريب الإرهابيين المشتبه بهم داخل البلاد.

  • الدور الأمريكي والأوروبي

وكانت السياسة الرسمية لإدارة "ترامب" هي دعم مفاوضات الأمم المتحدة، مع الاستمرار في سياسة الإدارة السابقة المتمثلة في الارتباط العسكري المحدود. وبعد وقت قصير من توليه منصبه، أعلن "ترامب" أنه لا يرى أي دور للولايات المتحدة في ليبيا خارج عمليات مكافحة الإرهاب في بعض الأحيان. وادعت التقارير الأخيرة أن "ترامب" قد أعطى "حفتر" الضوء الأخضر في هجومه الأخير في أبريل/نيسان، في محادثة هاتفية ضمت ولي عهد السعودية "محمد بن سلمان". علاوة على ذلك، رفضت الولايات المتحدة دعم قرار مجلس الأمن الذي يدعو إلى وقف إطلاق النار في أعقاب الهجوم على مركز احتجاز المهاجرين.

وباستثناء الجهود المشتركة لتدريب خفر السواحل الليبي لمنع المهاجرين من الوصول إلى الشواطئ الأوروبية، لم يتمكن الاتحاد الأوروبي من وضع نهج متماسك أو موحد للنزاع الليبي. وتتزايد الخلافات بين فرنسا وإيطاليا، وهما الدولتان الأوروبيتان الأكثر مشاركة في الأزمة الليبية، وخاصة بشأن تدفق المهاجرين الساعين إلى دخول القارة عبر ليبيا، كما يختلفان حول أي جانب من النزاع يستحق الدعم. وتلقى جيش حكومة "الوفاق الوطني" في طرابلس دعما خطابيا من روما، بينما تلقى "حفتر" دعما عسكريا فرنسيا منذ عام 2015. وفي الحقيقة، تم اكتشاف عدد من الصواريخ الفرنسية في الأسابيع الأخيرة في مخبأ للأسلحة تابع لقوات "حفتر".

وفي الظروف الحالية، من غير المرجح أن يكون للوضع في ليبيا تأثير مباشر على (إسرائيل). ومع ذلك، تحمل الأزمة المستمرة في البلاد تداعيات غير مباشرة على (إسرائيل) تخص 4 جوانب رئيسية: الدرجة التي تقوض بها الحرب الليبية استقرار مصر، واحتمال أن تصبح ليبيا ملاذا إقليميا للجماعات الإسلامية العنيفة، واحتمال تسرب منظومات الأسلحة إلى الأطراف المتحاربة خارج البلاد، والنفوذ المتعمق في حوض البحر الأبيض المتوسط ​​لروسيا من جهة، وتركيا من جهة أخرى، من خلال ترسيخهما المستمر لنفوذهما في الدولة الفاشلة شمال أفريقيا.

المصدر | معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي

  كلمات مفتاحية

معهد إسرائيلي: كيف أصبحت ليبيا ساحة خصومات إقليمية؟