استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

وحيدا على الذُرى في مصر

الأربعاء 31 يوليو 2019 07:57 م

وحيدا على الذُرى في مصر

إدارة السيسي في مصر استأصلت أو همّشت كل المتحاورين المُحتملين فسحقتهم أو لاحقتهم!

لن يحدث الانتقال السياسي في المستقبل القريب وبطريقة سلمية إلا إذا باشرته القوات المسلحة بنفسها.

ليس لدى الجيش المصري محاورون يمكن التفاوض معهم لتحقيق مشاركة أوسع في صوغ القرارات الوطنية.

لا يزال الائتلاف الحاكم منخرطا في بوتقة المصالح الخاصة ومنغمسًا في تعظيم حصتهم من كعكة السلطة والمال العام.

حتى لو أراد الجيش دفع الرئيس والائتلاف الحاكم نحو عملية انتقالية ربما فات الأوان ليكون انتقالا "سلميا" و"منظّما".

ولّدت خيلاء المشاريع الكبرى التي أرادها السيسي رساميل عاقرة وفرصاً ضائعة فيما حلّقت الديون الخارجية لأعلى مستوياتها.

*     *     *

أظهرت ردود الفعل الرسمية المصرية على الحروب الأهلية وعمليات الانتقال السياسي في بعض الدول العربية منذ أوائل 2019، وجود ميل غريزي لدى المسؤولين فيها لمساعدة رجل عسكري قوي في الاستيلاء على السلطة في ليبيا وللحفاظ على دور القوات المسلحة في وضع ترتيبات الحوكمة في كلٍ من السودان والجزائر.

بيد أن أي مقاربة مصرية أكثر حذاقة قد تصل إلى استنتاجات مغايرة في ما يتعلق بمستقبل دور القوات المسلحة المصرية في حلبتي السياسة والحكم.

إذ ثمة حاجة إلى مشاركة أوسع في آليات صنع القرار الوطني، سواء في إدارة شؤون الاقتصاد والمالية العامة ودعم الأسواق، أم في قطاع التنمية الاجتماعية. يتطلّب ذلك شيئاً محدّداً: الانتقال السياسي. ولكن، لن يحدث هذا في المستقبل القريب، وبطريقة سلمية، إلا إذا باشرته القوات المسلحة بنفسها.

يصدر خطاب مُتفائل عن القاهرة والعواصم الغربية والمؤسسات المالية الدولية حول الآفاق والفرص في مصر، ولكنه يُخفي حقائق اجتماعية واقتصادية مُقلقة للغاية.

ففي نيسان/أبريل 2019، جاء في تقديرات البنك الدولي أن 60 بالمئة من المصريين "فقراء أو مُعرّضون إلى الفقر"، الأمر الذي يعكس جزئياً الانحدار الحاد للأمن المالي للطبقة الوسطى.

بالطبع، فإن تحسّن مؤشرات الاقتصاد الكلي، مثل وتائر نمو الناتج المحلي الإجمالي واحتياطات العملة الصعبة، مثير للاطمئنان.

بيد أن هذه المؤشرات تُغفل في الوقت نفسه الحقيقة بأن إدارة الرئيس عبد الفتاح السيسي أثبتت أنها ليست أكثر قدرةً من الإدارات السابقة، منذ أن أسست القوات المسلحة الجمهورية عام 1952، على حل مشاكل تدنّي الإنتاجية والاستثمار المحلي وتفاقم أنماط النشاط الاقتصادي الطفيلية التي منعت البلاد من الوقوف على قدميها اقتصاديا.

العكس هو الصحيح، حيث ولّدت خيلاء المشاريع الكبرى التي شدّد عليها السيسي رساميل عاقرة وفرصاً ضائعة، فيما كانت الديون الخارجية تحلّق إلى أعلى مستوياتها.

لم تصل مصر بعد إلى مستوى الأزمة، لكنها تُواجه، بفعل طفرة زيادة السكان التي تبلغ مليوني نسمة سنوياً ووجود دلائل على اختلال سوق العمل وتدهور نوعية العمالة، تحديات اجتماعية واقتصادية جمّة توازي على الأقل في درجة تثبيطها تلك التي أفرزت حركات شعبية أجبرت رؤساء مُستبدين مدعومين من الجيش على التخلي عن السلطة في الجزائر والسودان.

علاوة على ذلك، بلغ تداعي الجهاز البيروقراطي المدني للدولة مبلغا حدا بالقوات المسلحة، بناء على تعليمات السيسي، إلى إدارة نحو ربع الأشغال العامة التي تمّولها الحكومة منذ العام 2014.

كما تدخلت هذه القوات في قطاعات اقتصادية متنوّعة كإنتاج الصلب والإسمنت والتنقيب عن الذهب، بهدف مُعلن هو تحقيق استقرار الأسعار في الأسواق وزيادة عائدات الدولة.

لكن، ورغم تباهي القوات المسلحة بتفوّقها في مجالي الإدارة والمهارات الهندسية، إلا أنها كانت عاجزة عن تعبئة موارد محلية كافية لزيادة الاستهلاك العام وزيادة الصادرات.

وربما يتم الإدراك قريباً أن القوات المسلحة لا تستطيع أن تعالج طويلاً قصور الدوائر المدنية للدولة عن توفير الإدارة الاقتصادية والخدمات العامة الأخرى.

أو، على أقل تقدير، قد يستنتج كبار الضباط في السلك العسكري الذين ليست لديهم مصالح مُتجذرة في النشاطات الاقتصادية والتجارية للجيش، بأنه يمكن خدمة المصالح الاحترافية للقوات المسلحة على نحو أفضل، من خلال وقف الدور الراهن الذي تقوم به.

وبالتالي، ربما يسعى هؤلاء "المؤسساتيين العسكريين" إلى مخرج من هذا الوضع.

هذا قد يُعد المسرح أمام القوات المسلحة للمبادرة إلى تدشين عملية انتقال سلمية. والحال أن مثل هذا التطوّر سيشكّل خبراً طيباً، لكن تنتصب في وجهه عقبة خطيرة.

تجدر العودة هنا إلى أن الجيش البرازيلي، لأسبابه الخاصة، أطلق مبادرة الانفتاح في العام 1974، التي أعادت السلطة إلى المدنيين بعد نحو عقد من الحكم العسكري، وكذا فعل زميله التشيلي حين وافق على الهزيمة الانتخابية للدكتاتور أوغستو بيونشيه في العام 1988.

تفاوض الجيشان مع كلٍ من أحزاب المعارضة السياسية وحلفائهما من رجال الأعمال حول صيغ عملية الانتقال. بيد أن إدارة السيسي في مصر قد استأصلت أو همّشت كل المتحاورين المُحتملين، فسحقت ولاحقت الإسلاميين، والليبراليين، والديمقراطيين الاشتراكيين، والشبان النشطاء اليساريين.

أما قطاع الأعمال فهو يعتبر صديقاً للنظام لكن يعوزه الاتساق كطبقة حليفة، حيث أن أربابه الرئيسيين هم إما على علاقة تبعية طفيلية مع الدولة للحصول على العقود، أو أنهم متضايقون من تجاوزات الجيش.

صحيحٌ أن الأنظمة، بما في ذلك حتى السلطوية منها، تحتاج للارتكاز السياسي إلى التحالفات الاجتماعية، لكن لا يزال الأعضاء الرئيسين في الائتلاف الحاكم المصري حتى اللحظة منخرطين للغاية في بوتقة المصالح الخاصة ومنغمسين في جهود تدعيم حصتهم من كعكة السلطة والأموال العامة، الأمر الذي يمنعهم من استشراف المخاطر أو التفكير في تغيير سلوكياتهم.

لكن، فيما تبدو وزارة الداخلية الأكثر تصلّبا وارتكاسا، ربما بدأت القوات المسلحة تتلمّس الحاجة إلى الاستعداد للقيام بانسحاب منظّم من الدور السياسي المُسرف.

صحيح أن الدستور المعدّل الذي أُقّر في نيسان/أبريل 2019، والذي أطلق يد القوات المسلحة "لحماية الدستور والديمقراطية" و"الحفاظ على ركائز الدولة المدنية"، شرعن بوضوح أي تدخلات مستقبلية للجيش وفق أنموذج انقلاب تموز/يوليو 2013!

إلا أن الصحيح أيضًا، على المنوال نفسه، أنه ربما كان هذا التعديل مصمّماً كذلك لتمكين القوات المسلحة من انتشال نفسها من لجج الصراعات السياسية المعقّدة ومن حلبة التنافسات المؤسسية الخاصة بحكم مصر، لكن دون التخلي عن السلطة كلياً أو إدارة الظهر للنظام الذي تخدمه، أو إلزام نفسها بخدمة السيسي أو أي رئيس مستقبلي على نحو تام وقطعي.

مثل هذا الدور السياسي المُتبقي هو ما سعت إليه القوات المسلحة التشيلية في الدستور المعدّل الذي صاغته في 1980، وهو ما حصل عليه الجيش التركي قبل إعادته السلطة الفعلية إلى المدنيين بعدها بثلاث سنوات.

قد يكون من المغالاة بالتفاؤل ترقّب ولادة مماثلة في مصر. غير أنه، حتى لو أدركت القوات المسلحة المصرية تماماً الحاجة إلى تحقيق هذه الخطوة ودفع الرئيس والشركاء الآخرين في الائتلاف الحاكم المؤسّسي إلى التفاوض على عملية انتقالية، ربما يكون الأوان قد فات ليكون الانتقال سلمياً ومنظّماً في آن.

* د. يزيد صايغ باحث رئيس بمركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، حيث يتركّز عمله على الأزمة السورية، والدور السياسي للجيوش العربية، وتحوّل قطاع الأمن في المراحل الانتقالية العربية، إضافة إلى إعادة إنتاج السلطوية، والصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، وعملية السلام.

المصدر | مركز كارنيغي للشرق الأوسط

  كلمات مفتاحية

برلمانيون: السيسي لن يسمح بإجراء انتخابات محلية