استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

كـــرم الله وتبــذيــر النــاس

الاثنين 22 يونيو 2015 05:06 ص

يتكرر المشهد الاقتصادي والدرامي في كل رمضان، فترتفع أسعار اللحوم والخضراوات والحلويات، وتزدحم الشاشات الفضية بالمسلسلات السطحية (المسلية)، ورغم ذلك يقبل المستهلكون والمشاهدون على استهلاك ما يقدّم لهم من دون رؤية نقدية، فيما يستمر الأهالي في توفير وإتاحة الأجهزة الإلكترونية المدمرة لأبنائهم، حتى يتجنبوا حركتهم الزائدة وزعيقهم المتواصل.

يوم الخميس الماضي، وهو اليوم الأول لشهر رمضان المبارك، نشرت إحدى صحف الإمارات على لسان أحد التجار أن أسعار اللحوم ازدادت بنسبة 20%، بينما ارتفعت أسعار الخضار بنسبة 5%، ومن المتوقع أن تزيد نسبة ارتفاع الأسعار في النصف الأول من الشهر الكريم، نتيجة الاستهلاك المتزايد واستغلال التجار لحاجة الناس.

أما استقبال رمضان بهذا الكم الهائل من البرامج الترفيهية والمسلسلات، فقد أصبح ضمن عادات وتقاليد الشهر الطارئة على معناه وقيمه، والمشكلة تكمن في سطحية معظم المسلسلات التي ترمي إلى الضحك فقط، أو افتعاله. ونظراً لحاجة القنوات الفضائية لملء مساحاتها، فإنها تقبل على شراء ما هبّ ودبّ من الأعمال الفنية الهابطة.

والأمر لا يتوقف عند كثرة المسلسلات، وإنما في موضوعاتها المستهلكة، ومعالجاتها الفجة، وأحياناً عند الإسفاف، فالشهر الفضيل له حرمته وقيمه، ولا شك أن الإسفاف والمشاهد التافهة تجرح هيبة الشهر، لكن الناس يقبلون عليها بذريعة الحرارة والرطوبة والكسل أو التخمة بعد الإفطار، والخوف الكبير من أن يتحول الشهر بكل تفاصيله إلى شهر سهر وسمر وحفلات ومآدب، وتنحسر روحانيته إلى أدنى درجة، فيصدق معنى الحديث أن كثيرين لا يصيبهم من رمضان سوى الجوع، ولا يصيبهم من صلواتهم سوى الحركة.

لا جدال في أن هذا الشهر الفضيل ليس لاستعراض أنواع الطعام وأشكال الحلويات وتعدد الأطباق والعصائر المختلفة، وليس للتسلية وقتل الوقت. فهذا الشهر شهر عبادة ومراجعة وتأمل وشد الأحزمة على البطون، ليتحقق عامل التعاطف مع الفقير، وتقدير نعمة الله على عباده، وتثمين الوقت.

وكم هي الساعات التي تضيع من دون فائدة أو إنتاجية، في الوقت الذي يجب أن تكون علاقة المسلم مع الزمن كعلاقته مع الله، وقد حذر بعض العلماء من توجيه اللعنة على الزمن، فالدهر هو الله، والله هو صاحب الوقت والزمان والدهر، والتعامل معه شديد الحساسية، ولهذا يُسأل المرء عن عمره (وقته) كيف أمضاه، وعن ماله كيف صرفه، فإضاعة الوقت من دون فائدة يقترب من المحرمات، والفائدة ليست مادية، وإنما روحانية ونفسية ومجتمعية.

فالفائدة تكمن أيضا في الجلوس مع الأهل أو معايدة المرضى أو صلة الرحم أو ممارسة العمل التطوعي، أو إصلاح ذات البين وتقريب وجهات النظر بين الأصدقاء المختلفين أو الأهل المتناحرين.

وما أحوجنا إلى ممارسة هذا الفعل على الصعد الشخصية والمجتمعية والإقليمية والإنسانية، فالخراب يضرب الساحات السياسية والانفلات يصدّع المجتمعات، والإنسان في أمس الحاجة إلى درء الفتن والحروب وإيقاف سيلان الدم، وتطبيق مبدأ حرمة دم المسلم على المسلم. كل هذا على صلة مع الوقت والزمن وكيفية إدارته والاستفادة من كل دقيقة منه حتى ولو بكلمة خير ومودة ورحمة.

أما الاستهلاك غير الطبيعي في رمضان، فيحول الناس من صائمين إلى شرهين وبالنتيجة يتم تصنيفهم في خانة المبذرين، فمن يشتري ما لا حاجة له به، ومن يرمي الطعام، هو إنسان لا يقدر نعمة الخالق، وبالتالي فهو مبذر، والمبذرون إخوان الشياطين، فكيف يقبل الصائم أن يكون أخ الشيطان في شهر الكرم والفضيلة، الشهر الذي أنزل فيه القرآن! ولو تأمل كل فرد ما يفعله في يومه وما ينتظره من عتاب أو حساب عند مقابلته لخالقه، لتوقف من فوره عن شراء ما لا يحتاج، أو رمي الطعام في سلال المهملات.

الغريب أن معظم الناس يعرفون ويدركون ما سبق من كلام ولكنهم يقدمون على تبنّي السلوك المعاكس. ولو راقبنا وسائل التواصل الاجتماعي (توتير، إنستغرام، فيس بوك) أو المجموعات على (الواتس أب) لاكتشفنا أن الجميع تحولوا إلى مصلحين ورجال دين وحكماء يكتبون النصائح والآيات والأحاديث ذات الصلة.

لكنهم في الحقيقة لا يطبقون سوى نسبة ضئيلة من المبادئ التي ينشرونها على الملأ، وهذا سلوك يتناقض فيه الإنسان مع نفسه ويقترب من تصنيف الانفصام في الشخصية، وهذا يضع الإنسان مرة أخرى نفسه في مواجهة مع الخالق الذي يذكر الذين يقولون ما لا يفعلون، هؤلاء فئة ترتكب الخطيئة والمعصية.

المشهد ليس مشوهاً، هنالك نور كبير يشع من الظلام بشكل دائم، هنالك من يعمل الخير بشكل حقيقي، ويفعل ما يقول، ويتصدق فلا يجعل اليد اليسرى تعرف ما أعطت اليد اليمنى، لكن الإعلان عن فعل الخير أحيانا وفي مواقف معينة، يشكل ضرورة من حيث تكريس المبدأ والفعل والسلوك.

هذا الإعلان يكتسب معنى سامياً، ويحرض على التسامح والكرم وتعزيز النسيج المجتمعي. وهذا قلّما يحدث في مناطق أخرى من العالم، وحدوثها في بلادنا مبعث فخر واعتزاز بمبادئنا وقيمنا وتوجهاتنا الإنسانية.

ونتوقع من التجار أن يبادروا إلى خفض الأسعار وتوفير المنتجات الضرورية لرمضان، وأن يقوموا برقابة ذاتية، فلا ينتظرون وزارة الاقتصاد أو البلديات، وكذلك الأمر بالنسبة للقائمين على القنوات الفضائية، عليهم أن يتوقفوا عن إهدار الوقت من دون فائدة، فرمضان ليس شهر تسلية، وإنما شهر محاسبة وتأمل. وكل عام وأنتم بخير.

  كلمات مفتاحية

رمضان ارتفاع الأسعار الاستهلاك المسلسلات التلفزيونية التبذير

تقرير: دول الخليج الأكثر إسرافا وتنتج 150 مليون طن نفايات بقايا أطعمة سنويا

إهدار 4 مليون وجبة يوميا في الرياض ... مبادرة سعودية لمنع الإسراف خلال رمضان