لوب لوغ: الاستبداد الرقمي أكبر خطر يهدد الديمقراطية بالشرق الأوسط

الثلاثاء 27 أغسطس 2019 11:56 م

منذ أشهر، ادعى الرئيس "دونالد ترامب" أن أحدا لم يوجه أصابع الاتهام مباشرة إلى ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" بشأن اغتيال الصحفي السعودي البارز "جمال خاشقجي"، على الرغم من الأدلة الواضحة التي تشير إلى عكس ذلك.

وعندما ضغط عليه الصحفيون بشأن النتائج التي قدمتها وكالة المخابرات المركزية والأمم المتحدة بأن "بن سلمان" قد يكون - على الأرجح - قد أذن مباشرة بالاغتيال خارج نطاق القضاء، تفادى "ترامب" السؤال وأعاد التأكيد على قوة علاقته بولي العهد قائلاً: "تربطني علاقة جيدة مع محمد بن سلمان".

برمجيات التجسس

ولا يعد التجاهل الصارخ للانتهاكات الدولية لحقوق الإنسان من جانب الرؤساء الأمريكيين أمراً جديدًا، خاصة عندما تأتي هذه الانتهاكات من حلفاء واشنطن. ومع ذلك، يبدو أن هذه الديناميكية تغرق إلى مستويات جديدة من الانحطاط تحت حكم "ترامب"، الذي عزز الأنظمة غير الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من خلال منح القادة الاستبداديين دعمه الكلامي المستمر ومواصلة تزويدهم بالموارد العسكرية الحيوية.

وبتأمل الفترة الحالية من التراجع الديمقراطي العالمي، جادل "لاري دياموند"، وهو زميل بجامعة ستانفورد بأن "تراجع الديمقراطية لن يتوقف إلا إذا تبنت الولايات المتحدة مرة أخرى مسؤولية الترويج للديمقراطية".

وتعد أحد الجوانب المهمة التي تتعرض للتجاهل في كثير من الأحيان، هو كيف ساعد انتشار تكنولوجيا المراقبة في دعم الأنظمة الاستبدادية وتزويدها بالقدرة على خنق المعارضة من خلال مراقبة شعوبها على الإنترنت، والتحكم في المعلومات المتاحة، وتتبع المعارضين عبر العالم.

وفي التقرير المكون من 100 صفحة حول مقتل "خاشقجي" الذي نشرته الأمم المتحدة، على سبيل المثال، زُعم أن "السلطات السعودية تمكنت من الوصول إلى اتصالات خاشقجي مع عمر عبد العزيز [زميل معارض سعودي] عن طريق إصابة هاتف الأخير ببرمجية التجسس بيغاسوس"، وتنفي السعودية هذه المزاعم.

يُعتقد أن برمجية التجسس قد تم تطويرها من مجموعة "إن إس أو" سيئة السمعة في (إسرائيل)، وهي شركة تقنية وجد أنها تبيع تكنولوجيا المراقبة لمجموعة من الجهات الفاعلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ومن أجل حماية الديمقراطية العالمية وتعزيزها وحماية الحريات الفردية في المنطقة، من الأهمية بمكان أن تدين الحكومة الأمريكية بأشد العبارات الممكنة انتهاكات حقوق الإنسان الرقمية هذه.

يعد استخدام تكنولوجيا المراقبة الإسرائيلية الصنع هو مجرد واحد من قائمة طويلة من انتهاكات الحقوق الرقمية التي حدثت في السعودية خلال السنوات الأخيرة. وجاء في أحدث تقرير يرصد "الحرية على الإنترنت" أصدرته مؤسسة "فريدوم هاوس" القول: "انخفضت حرية الإنترنت في السعودية في عام 2018 وسط تصاعد عدم التسامح مع جميع أشكال المعارضة السياسية والاجتماعية والدينية".

وكان رد الفعل واضحا جدا، فوفقًا لتقرير صادر عن فرع جامعة نورث وسترن في قطر، فإن 54% من الأشخاص يستخدمون الآن خدمات الشبكات الافتراضية الخاصة "VPN" أو خدمة مماثلة في السعودية في محاولة لإخفاء حركة مرور الإنترنت الخاصة بهم عن الرقابة الحكومية والالتفاف على حظر المحتوى.

وبالمثل، شهدت مصر - التي تتلقى مساعدات أمريكية بقيمة 1.3 مليار دولار في السنة - حملة قمع عنيفة على جميع المساحات المحتملة للمعارضة، بما في ذلك عبر الإنترنت.

وتم وصف الرئيس الديكتاتوري المصري "عبدالفتاح السيسي" بأنه "شخص عظيم" من قبل "دونالد ترامب"، ومع ذلك فهو مسؤول عن حبس حوالي 60 ألف سجين سياسي وفقًا لـ "هيومن رايتس ووتش".

وحدثت العديد من هذه الاعتقالات بسبب أنشطة على الإنترنت، إلى درجة أن بعض الناشطين تم سجنهم لمشاركتهم صورا فكاهية تظهر "السيسي" بآذان ميكي ماوس.

قبضة رقمية

نظرًا لأن الحكومات في جميع أنحاء المنطقة تتطلع بشكل متزايد إلى الحفاظ على السيطرة من خلال خنق حرية التعبير على الإنترنت، فقد تم تقويض الحريات الديمقراطية الأساسية لشعوب هذه البلدان. ومع ذلك، لم تكن الرقابة مدفوعة فقط بالرغبة في قمع المعارضة الداخلية، حيث أثرت الصراعات داخل المنطقة أيضًا على رغبة الأنظمة في التحكم في المحتوى المنشور على الإنترنت بشكل متزايد.

وكما وجد "حلمي نورمان" من مركز بيركمان كلاين للأبحاث: "يمنع مراقبو الدولة الوصول إلى الآراء والتقارير عن النزاعات الثنائية والنزاعات داخل المنطقة التي تتعارض أو تتناقض مع رواياتهم الخاصة، مما يدل على محدودية التسامح مع النقاش أو التغطية غير المنحازة إلى وجهة نظر الدولة".

ويؤدي منع انتشار وجهات النظر البديلة إلى إطالة أمد الصراعات في المنطقة ويزيد من حدتها، لأن المواطنين لا يستطيعون رؤية مجموعة متنوعة من وجهات النظر.

لم يقتصر التورط الأمريكي في هذه الرقابة على الإنترنت على صمت "ترامب" بشأن القضية، بل إن هناك أيضًا أدلة متزايدة على أن الشركات الأمريكية عملت مباشرة مع مزودي التكنولوجيا الرئيسيين للأنظمة الاستبدادية.

وكما أظهر تقرير استقصائي حديث في موقع "ذا انترسبت"، فقد عملت شركة "IBM" و الشركة المصنعة للرقاقات الدقيقة "Xilinx" مع شركة "Semptian"، وهي شركة صينية معروفة بإنتاج تكنولوجيا مراقبة تم استخدامها في جميع أنحاء المنطقة.

ومع تزايد التوترات بسبب غموض بيع تقنية المراقبة، قدم المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحرية التعبير "ديفيد كاي"، توصيات إلى الأمم المتحدة من أجل تعليق عالمي لبيع برامج التجسس.

وفي بيانه كتب "كاي": "ثبت أن مراقبة أفراد معينين - غالبًا الصحفيين والناشطين وشخصيات المعارضة والنقاد وغيرهم ممن يمارسون حقهم في حرية التعبير - تؤدي في النهاية إلى الاحتجاز التعسفي، وأحيانًا إلى التعذيب، وربما إلى الاغتيالات خارج نطاق القضاء".

انتهاكات مستمرة

إلى جانب هذا التعليق، يجب على الحكومات في جميع أنحاء العالم أن تبدأ أيضًا في الإدانة العلنية لاستخدام هذه التكنولوجيا القمعية. وكما جادل كل من "هيلاري ماتفيس" و"جيفري سميث" فإن "القادة غير المهتمين بأن يحاسبوا من قبل مواطنيهم لا يرون إدارة ترامب تتسامح فقط مع اندفاعاتهم المدمرة وإنما تعززها أيضاً".

من أجل الديمقراطية العالمية وحقوق الإنسان الدولية، من الضروري إذن أن تأخذ الإدارة الأمريكية في الاعتبار انتهاكات الحقوق الرقمية وكيف يتم استخدام التكنولوجيا الجديدة من قبل حلفائها. وإذا لم يتحقق هذا، فقد تستمر انتهاكات حقوق الإنسان الفظيعة في الازدهار.

في النهاية، يجدر بنا أن نتذكر بعض الكلمات الأخيرة المنشورة لـ"جمال خاشقجي": "كان هناك وقت اعتقد فيه الصحفيون أن الإنترنت سيحرر المعلومات من الرقابة والسيطرة المرتبطة بالإعلام المطبوع. لكن هذه الحكومات، التي يعتمد وجودها ذاته على التحكم في المعلومات، قد حظرت الإنترنت بعدوانية".

ورغم ذلك، لا تزال احتمالية بقاء الإنترنت كقوة تحرير ماثلة، ومع ذلك، يتطلب ذلك انتقاد الدول علنًا عندما تنتهك الحقوق الرقمية الأساسية، كحد أدنى.

المصدر | صامويل وودهامز - لوب لوغ

  كلمات مفتاحية

وسائل إعلام رقمية الديمقراطية العربية جرائم الاستبداد

تجاهل لافت للشرق الأوسط.. ماذا بعد قمة بايدن للديمقراطية؟