استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الهجوم الاقتصادي السياسي البديل

الجمعة 30 أغسطس 2019 08:25 ص

الهجوم الاقتصادي السياسي البديل

إنقاذ الأمة من الاستهداف يجب أن يشغل بال المفكرين، ومن لهم غيرة وحرص على أمتنا.

تتيح الأدوات العصرية لدول متفوقة تكنولوجيا إحداث انفجارً داخلي يفقد الفريسة قدرتها على المقاومة فتستسلم لقدرها طائعة.

الجيل الرابع من الحروب لم يعد مواجهة جيوش بل إرباك العدو والضغط عليه حتى يتآكل ببطء حتى يذوي ويتلاشى.

المعارك العسكرية المكلفة لم تعد في زمن الجاسوسية والإلكترونيات وعلم الأعصاب والتأثير السلوكي والتهديم الاقتصادي هي البديل الأفضل.

*     *     *

تداولت المنصات الإلكترونية أخيرا شريطاً لمحاضرة ألقاها، في أول يوم من شهر ديسمبر/كانون الأول 2018، البروفسور ماكس مانوارينج، الباحث في معهد الدراسات الأمنية، ورجل المخابرات السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. وكان مكان المحاضرة في إسرائيل، ما يضفي عليها غموضاً إضافياً.

وقد ابتدأ مانوارينج محاضرته مقتبساً من كتاب القاصة الإنجليزية الشهيرة، جيه. كيه. رولنغز (هاري بوتر). حيث يقول إن الجيل الرابع من الحروب لم يعد مواجهة الجيوش بعضها ضد بعض، وإنما إرباك العدو، والضغط عليه، حتى يبدأ في التآكل البطيء، إلى أن يذوي ويتلاشى.

فالمعارك العسكرية المكلفة والمهدمة للثروات لم تعد في زمن الجاسوسية والإلكترونيات، وعلم الأعصاب، والتأثير السلوكي، والتهديم الاقتصادي هي البديل الأفضل.

وبالطبع، أعطى ماكس مانوارينج إسرائيل النصائح حول تفتيت أعدائهم، وخنقهم بالتدريج اقتصادياً. ولا أريد أن أثقل كاهل القرّاء بالتفاصيل، فما جرى في الوطن العربي من حروب داخلية، وتناحر، وتهجير، وتدمير للثروات، واقتلاع للناس، خير دليل على أن هذه الظواهر المدمرة قد نتجت عن خطة شيطانية قُصد منها قيام الدول العربية بتدمير بعضها بعضا، بأقل التكاليف، بل وبأحسن العوائد لأعداء الأمة.

 

أفعى الأصَلَة العاصرة

وقد تذكرت أنني عام 1987 زرت تايوان، وقابلت رئيس هيئة الأركان المتقاعد، هويجو تشيانغ، وهو الابن الذي تبنّاه تشيانج كاي شيك رئيس تايوان ومؤسسها دولة بعدما سيطر ماو تسي تونغ على أرض الصين الشعبية.

وفي ذلك اللقاء، أهداني تشيانغ كتاباً بعنوان "الهجوم الناعم" أوThe Mellow Offensive من تأليفه. ويقول فيه إن إمكانية التغلب على الصين الشعبية، في حرب عسكرية غير ممكنة. لذلك يقترح أن تتبع الدول المجابهة للصين استراتيجية طويلة النّفَس، تشبه طريقة الأفعى البرازيلية "Boa" أو "الأصَلَة العاصرة".

والأصَلَة (بفتح الصاد واللام) هي الأفعى الضخمة التي تقتل فريستها بالالتفاف حولها وعصرها. وكلما تمكّنت الفريسة من التقاط أنفاسها، شدّدت الأصلة من قبضتها على الفريسة. وهكذا تستمر العملية حتى تنهار الضحية.

والواقع ما قاله هويجو تشيانغ لا يختلف كثيرا عما قاله ماكس مانوارينج من حيث الاستراتيجية. لكن الأدوات العصرية الحديثة تتيح للدول المتفوقة تكنولوجياً أن تُحدث انفجاراً داخلياً يفقد الفريسة القدرة على المقاومة، فتستكين إلى قدرها مستسلمة طائعة.

 

الهجوم الناعم

لكن سياسة "الهجوم الناعم" لم تفلح مع الصين، بل على العكس، تمكّنت الصين من تجاوز احتمالات التفسّخ الداخلية، باتباعها سياسات صارمة من حيث الأمن، وبقدرتها على منح الأقليات من جميع الجنسيات والأديان فرصةً لممارسة طقوسها وعباداتها.

وأذكر مثلاً عام 1981 حين حضرت مؤتمراً دولياً عن السكان، قدمت فيه ورقة بحثية عن العلاقة بين السكان والاستخدام، أن الصين التي فرضت سياسة الطفل الواحد لكل أسرة أعفت الأقليات، ومنهم المسلمون، من هذا القيد لحوالي عقد ونصف.

ومما ساعد الصين هو أنها ساهمت في تثبيت أقدام الحكم الشيوعي في كوريا الشمالية بقيادة كيم إيل سونغ عام 1948، وفي الحرب الكورية التي انتهت بتقسيم كوريا وإعلان الهدنة عام 1953.

 

انفتاح صيني على الغرب

كذلك، دعمت الصين الحرب في فيتنام ضد الولايات المتحدة، وأدى ذلك إلى هزيمة الأخيرة عام 1973 وانسحابها من فيتنام، ولو قيّض للولايات المتحدة الفوز في كوريا وفيتنام لشكّلت هاتان الجبهتان نقاط ضغط كبيرة على الصين التي بدأ انفتاحها على الغرب، عندما استقبلت الرئيس الأميركي، ريتشارد نيكسون، في شهر فبراير/شباط عام 1972، لكن العلاقات لم تتطور إلا بعد انتهاء الحرب في فيتنام.

وقد بقيت العلاقات محصورة ضمن الإطار الرسمي، حتى وفاة ماو تسي تونغ في شهر سبتمبر/أيلول عام 1976. ودخلت الصين بعدها في نزاع داخلي بين المحافظين، أو من سُموا بعصابة الأربعة، ومنهم زوجة الرئيس ماو، الذين قادوا ما سميت الثورة الثقافية، حيث قُتل وسجن وشرد آلاف المعارضين. لكن سرعان ما انتصر الجناح الليبرالي الإصلاحي، وانفتحت الصين على العالم، وكان ما كان.

وبسبب نمو الصين، وتطورها التكنولوجي، وفائضها الكبير مع العالم، اعتقد الغرب أن بالإمكان إعادة استخدام سياسة "الأصلة العاصرة" لتلتف حول الصين، بدءا من سياسات ترامب بخوض حرب تجارية، وانتهاءً بإشعال المشكلات في هونغ كونغ التي حافظت على حكمها الذاتي حتى الآن.

وهنالك بالطبع قضية مسلمي الإيغور (Uyghur) في مقاطعة شينج يانغ الصينية، والتي لم تعالجها الصين بشكل حصيف، كما فعلت مع المسلمين قبل ذلك.

 

العرب والحروب المعاصرة

الصين الآن بعدد سكانها الذي يصل إلى قرابة 1.4 مليار نسمة، غير قابلة للانكسار في المدى المنظور. وليس حولها دول جارة ومعادية لها لا تستطيع الصين معالجة أمرها، مثل كوريا الجنوبية أو اليابان، خصوصا أن ما بين هذين البلدين تحديدا خلافٌ عميق.

أما نحن العرب، فلم نصمد أمام الحرب العاصرة، وقد تتدهور الأوضاع أكثر وأكثر، إن حصل تقسيم في اليمن وليبيا، وربما حتى في سورية، بسبب الخلافات التركية الأميركية، والروسية التركية والتركية السورية.

وجميع هؤلاء مع إيران. وصفقة القرن باتت على الأبواب، وليس فيها بصيص أمل بأن تطلعات الشعب الفلسطيني سوف تلبّى، لا في دولة مستقلة، ولا حتى في حكم ذاتي على كامل الأرض المحتلة.

ما الذي ينقذ الأمة العربية من هذا الاستهداف؟ سؤال يجب أن يشغل بال المفكرين، ومن لهم غيرة وحرص على أمتنا.

* د. جواد العناني سياسي وخبير اقتصادي، نائب رئيس الوزراء رئيس الديوان الملكي الأردني الأسبق.

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية