إنسايد أرابيا: قطر تعزز دبلوماسيتها الناعمة في العالم الإسلامي

الأحد 1 سبتمبر 2019 11:44 ص

رغم استمرار دول الحصار، التي تضم البحرين ومصر والسعودية والإمارات في حملتها ضد قطر منذ 26 شهرا، فقد تمكن المسؤولون في الدوحة بمهارة من ممارسة النفوذ الدبلوماسي في الخليج وما وراءه. ومن خلال القيام بذلك، أثبتت الدوحة قدرتها على مواصلة التعاون بفعالية مع الولايات المتحدة والقوى العالمية فيما يتعلق ببعض أصعب الملفات في الشرق الأوسط.

وببساطة، تماما كما لجأت الإدارة الأمريكية السابقة إلى قطر للمساعدة في الوساطة وتسهيل المحادثات بين الجهات المتحاربة والجهات الفاعلة من غير الدول في الشرق الأوسط الكبير، تنظر إدارة "ترامب" أيضا إلى قطر كحليف حاسم للولايات المتحدة في هذا الصدد.

وكانت الاستجابة القطرية لتصاعد التوترات في العلاقات الأمريكية الإيرانية مثالا بارزا على ذلك. وأوضحت الدوحة موقفها، وشددت على أهمية وقف التصعيد. وفي يونيو/حزيران، قال وزير الخارجية القطري الشيخ "محمد بن عبدالرحمن آل ثاني": "نعتقد أنه في مرحلة ما، يجب أن يكون هناك اتفاق، لا يمكن أن يستمر الوضع هكذا إلى الأبد. وبما أن الطرفين غير مستعدين للانخراط في مزيد من التصعيد، فيجب عليهما التوصل إلى أفكار للحل".

وتمنح هذه السياسة قطر الفرصة للعب دور حاسم في تخفيف التوترات، التي قد تتحول إلى حرب جديدة من شأنها أن تؤدي إلى تأثير كارثي على بنية الأمن في الشرق الأوسط.

الموازنات القطرية

ولا شك أن موقف الدوحة تجاه الصراع بين الولايات المتحدة وإيران يعد حساسا. فمن ناحية، وبسبب مشاركة قطر وإيران في أكبر احتياطي للغاز الطبيعي في العالم، الذي تعتمد عليه الدوحة للحصول على دخلها، يتعين على الإمارة الخليجية العربية وجارتها الفارسية الحفاظ على علاقات تعاونية وصحية.

ويضاف إلى المعادلة، الحصار الذي يفرض على قطر تقوية علاقاتها مع الجمهورية الإسلامية بهدف تأمين المصالح الاقتصادية الحيوية عبر العديد من القطاعات، من الطيران إلى واردات الأغذية.

ومن ناحية أخرى، حافظت الدوحة على تحالف وثيق للغاية مع واشنطن، يعود تاريخه إلى القرن العشرين، لكنها وصلت في هذا التحالف إلى آفاق جديدة في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، عندما نقلت الولايات المتحدة مقر القيادة المركزية الأمريكية من السعودية إلى قاعدة العديد في قطر.

وبالتالي، بينما تمضي إدارة "ترامب" قدما في حملتها "أقصى ضغط" ضد إيران، كانت قطر حريصة على تجنب ظهورها بمظهر المنحاز إلى طهران من منظور البيت الأبيض. وفي هذا السياق المعقد، ترى القيادة القطرية أن الخيار الأفضل لها هو محاولة تخفيف التوتر بين واشنطن وطهران، الذي يهدد المصالح الوطنية الأساسية لقطر.

ومن الجدير بالذكر أن الاحتكاك المتصاعد بين واشنطن وطهران جعل إدارة "ترامب" في حاجة ماسة لتجنب عواقب الحصار المفروض على قطر. فعلى الرغم من تغريدات "ترامب" الاندفاعية في يونيو/حزيران 2017 التي أشارت إلى دعمه حصار الدوحة، فقد حث لاحقا كلا جانبي النزاع الخليجي على تسوية خلافاتهما دبلوماسيا، والتغلب على الأزمة المستمرة منذ 26 شهرا.

وفي الصيف الماضي، أعلن مستشار الأمن القومي، "جون بولتون"، أن "الشركاء الإقليميين لواشنطن يتنافسون بشكل غير مقبول، وفي حالة النزاع مع قطر، فإنهم يدخلون في منافسة مباشرة على حساب المصالح الأمريكية". وبعد بضعة أشهر، أكدت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية في ذلك الوقت "هيذر نويرت"، أن وحدة مجلس التعاون الخليجي "ضرورية" لجهود الولايات المتحدة لمواجهة "النفوذ الإيراني الخبيث" و"الإرهاب".

القضية الفلسطينية

أما المسألة الثانية ذات الصلة هنا فهي خطة السلام الأمريكية التي طال انتظارها للشرق الأوسط، والمعروفة باسم "صفقة القرن". ورغم حرصهما تعزيز العلاقات مع الإدارة الأمريكية، وهو ما شوهد بعد زيارة أمير قطر إلى الولايات المتحدة، أكدت الدوحة والكويت أيضا أنهما لا تزالان عاصمتين خليجيتين ملتزمتين بالدفاع عن الحقوق الفلسطينية في الوقت الذي تدير فيه السعودية ظهرها بشكل متزايد للفلسطينيين لصالح تعزيز علاقاتها مع (إسرائيل).

خلال العقود الماضية، كانت القيادة الفلسطينية تعتمد على الرياض بشكل أساسي. ومع ذلك، تسببت مواقف السعودية الأخيرة تجاه القضية في تقليص شعبيتها بين الفلسطينيين وقيادتهم.

ويوجد اليوم الكثير من الشك حول ما إذا كان ولي العهد "محمد بن سلمان" على استعداد جاد للوقوف إلى جانب الفلسطينيين. وفي حين يحيط عدم اليقين بموقف المملكة من القضية الفلسطينية فيما يتجاوز التصريحات الرسمية الداعمة لحل الدولتين، كانت الدوحة أكثر حسما ومباشرة من حيث دعمها للقضية الفلسطينية، مما يجعل قطر إلى جانب الكويت هما الدولتان الأكثر "موالاة للفلسطينيين" في السياسة الخارجية من بين دول مجلس التعاون الخليجي.

وفي مايو/أيار، تعهدت الدوحة بمبلغ 480 مليون دولار إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، مما يدل على تضامنها وعزمها على عدم إلقاء الفلسطينيين في النار وحدهم، على عكس ما يبدو أن "بن سلمان" يقوم به على نحو متزايد.

أما القضية الحاسمة الثالثة فهي أفغانستان. واستضافت الدوحة محادثات السلام الجارية بين طالبان والولايات المتحدة، وكذلك المفاوضات الداخلية بين الأفغان. ويرسل هذا رسالة عالمية مفادها أن "الوساطة والسلام" هي أولوية الدوحة. علاوة على ذلك، في الوقت الذي يبدو فيه أن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" يرغب في إغلاق الملف الأفغاني، حيث أعلن أنه يتطلع إلى سحب جميع القوات الأمريكية من أفغانستان بحلول الانتخابات الرئاسية العام المقبل، ستكون الدوحة هي الحكومة الأقرب للتعاون مع الإدارة الأمريكية في هذا الملف. وعلى الرغم من أن قطر تلقت بعض الانتقادات في الغرب بسبب علاقتها بطالبان، إلا أن المؤسسة الدبلوماسية الأمريكية كانت ممتنة بلا شك للدوحة لقدرتها على العمل كمنصة "محايدة" للمحادثات بين مختلف الأطراف التي تقاتل في أفغانستان، بما في ذلك طالبان.

ومن المثير للاهتمام، أنه في الوقت الذي أصبحت فيه قيادة طالبان تشك بشكل متزايد في نوايا كل من السعودية وتركيا تجاه أفغانستان، استفاد القطريون من هذه الديناميات التي جعلت حركة طالبان تنظر إلى الدوحة باعتبارها العاصمة الحليفة للولايات المتحدة التي تملك القدرة على لعب دور "محايد" فيما يتعلق بالصراع الدائر في أفغانستان منذ 18 عاما. وكما ذكر عضو الكونغرس السابق "جيمس موران"مؤخرا في أحد مراكز الأبحاث في العاصمة، فإن قطر تستحق التقدير لدورها الدبلوماسي "الأساسي" فيما يتعلق بأفغانستان.

ويبدو إذن أنه على الرغم من المبلغ الضخم الذي أنفقته دول الحصار على أنشطة الضغط والعلاقات العامة، فإن جهود أبوظبي والرياض لإقناع المؤسسة الدبلوماسية في واشنطن بالنظر إلى قطر على أنها تهديد خطير، أثبتت أنها كانت دون جدوى. ومع استمرار صمود الدوحة وتعزيز نشاطها في حل الأزمات خلال أكثر من عامين من الحصار، اكتسبت قطر سمعة إيجابية بين الكثيرين في إدارة "ترامب" والمشرعين في "الكابيتول هيل"، الذين يشعرون بالامتنان لاستعداد الدوحة لتحمل مخاطر كبيرة لصالح تعزيز السلام في جميع أنحاء العالم الإسلامي.

المصدر | جورجيو كافيير وعبد العزيز كيلاني - إنسايد أرابيا

  كلمات مفتاحية

حصار قطر دول حصار قطر محادثات أمريكا وطالبان

رغم الحصار تتزايد فرص قطر لتطوير علاقات إقليمية أوسع

عامان على حصار قطر.. كعبة المضيوم تتصدر الجدل بتويتر