حرب حلفاء الشرعية.. على الشرعية
الغارات على عدن وأبين نقطة محورية في الحرب الدائرة في اليمن.
التعجل في عدن والمبالغة في رد الفعل في غارات أبين وعدن دلالة على ضعف إماراتي خفي.
الشرعية اليمنية مرتهنة لرد فعل السعودية التي ما زالت بحالة تردد وربما تواطؤ وعجز.
نجاح قوات الشرعية وبدون دعم سعودي عسكري واضح في كبح جماح الانقلابيين فاجأ أبوظبي.
هل جاء التصالح مع إيران للتوافق مع الحوثيين وخنق الشرعية بين مطرقتهم وسندان المجلس الانتقالي؟
استمرار حرب اليمن الباهظة يعني حاجة الرياض الماسة لعلاقات أبوظبي الدولية وأموالها في دعم سياسة بن سلمان الخارجية المتعلقة حالياً بقشة.
* * *
في مشهد لا يمكن وصفه بأقل من مجزرة قصف الطيران الإماراتي في عشر غارات قوات تابعة للحكومة اليمنية في كل من عدن وأبين مخلفاً قرابة 300 قتيل وجريح.
هذه الغارات ليست الأولى التي تستهدف فيها الإمارات قوات الشرعية ولكنها كانت تدعي سابقاً أن تلك كانت نيران صديقة وأن الاستهداف كان بالخطأ.
في هذه المرة، لم تخف الإمارات مسؤوليتها ولا نيتها مدعية أنها جاءت ضد «إرهابيين» وإثر اعتداء على قوات «الشرعية»، في الواقع كانت هذه الغارات هي نتيجة لنجاح القوات الحكومية في استرداد مساحات في زنجبار مركز محافظة أبين وعدن من القوات الانقلابية المدعومة إماراتياً.
السعودية من ناحيتها لم تحرك ساكناً عدا إعطاء الضوء الأخضر لتصريحات يمنية منتقدة للإمارات والسماح لألوية تابعة للشرعية بالحراك دون دعم حقيقي لمواجهة الانقلابيين.
هذه الغارات مثلت نقطة محورية في الحرب الدائرة في اليمن حيث أصبح صعباً بعدها إخفاء الاحتقان في جهة الشرعية اليمنية تجاه الإمارات فخرج بيان من الرئيس والحكومة والعديد من المسؤولين اليمنيين يسمي الإمارات بشكل مباشر ويطلب إجراءات لردعها. لكن هذه البيانات وخاصة بيان الرئاسة كانت هزيلة مقارنة بما حدث.
بعد الغارات بأيام قليلة بدأت الجاليات اليمنية في الخارج في التحرك من خلال مظاهرات تطالب بتحميل الإمارات المسؤولية وبمحاسبتها على تلك الجريمة.
وفي ظل هذا كله بقيت الشرعية اليمنية مرتهنة في الحقيقة لردة الفعل السعودية التي ما زالت في حالة تردد حيث يرى بعض المراقبين أنها متواطئة ويرى آخرون بأنها عاجزة عن التعامل مع السلوك الإماراتي.
المعضلة التي تواجهها القوى التابعة للشرعية هي في انعدام الخيارات، فالقيادات تقبع في الرياض تحت عين الحكومة السعودية وأي حراك على الأرض غير مقبول سعودياً سيعني أن الشرعية ستخسر كل داعميها وتكون تحت رحمة الحوثيين من جهة والتحالف من جهة أخرى.
لذلك لن يكون هناك تغير على الأرض إلا إذا قررت الرياض مواجهة أبوظبي وهو الأمر المستبعد في الوقت الراهن:
- أولاً لأنه ليس واضحاً أن لدى الرياض تحفظاً على نتيجة السلوك الإماراتي حتى لو كان لديها تحفظ على الإجراءات.
- ثانياً لأن خيارات الرياض هي الأخرى محدودة، فالحليف الوحيد المتبقى لها إقليمياً هو أبوظبي.
وتورط الرياض في ملفات عديدة مثل مقتل خاشقجي واستمرار الحرب في اليمن بتكلفتها الباهظة يعني أن الرياض بحاجة ماسة لعلاقات أبوظبي الدولية وأموالها في دعم صمود سياسة بن سلمان الخارجية المتعلقة حالياً بقشة.
من ناحية أخرى، لا تدل الإجراءات التي اتخذتها الإمارات بالضرورة على موقف قوة بل ربما تكون دلالة على ضعف خفي.
فالتعجل في عدن والمبالغة في رد الفعل في غارات أبين وعدن مؤشرات على أن الإمارات أصبحت بحاجة ماسة إلى إنهاء حرب اليمن أو على الأقل تغيير الواقع على الأرض بما يتوافق ومصالحها قبل أن تتحرك الأمور في اتجاه مغاير مع قرب حل سياسي مدعوم أمريكياً.
ويبدو أن التصالح مع إيران جاء جزئياً للتوافق مع الحوثيين حول الفترة المقبلة وخنق الشرعية بين مطرقة الحوثيين وسندان المجلس الانتقالي، لكن نجاح قوات الشرعية وبدون دعم سعودي عسكري واضح في كبح جماح الانقلابيين جاء مفاجئاً لأبوظبي مما أدى إلى ردة فعل غير محسوبة سيكون لها بلا شك تأثير على الإمارات في الساحتين اليمنية والدولية.
الوضع في اليمن يزداد تعقيداً مع ظهور مؤشرات لنهاية الحرب والتي لن تكون نهاية سهلة أو مشرقة على ما يبدو، لكن التعويل على خلاف سعودي إماراتي لا يبدو واقعياً.
السيناريو الأقرب هو أن يتوافق الطرفان على وجود المجلس الانتقالي في المفاوضات النهائية غير آبهين باعتراضات هادي وحكومته، ولكم الله يا أهل اليمن.
* د. ماجد محمد الأنصاري أستاذ الاجتماع السياسي بجامعة قطر
