استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

خليل العناني يكتب: ورطة السيسي في غزة

الثلاثاء 22 يوليو 2014 09:07 ص

خليل العناني، العربي الجديد، 22 يوليو/تموز 2014

فشل عبد الفتاح السيسي، حتى الآن، في أول اختبار حقيقي وجاد لسياسته الخارجية، في ضوء فضيحة التعاطي المصري مع الحرب الإسرائيلية على غزة. توهّم في بداية الحرب أن المقاومة الفلسطينية سوف تهرول إليه، تطلب نجدته وتدخله لوقف العدوان، ما قد يعطيه اليد العليا للضغط عليها، وابتزازها، مثلما يفعل مع بقية القوى الإقليمية. ولكن، ما حدث أن الرجل تورط بشكل لم يكن يتوقعه، وفقدت مصر إحدى أوراقها الإقليمية القوية، هي الورقة الفلسطينية.

فمن جهة أولى، كان هناك تعويل مصري وإقليمي على أن تنجز إسرائيل المهمة، وتتخلص من حركة "حماس" أو تضعفها. لذلك، عندما طُرحت المبادرة المصرية لوقف الحرب لم يتم عرضها على الطرف الأصيل في الصراع، وهو المقاومة الفلسطينية، ما أثار شكوكاً كثيرة حول حيادية الدور المصري ونزاهته في الأزمة الحالية. وإذا ما صدقت التقارير الإخبارية الإسرائيلية، فإن المبادرة صِيغت بنودها في تل أبيب، وليس في القاهرة.

صحيح أن مضمون المبادرة الحالية يبدو قريباً من اتفاق الهدنة الذي تم الاتفاق عليه في 2012، لكن، ثمة خطآن جسيمان وقعت فيهما الدبلوماسية المصرية، وساهما، بشكل كبير في تعقيد الأزمة الحالية، وخسارة مصر جزءاً كبيراً من رأسمالها التفاوضي. أولهما الطريقة المهينة وغير اللائقة التي جرى، من خلالها، طرح المبادرة، والتي لم تراع أدنى أساليب اللياقة والأعراف الدبلوماسية التي كانت تفترض عرضها على كل الأطراف من دون استثناء. وثانيهما، عدم الاستماع للمطالب المشروعة للمقاومة الفلسطينية، والتي لا تتحمل أية مسؤولية عن الحرب الحالية التي أطلقها بنيامين نتنياهو، لإنقاذ مستقبله السياسي، والاكتفاء بتبني الحد الأدنى، وهو وقف العدوان.

ومن جهة ثانية، أسفرت المحاولة المصرية-الإسرائيلية لخنق "حماس"، وتحجيم الدور الإقليمي لحلفائها، حتى الآن، عن فشل ذريع. فأولاً، أدى صمود المقاومة الفلسطينية، وتطور القدرات القتالية لحركة "حماس"، إلى زيادة أسهمها السياسية، وهو ما سوف يعطيها ثقلاً كبيراً على مائدة التفاوض، إن آجلاً أو عاجلاً، على عكس ما كان يتمنى السيسي ومن يدعمونه.

ثانياً، يبدو المحور الإقليمي المساند لحركة "حماس" أكثر قدرة على إدارة الأزمة من المحور المصري ومن يقف خلفه، ليس فقط لجهة علاقته المميزة بحركة "حماس"، الطرف الأساسي في الصراع، وإنما، أيضاً، بسبب انفتاحه على بقية أطراف الأزمة، بما فيها أميركا وإسرائيل. 

ثالثاً، لا يبدو أن حل الأزمة الراهنة سوف يمر بعيداً عن المقاومة الفلسطينية ومحورها، ما يعني ضرورة التواصل معه، والتفاوض حول شروطه ورؤيته للخروج من الأزمة.

ومن جهة ثالثة، خسر السيسي، وخسرت مصر الكثير من رصيدها العربي، بسبب الموقف المتخاذل من الحرب على غزة. وقد ساهم الإعلام المصري الموالي للسيسي في توريطه وتشويه صورة نظامه، بعد هجومه على المقاومة الفلسطينية، وخطابه الرديء والمشين تجاه غزة وأهلها. وقد دفعت المزايدات الإعلامية والسياسية على السيسي إلى إظهار مزيد من الصلف والتشدد في التعاطي مع أزمة غزة، ما يعني مزيداً من التورط.

ومن جهة أخيرة، أنهى الغباء السياسي للسيسي، ومن خلفه، ما تبقى من مصداقية للدور المصري في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. فقد فقدت مصر صفة "الوسيط" الفعّال بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، بعدما وضعت نفسها في تحالف ووفاق مع الأهداف الإسرائيلية. ومن يراجع عناوين الصحف الإسرائيلية ومانشيتاتها، وتعليقات كبار محلليها، سوف يكتشف حقيقة التحالف الناشئ بين القاهرة وتل أبيب والمدعوم إقليمياً.

ما يعني تراجع أسهم السيسي، إقليمياً ودولياً، وخسارة الدور التاريخي لمصر في إدارة الصراع. صحيح أن البعد الجغرافي والاستراتيجي سوف يبقي على حتمية الانخراط المصري في الشأن الفلسطيني، إلا أن مصر فقدت أية "أفضلية"، أو امتياز قد يؤهلها لنيل ثقة القوى الإقليمية والدولية مستقبلاً.

محصلة ما سبق، أنّ السيسي، وليس المقاومة الفلسطينية، في ورطة كبيرة الآن، وسوف يورّط معه كل من يدعمونه. وبعيداً عن البعد العاطفي في الأزمة الحالية، فإنه من منطق مصحلي وبراجماتي محض، خسرت مصر الكثير من أوراقها الدبلوماسية في الملف الفلسطيني. وهنا يبدو الفارق جلياً بين نظامي مبارك والسيسي، إذا ما افترضنا أن ثمة اختلافاً حقيقياً بينهما. فمبارك كان يجيد استخدام الورقة الفلسطينية، لتعزيز موقعه الداخلي والإقليمي. وعلى الرغم من انحيازه الى إسرائيل الذي كانت تعتبره كنزاً استراتيجياً، إلا أنه كان منفتحاً على الفصائل الفلسطينية كافة، حتى آخر أيامه في السلطة.

لم يعد أمام السيسي من سبيل سوى أن يستمر في مواصلة مساره الذي اختاره، ذلك أن أي تراجع، الآن، ربما يهدد وضعه الداخلي والإقليمي، وذلك بعدما تم شحنه، إعلاميّاً وسياسياً، نخبة حمقاء، تفتقد أدنى درجات الحس السياسي والإنساني، وهو ما يعني مزيداً من التوريط والفشل.

  كلمات مفتاحية