في مصر.. قصة صعود جيش من محاربة إسرائيل إلى صناعة كعك العيد

السبت 14 سبتمبر 2019 12:05 م

تواجه القوات المسلحة المصرية، خلال هذه الأيام، أصعب اتهام، يفضح قصتها مع الاقتصاد والتجارة، وما وراء تحويل جيش حارب (إسرائيل) وانتصر عليها في 1973، إلى جيش يشتري ويبيع ويتاجر بكل العملات والأصناف ويعمل في كل المشروعات.

هذا المأزق، كشف عنه الممثل والمقاول المصري المتعاون سابقا مع الجيش "محمد علي"، في سلسلة فيديوهات، تبعه فيها آخرون، كشفوا جميعا فسادا كبيرا داخل المؤسسة العسكرية ومشاريعها الاقتصادية، التي يجري العمل فيها بناءً على الثقة لا الكفاءة، وبالأمر المباشر لا بالمناقصات.

الصندوق الأسود لم يعد مغلقاً، بل انفتح على مصراعيه، جالباً معه صداعاً كبيراً إلى رؤوس الجيش وقادته، فضلاً عن الرئيس "عبدالفتاح السيسي"، الذي قرر اليوم الخروج في مؤتمر شبابي، تم الإعداد له على عجل، للرد على ما يُحكى عن فساد الجيش وإهدار المليارات على مشروعات بلا جدوى.

ردودٌ حسب مراقبين، تستهدف محاولة استعادة هيبة "السيسي"، والجيش، والتي افتقد منها الكثير خلال الأيام العشرة الأخيرة، وفق ما ذكرت صحيفة "الأخبار" اللبنانية.

  • تدخلات محدودة

وقبل عام 2011، كانت مشاريع الجيش المصري وتدخّلاته في الحياة المدنية "محدودة"، إلى حد ما، حيث ينفذ طريقا على استحياء، أو يرمم مطارا عسكريا، أو يتدخل لإنقاذ مشروع متعثر.

إذ كان لا يتدخل الجيش، إلا إذا كانت هناك حاجة إلى إنهاء مشروع ما في زمن قياسي، وهي مواقف لم تتكرر كثيراً، من بينها مثلاً التدخل لإنهاء "استاد برج العرب" في 2009، ليكون جاهزاً من أجل "كأس العالم للشباب".

وفي ذلك الوقت، لم يكن لوزير الدفاع أي ظهور يُذكر في افتتاح المشروعات، فيما انحصر هدف الجيش في تحقيق اكتفاء ذاتي يُمكّنه من تأمين إمدادات القوات.

حتى المشاريع الخاصة بمساكن الضباط، اقتصرت على وحدات سكينة محدودة، وعلى مدد متباعدة نسبياً، لتكون متاحة للعسكريين بأسعار أقلّ نسبياً من مثيلاتها.

كذلك لم يكن الجيش يملك فنادق أو حتى أراض تستخدم في أغراض غير عسكرية، إلا باستثناءات محدودة.

  • دخول متشعب

ومع "ثورة 25 يناير"، تفاقمت تدخلات الجيش في الحياة المدنية، وأخذت مساراً مختلفاً ارتبط بالرغبة في توفير بدائل كي تضمن الدولة ألّا تتعرض لابتزاز رجال الأعمال، وفق ادعائها. تزايدت الاضطرابات في الأسعار، فيما توقف رجال الأعمال عن الاستثمار تخوفاً من الأوضاع، ومن هنا وجد الجيش بوّابته.

تدخَل الجيش لمواجهة إضراب سائقي القطارات والحافلات، ولما توقفت المصانع نتيجة انقطاع الكهرباء، دخل الجيش بمصانعه وكهربائه.

كل هذه التدخلات جعلت قطاعاته المختلفة تعمل وكأنها "اقتصاد موازِ"، بل بقرارات جريئة وراحة كبيرة بسبب غياب المحاسبة للمقصرين، إذ لم يُعلَن حتى الآن توقيف مسؤول عسكري واحد بتهمة الفساد أو بسبب أخطاء في مشروع ما.

  • الأمر المباشر

الأمر لم يقتصر على ذلك فحسب، بل نفذ الجيش ما لم يستطع الوزراء والمسؤولون تنفيذه، وكانت أيديهم ترتعش عندما يفكرون في التوقيع على قرارات إسناد لتنفيذ مشروع ما بالأمر المباشر، بسبب سجن من سبقوهم للسبب نفسه.

فقد كانت قطاعات الجيش تتوسّع في عمليات الاستيراد، وتبرم اتفاقات داخلية وخارجية مع جهات كثيرة بالإسناد بالأمر المباشر، الذي تحوّل من جريمة يُحاسَب عليها بالسجن بحق من يوافق عليها دون ضرورة قصوى، إلى أمر اعتيادي، خاصة لدى الجيش وجهازَي المخابرات العامة والحربية.

وخلال سنوات قليلة، حصل الجيش على الأراضي، ونال الضباط امتيازات كثيرة مع زيادات استثنائية في الرواتب والمكافآت.

وخرج العساكر من الثكنات ليحصلوا على أراضٍ مميزة، في أكثر من مدينة لبناء فنادق، ما بين المطلّة على البحر وما بين الأماكن غير المستغلة في المحافظات.

وتكونت سلسلة من الفنادق المختلفة باسم "تيوليب"، بعدما كانت فنادق الجيش تقتصر على دور الضيافة، إلى جانب فندق وحيد أنشأته المخابرات قبل خلع الرئيس الأسبق "حسني مبارك" بمدة قصيرة.

يوماً بعد يوم، صار لا يمكن أحداً أن يجادل الجيش والمخابرات حتى لو كانت أسعار مشروعاتهما أغلى من مثيلاتها، على الرغم من توافر المواد الخام والخدمات للقوات المسلحة بأسعار أقلّ مما هي عليه في القطاع الخاص.

فضلاً عن تأكيد الجيش أنه جهة لا تهدف إلى الربح على عكس المستثمرين، لكن الواقع كان يقول عكس ذلك تماماً.

فالجيش، الذي يوفر عمالة برواتب هزيلة من المجندين مِمَّن ازداد قبولهم، بنسبة قد تصل أربعة أضعاف ما كانت عليه قبل 2011، هو نفسه الذي يُدخِل منتجات التصنيع دون جمارك أو ضرائب، ويحصل على الأراضي بقرارات تخصيص من رئيس الجمهورية، من دون أن يسدّد ثمنها بسعر السوق.

كما توغّل في مشروعات كثيرة وزادت أرباحه منها.

وبينما تذهب التقديرات إلى أن مساهمة الجيش باتت تتجاوز 40% من الاقتصاد حالياً، كان "السيسي"، يؤكد أن هذه المساهمة هي بين 1.5% و2.5% فقط، مع أنه رقم أقلّ بكثير من عدد اللافتات التي يمكن أيّ شخص أن يراها في المشروعات المُنفّذة.

بيد أن الشهر الماضي، قال المتحدث العسكري المصري العقيد أركان حرب "تامر الرفاعي"، إن الجيش يعمل في 2300 مشروع، تضم 5 ملايين موظف وعامل ومهندس، زاعما أن عمل القوات المسلحة في المشروعات القومية "إشرافي فقط وليس إدارة"، دون تفاصيل عن كلفة تلك المشروعات.

  • حكومة الهيئة الهندسية

قد تكون هذه الأرقام مرتبطة بما يساهم فيه الجيش بمفرده، لكن جميع المشروعات تقريباً التي تُنفّذ حالياً تخضع لإشراف "الهيئة الهندسية للقوات المسلحة"، وهي تتنوع بين الطرق والصرف الصحي والمستشفيات والإسكان وغيرها.

وتحولت الهيئة إلى ما يشبه رئاسة للحكومة، بسبب آلاف المشروعات التي تنفذها، علماً أن اختصاص الهيئة الأساسي تنفيذ المشروعات التي يحتاجها الجيش والتخطيط لها.

لكنها الآن صارت مسؤولة عن تنفيذ جميع المشروعات في البلاد، ما جعل منها الاسم الأبرز والحاضر الدائم في ما يفتتحه "السيسي" دورياً.

كذلك فإنها صارت الجهة الشريكة والمسؤولة عن إبرام التعاقدات، إذ تختار الشركات المنفذة وتسند إليها المشروعات، وبموافقتها تُفتح الاعتمادات المالية من البنوك.

حتى في الشراكات مع القطاع الخاص أو الحكومة، تكون ذات النصيب الأكبر، وهو ما حدث في تنفيذ العاصمة الإدارية (شمال شرقي القاهرة)، فقد تأسست شركة هدفها الربح بالشراكة بين الجيش بنسبة 51%، ووزارة الإسكان بنسبة 49%.

ومع ذلك، لا تعمل الهيئة وفق قوانين مدنية، حتى بعد تقنين أوضاع الإسناد بالأمر المباشر، ظلّ للهيئة رجالها الذين تتعاون معهم.

  • منافسة مضرة

وخلال الخمس سنوات الماضية، أنشأ الجيش أيضا، شركات صارت تنافس القطاع الخاص في الاستيراد والتصدير، ومصانع للحديد والصلب وأخرى للإسمنت، وكلّها أضرّت بالصناعة القائمة بسبب كثرة الإنتاج ووفرة الفائض، ما دفع المصانع الخاصة إلى تقليص العمالة لمواجهة تراجع المبيعات.

أما الفنادق الضخمة التي جرى التوسع في إنشائها، فباتت غالبيتها خالية من الزوار، جراء بنائها دون دراسة جدوى كافية لحجم الاحتياج الفعلي من الغرف الفندقية في المناطق.

كل هذه الأمور جعلت الجيش منافساً قوياً للقطاع الخاص الذي يعاني تراجعاً كبيراً.

  • البيع في الأكشاك

ولم يقتصر الأمر على المشروعات الكبيرة وأعمال البناء والتشييد والطرق، بل دخل الجيش في مشروعات أخرى، تحت راية "استعادة التصنيع العسكري"، فأنشأ أحواض زراعية داخل القواعد العسكرية، واستورد اللحوم السودانية، لبيعها في الأسواق بأسعار أقلّ من أسعار التجار.

وباتت أحد مهمات القوات المسلحة، نصب أكشاك في الشوارع، يبيع فيها الضباط والجنود اللحوم، والمنتجات الغذائية للمواطنين بأسعار أقلّ من أسعار السوق، بنسب تتراوح ما بين 10% و20%، فيما يدفع أصحاب المحالّ القريبة من تلك المنافذ مبالغ طائلة للإيجار شهرياً.

لم يعد اهتمام الجيش بتوفير السلع مرحلياً، بقدر ما هو نهج يتسع يومياً، حتى بات يقيم معارض لبيع منتجات منوعة بأسعار مخفضة دورياً، وصولاً إلى إقامة "موائد الرحمن" في رمضان.

كما دخل على خط إنشاء محطات بنزين "وطنية"، تحقق أرباحاً كبيرة للجيش (جرى التوسع في إنشائها بصورة جعلتها الأكثر انتشاراً في البلاد خلال السنوات الأخيرة)، إضافة إلى إنشاء مصانع للمعكرونة والبسكويت.

  • امتيازات بعد الخدمة

وبعيدا عما يحصل عليه قادة الجيش وضباطه من امتيازات أثناء الخدمة، فإن ثمة مكافآت عدة يتقاضاها العسكريون عندما يخرجون من المؤسسة العسكرية.

كما أن من يخرج من الخدمة رسمياً، لا يكتفِ عادة بالجلوس في المنزل، بل تنتظره مناصب شاغرة كثيرة، وسيرته العسكرية تدعم ملفه دون غيره من أهل الخبرة.

فبخلاف الامتيازات المالية لقاء الرتب والنياشين العسكرية التي حصدوها خلال مسيرتهم، تتكلّل المسيرة باختيارات جديدة وربما مكرمات رئاسية.

حدث ذلك مع اللواء "كامل الوزير"، الذي رُقِّي إلى فريق ليوم واحد فقط، قبل أن يغادر الخدمة ويصبح موظفاً مدنياً بصفته وزيراً للنقل.

أما أصحاب الدرجات الأقل، فيتولون مناصب أخرى ما بين محافظين للمدن الحدودية، أو رؤساء للهيئات الاقتصادية المختلفة برواتب خيالية، مثل مدير المخابرات الحربية الأسبق في شمال سيناء اللواء "شوقي رشوان"، الذي يشغل منصب رئيس "جهاز تنمية سيناء"، ويتقاضى آلاف الدولارات من مال الجهاز، الذي يأتي من اتفاقية تعاون بين الحكومة المصرية ونظيرتها الأمريكية.

أيضاً، يحظى الوزراء العسكريون بمميزات مالية، بل حصانة من الحساب، مثلما هو حال محافظ الإسماعيلية الأسبق اللواء "حمدي عثمان"، الذي تقدّم باستقالته بعد فضيحة تسريب مكالمات جنسية له خلال الأيام الماضية.

فبدلاً من محاسبة المسؤول الذي عمل في المخابرات، اكتفى الرجل بتقديم استقالته في انتظار تعيين من يخلفه من العسكريين الذين يتولون المحافظات الحدودية.

أما في وضع الشركات التابعة للجيش، فيترأسها عسكريون، كما أن العاصمة الإدارية، على سبيل المثال، يترأس الشركة المنوطة بها "أحمد زكي عابدين"، وهو لواء متقاعد شغل منصبَي وزير ومحافظ من قبل.

بينما يفضل آخرون تأسيس شركات خاصة بهم لتقديم الخدمات إلى الجيش في عمليات الاستيراد والتصدير وغيرها، وتُسنَد إليهم المشاريع على أساس أنهم الأكثر موثوقية، حتى لو لم يكن لهم سبق في مجال الأعمال.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

القوات المسلحة المصرية انخراط الجيش المصري

"دابسي" الجيش المصري.. سبوبة جديدة لاقتسام كعكة "أوبر" و"كريم"

استطلاع زغبي: المصريون متشائمون والأغلبية فقدت الثقة بالجيش

جامعة قناة السويس المصرية تطلق خطا لإنتاج كعك العيد