استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

السعودية: تحديات في مواجهة أمير النفط

الأربعاء 18 سبتمبر 2019 10:00 ص

السعودية: تحديات في مواجهة أمير النفط

و.س.ج: قصف بقيق لا يوازي في ضخامته سوى احتلال الكويت من قبل العراق"!

هل تركز أوبك على جانب الأسعار لجني أعلى سعر وإن تطلب ذلك تضحية ببعض الإنتاج؟

أم الأفضل التركيز على حصة أوبك في السوق وترك الأسعار تتحدد وفق آلية العرض والطلب؟

أصبحت السعودية "المنتج المُرَجِّح" ترفع إنتاجها وتخفضه وفق احتياجات السوق في نطاق خمسة ملايين برميل يوميا.

بروز مناطق إنتاج بحر الشمال وألاسكا لا تتقيد بأسعار أوبك الرسمية أدى لظهور السوق الحرة والبيع بأسعار تقل عن أسعار أوبك.

توازنات أدت لاستبعاد وزارة النفط من المحاصصات الملكية وتجنب سيطرة أحد أفرع الأسرة على وزارة بأهمية النفط.

خطوة الملك سلمان بإدخال الجيل الثاني من أحفاد الملك عبد العزيز في خط وراثة العرش استكملها محمد بن سلمان بحصرها رأسياً في بيت سلمان.

*     *     *

وزير النفط السعودي الجديد وابن ملك البلاد، واجه فجأة تحدياً من خارج معادلات إدارة الإنتاج والسوق العالمية للطاقة التي يتناولها هذا النص، تحدياً يرتبط بالحرب في اليمن وعليها. حيث استهدفت هجمات للحوثيين قلب صناعة النفط السعودية، ووجهت ضربة لأكبر منشأة لمعالجة النفط في العالم.

وهكذا اضطرت "أرامكو" عملاق صناعة النفط المملوكة للدولة السعودية، إلى خفض إنتاجها بنسبة 5.7 مليون برميل يومياً. ويتوقع أن يستمر ذلك لأسبوعين على الأقل.

تقول صحيفة "وول ستريت جورنال" اليوم أن "القصف خفّض إلى النصف، إنتاج الموقع" وتضيف: "أن هذا الحدث لا يوازي في ضخامته سوى احتلال الكويت من قبل العراق"!

في أواخر العام 1986، نشرت وكالة الأنباء السعودية خبراً مقتضباً عن إعفاء وزير النفط والثروة المعدنية (وقتها) أحمد زكي اليماني من منصبه الذي قضى فيه نحو ربع قرن من الزمن، وأصبح خلاله وجه السعودية، والمتحدث باسم منظمة أوبك في المحافل الدولية.

تضمن الخبر تعيين هشام الناظر وزير التخطيط، وزيراً للنفط بالوكالة،. لكن، وبعيداً عن الإعلانات الرسمية، فقد تم تعيين ثلاثة مستشارين في وزارة النفط، أحدهم الأمير عبد العزيز بن سلمان بن عبد العزيز الذي كان يعمل وقتها أستاذاً بجامعة البترول والمعادن بالمنطقة الشرقية، مهد صناعة النفط السعودية.

نفس العام 1986 شهد مولد الأمير محمد بن سلمان، الذي أصبح ولياً لعهد السعودية والقوة الرئيسية في المملكة اليوم، ويقوم في إطار سعية لما يعتبره تحديث بلاده وتعزيز سلطته، بخطوة تجنبتها العائلة المالكة طوال تاريخها، وهي تسليم وزارة النفط إلى أحد الأمراء من أعضاء الأسرة.

رغم السماح بتولي بعض المناصب الوظيفية العليا في الوزارة، كما حدث مع الأمير سعود الفيصل، الذي عمل وكيلاً لوزارة النفط تحت قيادة اليماني وذلك قبل تحويله لتولي وزارة الخارجية عقب اغتيال والده، في إطار توزيع مواقع السلطة من ضمن اعتبارات التوازنات الأسرية.

هذه التوازنات كانت هي التي أدت إلى استبعاد وزارة النفط من هذه المحاصصات الملكية، وتجنب حصول أحد أفرع العائلة على سلطة ونفوذ أكثر، بسبب السيطرة على وزارة بأهمية النفط.

على أن خطوة الملك سلمان بإدخال الجيل الثاني من أحفاد الملك المؤسس عبد العزيز في خط وراثة العرش، استكملها ابنه وولي عهده بالعمل على حصرها ومصادر قوة السلطة رأسياً في بيت سلمان، بعد أن كانت تتوزع أفقياً بين أبناء الملك عبد العزيز.

 

خبرة

يأتي الأمير عبد العزيز إلى موقعه الجديد وزيراً، وخلفه خبرة عملية لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن في دهاليز صناعة النفط محلياً ودولياً. فبعد أن عمل مستشاراً، تم تعيينه وكيلاً للوزارة، ثم نائباً للوزير ووزير دولة، وكان وجهاً حاضراً في كل اجتماعات أوبك.

كما تولى رئاسة لجنة الاستراتيجية بعيدة الأمد لـ"أوبك"، وهي إحدى الآليات التي اعتمدتها لتحقيق استقرار السوق النفطية من خلال توفير بعض المؤشرات، للمستهلكين أولاً ليعرفوا ما عليهم دفعه للحصول على الإمدادات المطلوبة، وللدول المنتجة لتعرف ما يمكن أن تحصل عليه من دخل تستخدم جزءاً منه في استثمارات لتوفير المزيد من الإمدادات مقابل التوسع في الطلب.

الأمير عبد العزيز عمل مع ثلاثة وزراء هم هشام الناظر وعلي النعيمي وخالد الفالح، كما شهد تحولات رئيسية عاشتها ولا تزال تعيشها السوق النفطية، وتمحورت حول سؤال أساسي:

هل تركز أوبك على جانب الأسعار للحصول على أفضل وأعلى سعر ممكن وإن تطلب ذلك التضحية ببعض الإنتاج؟

أم الأفضل التركيز على حصة أوبك في السوق، وترك موضوع الأسعار يتحدد وفق آلية العرض والطلب؟

شهد عقد السبعينات تصاعد الطلب وهيمنة أوبك على المسرح للدرجة التي اعتقدت فيها أن سعر النفط له اتجاه واحد وهو الصعود إلى أعلى، وبالتالي تسابقت الدول الأعضاء إلى زيادة أسعار نفطها، الأمر الذي كانت تعارضه السعودية واليماني تحديداً، بسبب تأثيره السلبي مستقبلاً على المنظمة نفسها.

بل وصل الأمر بالسعودية إلى بيع نفطها بسعر يقل دولارين للبرميل الواحد عن السعر الرسمي لأوبك، ثم ذهبت خطوة أخرى عندما خططت لإغراق السوق في مطلع الثمانينات الفائتة عن طريق ضخ عشرة ملايين برميل يوميا لإضعاف الأسعار حتى تفرض على أوبك توحيد السعر، وهو ما حدث بعد ذلك.

لكن الضرر كان قد وقع ببروز مناطق إنتاج جديدة في بحر الشمال وألاسكا لا تتقيد بالأسعار الرسمية لأوبك، الأمر الذي أدى إلى بروز ظاهرة السوق الحرة، حيث بدأ البيع بأسعار تقل عن أسعار أوبك.

ومع اتساع الفجوة بين السعر الرسمي وسعر السوق الحرة، وجدت أوبك أنه لا بد لها من التدخل، فتجرّعت الدواء المر لأول مرة في تاريخها، وهو تحديد سقف للإنتاج، مع تحديد حصص لكل الدول الأعضاء.

وترك للسعودية مهمة "المنتج المرجح" الذي يرتفع بإنتاجه ويخفضه وفق احتياجات السوق، في إطار خمسة ملايين برميل يومياً خُصصت لها.

 

سوبر أوبك؟

لكن تلك الاتفاقية لم تضع آلية لضمان تقيد كل دولة بحصتها المقررة، وكان أن بدأ الأعضاء في أوبك بتجاوز حصصهم المقررة للتعويض عن تراجع العائدات، على أساس أن السعودية ستتحمل الفرق من واقع مسؤوليتها منتِجاً مرجحاً، وهو ما كان يحدث باستمرار، حتى تقلص حجم الإنتاج النفطي السعودي إلى أقل من إنتاج بحر الشمال من النفط، وهو ما لم تتحمله الرياض.

ورغم مناشداتها المستمرة للدول الأعضاء للتقيد بحصصها، ورغم تعيين شركة تدقيق، إلا أنه في نهاية الأمر اتضح أنه ليس هناك إمكانية لعمل شيء، لأن الأعضاء دول ذات سيادة، ولا يمكن أن يفرض عليها شيء لا تريد الالتزام به.

وكان أن قررت السعودية قلب الطاولة، وبدء حرب أسعار لاستعادة حصتها السوقية بغض النظر عن مستوى انحدار الأسعار. وبالفعل تراجعت الأسعار إلى ما دون عشرة دولارات للبرميل أحيانا، ووصلت الرسالة إلى دول أوبك التي طلبت من الرياض وقف تلك الحرب.

أبرز ذلك، من ناحية أخرى، ضرورة التنسيق مع المنتجين الآخرين، إذ لم تعد أوبك هي القوة الوحيدة المهيمنة في السوق.

 

عبء المنتِج المرجِّح

محاولات التنسيق، ودفع الدول المنتجة من خارج أوبك إلى التعاون لخفض الإنتاج لم تثمر شيئاً يذكر، خاصة من قبل المنتجين الرئيسيين مثل بريطانيا والنرويج والآسكا. فنصيب النفط في تشكيلتها الاقتصادية كان قليلاً، ويحتل نسبة لا تُذكر مقارنة بالنسبة العالية للنفط في اقتصادات دول أوبك، الأمر الذي يجعل من المنتجين خارج أوبك أكثر قدرة على تحمل عبء حرب الأسعار.

الأمر الثاني والأهم أن المنتجين الجدد استفادوا من فترة الأسعار العالية لإحداث اختراق بالإنتاج بتكلفة عالية، تتراجع بعد ذلك بسبب التركيز فقط على مجالات التوسع والصيانة والتسيير.

وهذه الحقائق هي التي دفعت هشام الناظر، وبصورة أخص علي النعيمي إلى التركيز على حصة أوبك في السوق، وترك موضوع الأسعار جانباً، لأن أوبك لا يمكنها التأثير عليها إلا بثمن عال يتلخص في تقليص حصتها في السوق.

هشام الناظر لم يستبعد عنصر السعر كلية، ودفع في اتجاه تبني المنظمة لنطاق سعري مستهدف، بدون الدخول في ترتيبات لوضعه موضع التنفيذ عبر آلية الإنتاج.

أما النعيمي فقد كان محظوظاً كون السوق دخلت في مرحلة من نمو الطلب المستمر، الأمر الذي ساعد أوبك على زيادة حصتها في السوق بمعدل مليون برميل سنوياً لفترة عقد من الزمن.

 

التحديات اليوم

يواجه الأمير عبد العزيز ثلاثة تحديات أساسية:

- أولها يتعلق بالمدى الذي ستستمر فيه السعودية في مساندة فكرة خفض الإنتاج لدعم الأسعار، خاصة وأنها عملياً عادت إلى لعب دور لا تريده، أي دور "المنتِج المرجح". وليس في الأفق ما يشير إلى أن الطلب سيتصاعد بالقدر الذي يسمح لأوبك بترك برنامج خفض الإنتاج.

- ثانيها أن السوق النفطية تمر بتحولات هيكلية على رأسها بروز صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة التي أصبحت منافساً في الإنتاج والتصدير، وهو ما أضعف من قبضة أوبك، ودفعها إلى التنسيق مع منتجين آخرين بقيادة روسيا، مما يزيد من عبء إدارة السوق بسبب تعدد المنتجين.

- أخيراً هناك التحدي الأكبر المتمثل في عملية بيع جزء من حصة أرامكو. فالأمير عبد العزيز بحكم صلته الطويلة بصناعة النفط يبدو أقرب إلى مفاهيم المهنيين في صناعة النفط السعودية ممن يعتبرون أرامكو رمزاً من الأصول والكنوز الوطنية التي ينبغي المحافظة عليها، وإبعاد أي تدخل أجنبي في شؤونها.

فهل ستمكنه مواجهة أخيه ولي العهد الأمير محمد بتلك المخاوف، مستفيداً من كونه ابن الملك وعلى دراية ومعرفة بخبايا الصناعة النفطية.

* السر سيد أحمد كاتب صحافي من السودان مختصّ بقضايا النفط.

المصدر | السفير العربي

  كلمات مفتاحية