ما هي الخيارات العسكرية للولايات المتحدة في مواجهة إيران؟

الأربعاء 18 سبتمبر 2019 06:32 م

اتهمت الولايات المتحدة إيران علانية بوقوفها وراء هجمات الطائرات بدون طيار وصواريخ كروز على أكبر مصفاة للنفط في المملكة العربية السعودية. والسؤال الآن هو ما الذي ستفعله الولايات المتحدة للرد على ذلك.

وتعد الولايات المتحدة في موقف صعب للغاية. ولم تؤثر الهجمات تأثيرا مباشرا على الولايات المتحدة، باستثناء ارتفاع أسعار النفط، مما ساعد بالفعل صناعة النفط الأمريكية. وهناك ما يغري الولايات المتحدة للسماح للهجمات بأن تمر مرور الكرام. لكن الولايات المتحدة شكلت تحالفا مناهضا لإيران، أصبحت فيه السعودية لاعبا رئيسيا، رغم أنها اللاعب الأضعف. وتتعرض المملكة لضغوط داخلية من أفراد العائلة المالكة الذين يعارضون ولي العهد "محمد بن سلمان"، وقد أدى انخفاض أسعار النفط إلى تقويض التماسك السياسي للمملكة. ومن شأن عدم القيام بشيء أن يهز الثقة في التحالف الذي ترعاه الولايات المتحدة.

وتبقى السعودية لاعبا مهما في العالم العربي السني، ويعد هذا العالم هو المجال الرئيسي للتوسع الإيراني. وقد يساعد الفشل في الرد على الهجوم الإيراني على المنشآت السعودية في زيادة شهية إيران لاستعراض قوتها في جميع أنحاء المنطقة. وخلال رئاسة "دونالد ترامب"، مالت الولايات المتحدة إلى تجنب بدء عمل عسكري مباشر، لصالح ممارسة الضغط الاقتصادي بدلا من ذلك. وقامت إدارة "ترامب" بمناورة لخفض ووقف المشاركة العسكرية النشطة في الشرق الأوسط. وبالتالي، فإن أي عمل عسكري ضد إيران يمكن أن يقوض الاستراتيجية الأمريكية.

خيارات واشنطن

وسيكون الخيار البديل هو فرض عقوبات جديدة. ولكن هناك مشكلتان في هذه الخطوة. أولا، لا تملك العقوبات نفس التأثير النفسي الذي يحدثه العمل العسكري، ويشمل الحديث عن التأثير النفسي هنا كل من إيران والعالم السني. ثانيا، لقد فرضت الولايات المتحدة بالفعل عقوبات مؤلمة على الاقتصاد الإيراني. وسيكون لأي عقوبات أخرى تأثير محدود.

وهناك خيار عسكري واحد من شأنه أن يحدث صدمة اقتصادية حادة، ولن يعرض الولايات المتحدة للكثير من الخطر في نفس الوقت، وهو فرض حصار على الموانئ الإيرانية، مع إغلاق انتقائي لمضيق هرمز. لكن لهذه الاستراتيجية نقاط ضعف ثلاثة. أولا، يجب نشر قوة بحرية كبيرة تضم مجموعات قتال وحاملات متعددة الأغراض لفترة غير محدودة. ثانيا، قد يتعرض الأسطول لهجوم من الصواريخ الإيرانية. وفي حين نفترض أن السفن البحرية الأمريكية لديها قدرات فعالة مضادة للصواريخ، فقد يتسبب أي خطأ في فقدان أصول بحرية أمريكية ثمينة. ولمواجهة هذا، ستكون هناك حاجة إلى هجمات جوية مضادة للصواريخ، بالإضافة إلى تدابير دفاعية، مما يجعل العملية أكثر تكلفة. وأخيرا، بحكم التعريف، سيكون هذا الحصار بدون نهاية ممكنة في الأفق. وإذا لم تنحن إيران للضغوط، فقد يستمر الحصار إلى أجل غير مسمى، لأن إنهاءه دون نتيجة ناجحة سيعتبر بمثابة هزيمة.

وسيكون الرد المحتمل الآخر هو شن ضربات ضد أهداف إيرانية. ويعد الهدف الأكثر ملاءمة هنا هو المصانع التي تنتج طائرات بدون طيار وصواريخ كروز، إلى جانب مرافق التخزين وما إلى ذلك. وهنا، تبقى المشكلة في الحصول على معلومات استخبارية دقيقة. ومما لا شك فيه أن الولايات المتحدة كانت تقوم بتصنيف مثل هذه الأشياء، لكن التصرف بناءً على معلومات رديئة قد يؤدي إلى ضربة إيرانية للقوات الأمريكية أو موقع حساس آخر تحت حماية أمريكية غير رسمية. 

ويبقى السؤال الصعب الذي تواجهه الولايات المتحدة هو ما إذا كان ينبغي لها اتخاذ إجراء كبير إلى الدرجة التي تشل قدرة إيران على القيام بأي إجراءات أخرى مماثلة. وإذا لم يؤد الحصار إلى تحطيم الاقتصاد الإيراني، فلا بد من التصعيد للقضاء على قدراتها الجوية الهجومية. وبالنسبة للحملات الجوية، أظهر التاريخ أنها تميل إلى أن تستغرق وقتا أطول بكثير مما كان متوقعا، وأحيانا تفشل تماما، مما يوفر للخصم فرصة للقيام بعمل هجومي مضاد. وقد تكون محاولة الولايات المتحدة للقضاء على قدرة إيران الهجومية مكلفة، ويمكن للصواريخ الإيرانية أن تهاجم أهدافا إقليمية أخطر. وكما هو الحال مع الحصار، قد تستمر الحملة الجوية إلى أجل غير مسمى. ويفتح ذلك الباب أمام الضربات الانتقامية الصغيرة كوسيلة مواجهة من قبل إيران، ما قد يحول المواجهة عملية ممتدة.

الحرب البرية

وبالنسبة لفكرة إرسال قوات برية، تكمن المشكلة أن ذلك سيعيد الولايات المتحدة أيضا إلى وضع الذي كانت عليه قبل عام 2001، حين كانت تخوض ما يعرف بـ"حروب الاحتلال". ويمكن للجيش الأمريكي إذا تم نشره بالكامل أن يهزم الجيش الإيراني ويأخذ مكانه، لكن بقاءه في مواجهة ميليشيات معادية من شأنه أن يخلق صراعا لا نهاية له مع خسائر لا يمكن تحملها. وتعد إيران دولة كبيرة ووعرة، ويبلغ عدد سكانها 82 مليون نسمة، أي أكثر من ضعف مساحة العراق أو أفغانستان. وتعد فكرة استقبال القوات الأمريكية في إيران كقوات محررة مجرد خيال.

وبصرف النظر عن أن أي هجوم جوي على إيران سيكون مصمما لإعطاء السعوديين الثقة في الولايات المتحدة وليس لتحقيق هدف واضح، فإن خيارات الهجوم المباشر ليست واعدة هي الأخرى. ولكن هناك طريقة أخرى للتفكير في هذه المشكلة. وتمتلك طهران العديد من الأصول ذات القيمة العالية خارج حدودها، وسيكون ضرب هذه الأهداف أقل صعوبة من الهجوم على إيران نفسها. على سبيل المثال، لدى إيران قواتها الخاصة الوكيلة في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وقد استثمرت الكثير من الوقت والموارد والمخاطر في إنشاء هذه القوات التي تسيطر الآن على الأراضي في هذه البلدان.

ولننظر إلى لبنان، المكان الذي نشطت فيه إيران بشكل كبير منذ الثمانينيات من خلال وكيلها "حزب الله". وإذا كان بالإمكان شل "حزب الله"، فسوف يتحول الهيكل السياسي للبنان بعيدا عن سيطرة إيران، وستزول مرساة إيران الأهم على البحر المتوسط. وفي الواقع، قد يدفع التهديد بالهجوم على حزب الله إيران إلى تغيير استراتيجيتها. وبالطبع، قد يطلق الهجوم هناك العنان لسيل من الضربات الصاروخية من إيران، وهذا هو الجانب السلبي لهذا الخيار، وكذلك لجميع الاستراتيجيات الأخرى. لكن الميزة هنا هي أنه في حين قد تفشل جميع الاستراتيجيات الأخرى في تحقيق أهدافها، يمتلك الهجوم على "حزب الله" فرصا للنجاح. وسيكون ذلك شيئا لا ترغب إيران في رؤيته، وسيتم تنفيذه مع أمان نسبي للقوات الأمريكية. ويمكن للولايات المتحدة مهاجمة القوات الإيرانية في سوريا، لكن ذلك سيكون له تأثير أقل من مهاجمة حزب الله.

ورغم ذلك، يبقى من غير المرجح أن ترد الولايات المتحدة على هجمات إيران بحملة جوية على قوة وكيلة. وسوف تجد الإدارة الأمريكية صعوبة في تصوير ذلك على أنه التزام أمريكي بالأمن السعودي. وستكون الهجمات في سوريا والعراق واليمن غير واضحة المعالم، وستبقى حقيقة أن إيران نفسها لم تتعرض للهجوم ماثلة للعيان.

ويبقى هناك احتمال أن يأتي الرد الانتقامي على إيران عبر سلاح الجو السعودي، لكن قدرة السعودية على تحمل الخسائر وتنفيذ حملة جوية طويلة تعج أمرا مشكوكا فيه. ويمكن للسعوديين إطلاق الصواريخ على إيران، لكن ذلك سيبدأ تبادلا مفتوحا للصواريخ، ويجب أن تكون الاستراتيجية الأمريكية هي إلحاق الضرر بإيران في مهمة سريعة وناجزة.

يعرف الإيرانيون المعضلة التي فرضوها على الولايات المتحدة. وقد راهنوا على أن المخاطر كبيرة للغاية بالنسبة للولايات المتحدة للرد. لكن المشكلة في تفكير إيران هي أنه لا يمكن التأكد إلى أي مدى ترى الولايات المتحدة في التوسع الإيراني تهديدا لمصالحها طويلة الأجل في المنطقة.

ويبدو أنه لا توجد خيارات عسكرية جيدة. وقد يتسبب عدم القيام بأي شيء في تدمير الكتلة المعادية لإيران، التي عملت الولايات المتحدة جاهدة على إنشائها. وسيكون الرد المحتمل على هذه المشكلة مجرد رد انتقامي رمزي. لكن مشكلة هذا الرد، مع ذلك، هي أنه قد يخرج عن السيطرة.

المصدر | جورج فريدمان - جيوبوليتيكال فيوتشرز

  كلمات مفتاحية