استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

القول والفعل.. الكلام والعمل

السبت 28 سبتمبر 2019 05:50 م

القول والفعل.. الكلام والعمل

ثورة يناير 2011 في مصر بدأت بالفعل دون كلام ومبادئها الأربعة خرجت من ثنايا الفعل.

القرآن الكريم يقوم على فلسفة الفعل لا فلسفة الكلام والمعنى أساس الخطاب وإلا يكون بلا معنى.

الكلمة فعل قبل الخلق والبعث وإرسال الأنبياء ومحاسبة المخلوقين على أعمالهم وليس على أقوالهم.

مضمون الخطاب الرسالة التي يسعى لتبليغها وهو موجه إلى العقل وليس اللسان، إلى الفهم وليس إلى التأثير.

الأزمات الاقتصادية والسياسة والاجتماعية التي تمر بها كثير من بلاد العالم النامي لا تحتاج إلى كلام، بل إلى فعل أي إنجاز وإنتاج.

العمل يسبق النظر وهذا أحد معاني الائتلاف الوطني أي أولوية العمل على النظر والفعل على الكلام والسلوك على القول.

*     *     *

الخطاب، أي خطاب، سياسياً كان أم دينياً، يحتوي على ثلاثة مكونات:

أولها، الكلمات والألفاظ والعبارات.. وهو مستوى اللغة الذي يعتمد عليه الخطيب، حتى ولو لم يكن لديه شي ليقوله، لكن لابد من التأثير في الناس عن طريق الكلام. وهذا ما سماه المناطقة مستوى الخطابة.

وقد كانت تقام مهرجانات الخطابة في المدارس لتعليم التلاميذ فن التحدث وإلقاء الخِطبَة. كما كانت تقام نوادي الخطابة عند قدماء العرب لإبراز مهارات التحدث والقدرات البلاغية لدى المتحدثين. وفي الخطاب الديني، وإلى حد ما الخطاب السياسي أيضاً، يهمين هذا المكون من مكونات الخطاب ومستوياته.

والمكون الثاني للخطاب هو المضمون، أي المعنى الذي يريد إيصاله والرسالة التي يسعى لتبليغها. وهو مكون موجه إلى العقل وليس إلى اللسان، إلى الفهم وليس إلى التأثير. فالمعنى أساس الخطاب وإلا يكون بلا معنى. لذلك قال ديكارت: «أنا أفكر فأنا إذن موجود».

ويكرر القرآن الكريم: «أَفَلا تَعْقِلُونَ»، «أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ» عشرات المرات. والمعنى قد يكون جدليا، والجدل هو البرهان لذاته. وقد يكون برهانيا، وهذا أعلى درجات التفكير. وهو التحدي القرآني المعلن: «قُل هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ».

أما المكون الثالث والأخير من مكونات الخطاب فهو الفعل. فاللغة اتصال وفعل. اللغة نداء إلى الفعل: «وَقُلِ اعْمَلُوا»، «قُل يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِل»، «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ».

فالفعل هو الغاية القصوى من القول. وهو ما عناه بعض الفلاسفة في سؤال أحدهم له عن الحركة حيث قام فتحرّك. والكلام دون فعل قد يعني العجز عن الفعل، لذلك يعوضه العاجز بالكلام تغطيةً وستاراً وكأن الكلام فعل.

وقد يكون في بعض الأحيان نفاقاً، لأن الكلام في هذه الحالة لا ثمن له، وهو يتغير طبقاً للمواقف. وقد يكون سداً للفراغ لأنه لا شيء يُقال. وتحتاج الساحة المجتمعية إلى كلام، خاصة إذا كانت ثقافتها ثقافة كلامية قولية.

وقد تكون الغاية منه الاستعراض والسيطرة والتخويف والإيهام بأن مصائر السامعين بيد الخطيب. وكانت إحدى مميزات ثورة يناير 2011 في مصر أنها بدأت بالفعل دون كلام، وأن مبادئها الأربعة خرجت من ثنايا الفعل. فالعمل يسبق النظر، وهذا أحد معاني الائتلاف الوطني، أي أولوية العمل على النظر، والفعل على الكلام، والسلوك على القول.

إن الأزمات الاقتصادية والسياسة والاجتماعية.. التي تمر بها كثير من بلاد العالم النامي لا تحتاج إلى كلام، بل إلى فعل، أي إلى إنجاز وإنتاج. فالكلام تغطية وتعمية، لذلك لا يسمعه أحد، خاصة إذا كان بعضه بالعامية أو باللحن في اللغة العربية.

واستبعاد أبناء البلاد من العمل العام، وإن أمكن من الحديث أيضاً، هو مرة أخرى جعل العمل الوطني كلاماً في كلام. ليس الكلام عيباً في ذاته، لكنه عيب إذا كان فارغاً ومن غير مضمون.

فقد تكلم الله مع إبليس رداً على اعتراضه بأنه لا يسجد لمن خُلق من طين وهو خُلق من نار. وتكلم الله مع إبراهيم لإثبات وجوده بالبراهين والأدلة التجريبية حتى يطمئن قلب إبراهيم، وتكلم مع موسى حتى سُمي «كليم الله».

والكلمة فعل، قبل الخلق والبعث وإرسال الأنبياء ومحاسبة المخلوقين على أعمالهم وليس على أقوالهم: ‏«فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَال ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَال ذَرَّةٍ شَراً يَرَه». إن القرآن الكريم يقوم على فلسفة الفعل وليس على فلسفة الكلام.

* د. حسن حنفي أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة

المصدر | الاتحاد الظبيانية

  كلمات مفتاحية