ف.تايمز: تنظيم الإخوان غائب.. لكن عودتهم غير مستبعدة

الأربعاء 2 أكتوبر 2019 08:30 م

"الحرس القديم يعول على الزمن، وأنه في صالحه، ولو سنحت الفرصة مرة ثانية فلن يتردد الإخوان".. هكذا قدم تقرير نشرته صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية خلاصة وضع جماعة "الإخوان المسلمون" في مصر، واصفا إياها بأنها "محطمة وتحاول البحث عن دور".

وذكر التقرير، الذي أعده مراسل الصحيفة بإسطنبول "أندرو إنغلاند"، أنه في الوقت الذي تلقي فيه الحكومة المصرية اللوم على جماعة الإخوان وتتهمهما بالتحريض على الاحتجاجات الأخيرة، إلا أن هناك قلة تعتقد أن الجماعة لديها التأثير لتهدد النظام.

ولفت "إنغلاند" إلى تحذير الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" من "حركة الإسلام السياسي التي تتطلع إلى السلطة"، خلال اجتماعه مع نظيره الأمريكي "دونالد ترامب"، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الأسبوع الماضي، مشيرا إلى أن "السيسي" لخص بذلك الرواية التي أمن من خلالها صعوده إلى السلطة، وميزت سنواته الست في الحكم.

وأوضح أن رواية "السيسي" للبقاء بالسلطة مفادها أن جماعة "الإخوان المسلمون" تمثل التهديد الأكبر على مصر، الدولة العربية الأولى تعدادا للسكان، وأنه الرجل القادر على تحقيق التقدم الاقتصادي.

كانت الحركة الإسلامية بعبعا مفيدا لـ"السيسي" كي يبرر الإجراءات القمعية التي قام بها، بحسب التقرير، الذي أشار إلى عدم وجود مؤشرات على وقوف الإخوان وراء التظاهرات الأخيرة، التي خرجت بطريقة عفوية احتجاجا على الظروف الاقتصادية والفساد الحكومي.

الحافز الأساسي لهذه المظاهرات كان سلسلة من الفيديوهات بثها الفنان والمقاول "محمد علي"، وزعم فيها أن الجيش لم يدفع له ملايين الجنيهات لقاء تعهدات قام بها.

ويبدو "محمد علي" البالغ من العمر 45 عاما، شخصية مضادة لما يدعو إليه الإسلام السياسي من تقوى وزهد، بحسب التقرير، الذي لفت إلى كشف فيديوهات المقاول المصري عن قصور "السيسي" التي أثارت غضب الشارع.

وذكرت الصحيفة البريطانية أن النظام قام منذ بداية الاحتجاجات بحملة اعتقالات طالت ألفي شخص، منهم شخصيات بارزة وناشطون في مجال حقوق الإنسان، مشيرة إلى أنه منذ انقلابه عام 2013، الذي أطاح بـ"محمد مرسي"، عضو جماعة "الإخوان المسلمون"، الذي أصبح أول رئيس مصري منتخب، صار عمل "السيسي" الأول هو ملاحقة الجماعة وسحقها دون رحمة، وفي الوقت ذاته قدم نفسه للغرب على أنه حاجز ضد التطرف.

وأشار التقرير إلى أن هذا الأمر أدى إلى إضعاف الحركة وتقسيمها، وهي الجماعة السرية التي طالما قدمت نفسها على أنها أهم حركة مؤثرة في العالم العربي، وطورت شبكة دولية لها، وألهمت جماعات مثل حركة "حماس" الفلسطينية.

ولفت "إنغلاند" إلى سجن الآلاف من عناصر "الإخوان" في مصر، وتجميد أرصدة الجماعة، وإغلاق أعمالها، ما أدى إلى تهشم بنيتها التنظيمية.

وأشار إلى أن حركة "الإخوان" واجهت منذ إنشائها عام 1928 عدوانية من الحكام المستبدين، الذين خافوا من تأثيرها على القطاعات المحافظة في المجتمعات الإسلامية، وتهديدها على حكمهم.

 لكن مؤسس منبر الشرق للأبحاث "وضاح خنفر" يرى أن الفترة المضطربة لجماعة الإخوان في الحكم وهبوطها السريع من السلطة قادا إلى "تحفيز تفكير جديد"، وأديا إلى نقاش حول ضرورة تبني الحركات الإسلامية "نهجا قيميا وسطيا"، مثل الديمقراطية المسيحية في أوروبا، بدلا من التركيز على النهج الديني.

ونقلت "فايننشال" تايمز عن "خنفر"، قوله: "لو جلست الآن مع أي عناصر في جماعة الإخوان المسلمين، تجد أنهم يحاولون البحث عن مخرج، هناك ملايين الأسئلة تتعلق بنظرية الإسلام السياسي لكنها دون أجوبة".

 وأضاف: "مضى على إنشاء حسن البنا الحركة مئة عام، فهل من الصواب تبني مفهوم يطلق عليه الإسلام السياسي".

وتعتمد حركة "الإخوان" حاليا على عدد من القيادات الكبيرة في العمر مع سجن النظام المصري القادة المؤثرين بها، ومنهم نائب المرشد العام "إبراهيم منير"، الذي يعمل من مكتب صغير في مبنى في شمال غرب لندن، وكذلك الأمين العام "محمود حسين"، الذي بحث عن ملجأ في تركيا.

ونقل التقرير عن "منير" قوله، في حديث تم قبل اندلاع التظاهرات الأخيرة، إن جماعة "الإخوان" لا تزال الوحيدة في مصر ذات القوة للوقوف والمشاركة في النشاطات السياسية.

لكن الرجل الثمانيني، الذي يتحدث بصوت خافت، ويعيش في المنفى بلندن منذ عام 1979، اعترف بأن تركيز "الإخوان" الآن هو على "الحفاظ على إبقاء الفكرة على قيد الحياة".

وأضاف: "أثبتنا أننا وقفنا بجسارة ضد هذا العدوان (..) قد ثبتت صحة هذا، فنحن لا نزال موجودين، ونواجه التحديات كلها، لكننا صمدنا".

ولفت التقرير إلى أن قنوات التلفزة المؤيدة لـ"الإخوان" في تركيا ومنصات التواصل الاجتماعي حاولت الدخول في الاحتجاجات الأخيرة في مصر، إلا أن المحللين يشكون في قدرة الحركة المشتتة على الحشد، كما كانت ذروة قوتها قبل 7 أعوام.

وأشار إلى أن "السيسي" فرض في السنوات التي تبعت انقلابه نظاما قمعيا لم تشهد مصر مثله منذ "جمال عبدالناصر" في الخمسينيات من القرن، واستهدف الإسلاميين والعلمانيين على حد سواء، وتم تصنيف حركة "الإخوان" إرهابية عام 2013، وحث "السيسي" نظيره الأمريكي على عمل الشيء ذاته.

ولفتت الصحيفة البريطانية إلى أن جماعة "الإخوان" نبذت العنف، إلا أن بعض الجماعات التي انشقت عنها قامت بعمليات ضد النظام، مشيرة إلى أنه عندما مات "مرسي" بقاعة المحكمة في يونيو/حزيران، لم يتجرأ عناصر الجماعة على التعبير عن تعاطفهم؛ لأن أي تحرك سيؤدي إلى السجن.

ونقل التقرير عن "فيكتور ويلي"، مؤلف كتاب سيصدر العام المقبل تحت عنوان "المحنة الثانية 1968–2018"، قوله إن قيادة الخارج لا سلطة لها على عناصر "الإخوان" في الداخل، ففي الداخل تعمل الحركة بصفتها منظمة مستقلة يديرها 11 شخصا.

 وأضاف: "ما أسمعه في مصر أنها (الجماعة) غير مترابطة، ودون نشاطات تنظيمية أو سلسلة قيادية.. هناك نقص في التنظيم والرؤية، وهي دون أجندة سياسية حقيقية".

ونوه التقرير إلى أنه في إسطنبول، حيث يعيش المئات من أعضاء الحركة ومؤيديها ووزراء في حكومة "مرسي"، هناك بعض الأصوات الناقدة للحركة وقيادتها المصممة على تبني الخط الدوغمائي والرافضة للتعلم من أخطائها.

وفي هذا الإطار ينقل "إنغلاند" عن "يحيى حامد"، الوزير السابق في حكومة "مرسي"، قوله: "في بعض الأحيان يحاول أشخاص في الإخوان المخادعة والقول: نحن أقوياء جدا وباستطاعتنا الانتصار، لا، كونوا واقعيين مع أنفسكم، لقد تم إضعافنا".

 وأضاف: "ما هي الأخطاء التي يجب علينا التحدث عنها للناس؟ يجب أن نقول لهم ماذا حدث وما نريد عمله في المستقبل".

واقترح "حامد" تعلم "الإخوان" من دروس حركة "النهضة" التونسية، التي برزت بعد ثورة عام 2011، وقدمت تنازلات في الحكم، وتعاونت مع القوى العلمانية، ولم تدفع بالأجندة الإسلامية، ولا تزال جزءا من المشهد السياسي التونسي.

وتساءل الوزير المصري السابق عن موقف "الإخوان" في حال اندلعت ثورة ثانية، وهل عليهم العودة بالوجوه والأساليب ذاتها، وأجاب: "بالتأكيد لا، فهذا يعني أننا لم نتعلم منها، وهذا لا علاقة له بكون الإخوان مصيبين أم مخطئين، لكن عليك موضعة نفسك في المكان الذي تريد أن تحتله في المجتمع، فلو أردت ممارسة السياسة فافعل كما فعلت النهضة".

وفي السياق، نقل التقرير عن الوزير السابق في حكومة "مرسي"، "عمرو دراج"، قوله إنه "استسلم فيما يتعلق بالإخوان بصفتها منظمة"؛ وذلك بسبب الطريقة التي تدار بها، وأصبح من أهم الناقدين المقيمين في إسطنبول، ويدعو لعدم الانتظار والتحضير للانتفاضة الثانية، مشيرا إلى أن عدم جاهزية الحركة عام 2011 كان "خطأ كبيرا".

ولفت التقرير إلى مراجعات أخرى تقوم بها حركات إسلامية أخرى غير "الإخوان"، ونقل عن "خنفر" قوله: "كل حركة إسلامية يجلس أعضاؤها معا ويسألون هذه الأسئلة، وهذا نقاش كبير خاصة بين الشباب"، ويحدث هذا وسط مناخ معاد، فقد وضعت انتفاضات الربيع العربي الإسلام السياسي على صدام مع أنظمة في الإقليم، خاصة السعودية والإمارات، وقامت الأنظمة الملكية في الخليج بضخ مليارات الدولارات لدعم نظام السيسي، وهي تتعامل مع الحركات الإسلامية على أنها تهديد على الاستقرار وحكمها".

ولفتت الصحيفة البريطانية، في هذا الصدد، إلى أن وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات "أنور قرقاش"، كتب بعد التظاهرات الأخيرة في مصر تغريدة، قال فيها إن محاولات الإخوان تنظيم حملة ضد استقرار مصر فشلت بطريقة بائسة.

ونوه التقرير إلى أن الإمارات تدعم "خليفة حفتر" في ليبيا، الذي يقول إنه يشن حملة ضد الإسلاميين، وكذلك المجلس العسكري الانتقالي في السودان؛ خشية من استغلال الإسلاميين لرحيل "عمر البشير"، مشيرا إلى أن تركيا وقطر لا تزالان في الوقت ذاته تتعاطفان مع الحركات الإسلامية.

وهناك من يؤمن أنه مهما حدث لبنية الإخوان التنظيمية فإن فكرتهم تظل قائمة، وتحظى بدعم من القطاعات المحافظة في المجتمعات الإسلامية، وهو ما أشار إليه "ويلي" قائلا: "لا أستبعد عودة الإخوان للقيام بدور في حال ساءت الأوضاع الاقتصادية".

وأشار إلى أن "الأيديولوجية تظل رسالة قوية يتردد صداها بين الكثيرين، ولهذا السبب تخشى الكثير من الحكومات العربية الإخوان المسلمون، فهذه الفكرة التي سيمضي عليها مئة عام لا تزال ذات أهمية، وإن كانت بلا أهمية حاليا على المستوى التنظيمي.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

جماعة الإخوان المسلمين عمرو دراج يحيى حامد حركة النهضة التونسية