الجوكر. .شرير الكوميكس بطلا تراجيديا

الاثنين 14 أكتوبر 2019 05:17 م

مثل العام 1940 الإطلالة الأولي لشرير الكوميكس الأشهر (الجوكر)، تلك الشخصية الخيالية التي اخترعتها شركة (دي سي كوميكس) لتجعل منها عدو بات مان اللدود والراعي الرسمي للمأساة في حياة بطل الخير.

ورغم أن شخصية الجوكر ووفقا بيانات شركة (دي سي كوميكس) كان مقررا لها أن تموت بعد أول قصة، أي أنها كادت أن تصبح مجرد ومضة يقضي عليها بات مان، إلا أن الشخصية أغرت مؤلفيها (جيري روبنسونو بيل فينغر وبوب كين) على تطويرها وجعلها عامل مشترك في المواجهة بين الخير والشر في مدينة غوثام .

في عام 1966 أنتجت هيئة الإذاعة الأمريكية مسلسل بات مان والذي قام ببطولته الممثل (آدم ويست) بينما جسد شخصية الجوكر للمرة الأولى الممثل (سيزار روميرو)، ليتوالى بعد ذلك مجسدو شخصية الجوكر من ممثلي هوليود، ففي عام 1989 أدى جاك نيكلسون الشخصية في فيلم (بات مان) بينما نال هيث ليدجر الأوسكار عن أدائه للدور في فيلم (فارس الظلام) ليأتي جاريت ليتو عام 2017 ويجسد الجوكر في فيلم (الفرقة الانتحارية).

جوكر 2019

خلافا لكل النسخ السابقة التي قدمت الجوكر يعد هذا الفيلم الذي مثلة (جواكين فينيكس) وأخرجه (تود فيليبس)، هو الأكثر سوادوية منذ انتقال الجوكر من صفحات مجلات الكوميكس إلى شاشات السينما والتلفزيون، في جوكر 2019 ستصطدم بضحكة تلقائية خالية من الفرح، وذهن مضطرب وقلب رقيق متعطش للحب أيا كان من سيعطيه له سواء كان قريب أو بعيد عابر سبيل في طريقه أم مستقر معه، إنه إنسان لا يجد من يتقبله، يحاول أن يبيع للناس الابتسامة لعلهم يفتحوا له أبواب قلوبهم لكنهم يسخرون منه وبعضهم يؤذيه، نحن أمام تراجيديا لمريض نفسي يطحنه المجتمع ويدوس عليه بالأقدام.

المثير أن المأساة في الفيلم تنبع من شغف الجوكر بالكوميديا ورغبته بأن يُضحك غيره. ونشاهده في بداية الفيلم يحاول أن يظهر ملامح الضحك على وجهه بأصابعه بالقوة. "هو يحاول أن يعرف هويته. هل أن حياته كوميدية أو مأساوية؟، فخلافا لأفلام الكوميكس السابقة التي كانت تطرح الجوكر شرير من البداية للنهاية، فإننا نرى شخصية آرثر (الجوكر) تتطور من آرثر البسيط الى الجوكر القاتل ومصدر العنف الذي يعترف به أمام الجماهير على شاشات التلفزيون بل ويمارسه بقتل المذيع موراي فرانكلين (روبرت دي نيرو) .

جوكر بدون بات مان

استطاع تود فيليبس أن يقدم لنا مدينة أقرب لواقعنا، مدينة لا تمتلك فرقا من الأبطال والأشرار الخارقين، فآرثر فيلك (الجوكر) يقف على جانب الطريق وسط القاذورات والجرذان تغطي وجهه ابتسامه عريضة، ولم لا وهو يحلم أن يصبح كوميديان، إلا أنه يصطدم أن نكاته لا تضحك أحدا، كما أن نوبات الضحك الهيستيري التي تنتابه فجأة تمنعه من الوقوف والأداء أمام الجماهير، ومع ذلك فهو مصر أنه موهوب، وأنه سيجد فرصته ليصبح نجما جماهيريا .

آرثر في كل هذا هو صنيعة ثقافة مهووسة بالشهرة والأضواء، آرثر موهوم تماما، لكن الحفاظ على هذا الوهم له أهمية وجودية بالنسبة له لكي يُبقي على الحد الأدنى من المعنى والهدف في حياة كل ما فيها بائس، ومن ثم يتشبّث بوهمه ذاك، باحثا فيه عن الخلاص من إحساسه بالدونية وانعدام الأهمية، وعندما تأتيه الفرصة، ويصبح في بقعة الضوء المنشودة حيث سيصير صوته مسموعا، لا يجد آرثر عندها أفضل من استعارة صوت طلقات الرصاص يعلن به عن وجوده .

تشجيع الشرير

دوائر عديدة انتقدت الفيلم واعتبرته تشجيعا للمنبوذين داخل المجتمعات للتحول إلى العنف، وأخذ الحق بأنفسهم، فرغم مشاهد العنف وجرائم القتل إلا أنك لا تستطيع أن تترك التعاطف مع شخصية الجوكر، فقتله للثلاثة اللذين أهانوه في المترو واعتدوا عليه بالضرب هو تصرف طبيعي لأي إنسان يعيش في ذلك الواقع المهترئ، فمنذ بداية الفيلم وأنت تلحظ فوضى مدينة غوثام، الغارقة في القمامة والجرذان والأبنية المتصدعة، والشرطة التي تبدو هزيلة، والأمن الاجتماعي المفقود، الفقراء اللذين يعيشون في أبنية فقيرة، ويعملون في مهن وضيعة ولا يجدون الرعاية الصحية حال مرضهم.

يعيش آرثر هذا الواقع ويعلم أنه لا خلاص منه، يعيشه مع أم مريضه تصر أن الخلاص لحالهم يكمن لدى رجل الأعمال الثري توماس وين باعتبارها خدمته لسنوات طويلة، وتكلف ابنها أن يرسل له برسالة كتبتها له، بينما يقرأ آرثر الرسالة دون علمها ليكتشف أنه الابن الأكبر لتوماس وين، لنجد أنفسنا أمام تنويعه جديدة في حياة الجوكر فهو أخ غير شرعي للوطواط الذي ما زال طفلا صغيرا في هذا العمل، ليصبح الصراع الطبقي والانتقام مبررا وليعطينا تود فيليبس مخرج الفيلم بعدا جديدا نتعاطف به مع الشرير .

التعذيب في الصغر، فقدان الأب والعيش بلقب الأم، التشوهات النفسية وسخرية المجتمع، فقدان الدفيء والبحث عن الحب لدى الآخرين، الصراع الطبقي، وجود أب يرفض الاعتراف، الحرمان من الرعاية الصحية، إنها البذور الحقيقية التي زرعت في وجدان الجوكر ودفعته للجريمة والتي وضعتنا أمام تراجيديا البطل الباحث عن متعة الإضحاك ليسقط في أسر الجريمة.

أخيرا وبغض النظر إذا كان الجوكر مجرد طرح لشر اجتماعي أو تحريض عليه، فقد استطاع تود فيليبس أن يخلق معادلة جديدة غب معادلة إنتاج شخصيات الكوميكس ويوجد له معادلا واقعيا، وإن ينحى بها إلى أبعاد إنسانية، بينما استطاع فينيكس أن يخرج من أسر المقارنة مع ليدجر فقد قدم أبعادا جديدة وغير مسبوقة لشخصية الجوكر وأتوقع أن يحصل الفيلم على إحدى جوائز الأوسكار.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

560 مليون دولار إيرادات الجوكر في أسبوعين

الجوكر.. أمير الفوضى يتجه لإحراز لقب غير مسبوق بالتاريخ