أمواج السيسي.. جيش إلكتروني لإجهاض الغضب المصري

الأربعاء 16 أكتوبر 2019 09:36 م

"أنا ممكن بكتيبتين أسيطر على مواقع التواصل"..

هكذا لوح الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي"، في أبريل/نيسان 2016، محذرا من خطورة "السوشيال ميديا"، على نظامه، دون أي اعتبار لحرية الرأي والتعبير.

بعد أكثر من 3 سنوات، توالت تسريبات المقاول والفنان "محمد علي"، لتؤكد وجود "جيش إلكتروني" تديره المخابرات العامة المصرية، بهدف تلميع "السيسي"، وتشويه معارضيه، امتد إلى استغلال نفوذ دبي لحذف وسوم مناهضة له عبر "تويتر".

ووفق مقابلة لـ"علي"، نشرها موقع "ميدل إيست آي"، فإن من بين المشروعات العقارية التي عمل عليها، خلال فترة تعاونه مع الجيش، كان مبنى متعدد الطوابق تابع لجهاز المخابرات العامة لإيواء ما يطلق عليه "جيش السيسي الإلكتروني".

وأضاف "علي" أن الجيش يضم مئات من الموظفين المدنيين يشرف عليهم عدد قليل من الضباط، ومهمتهم مراقبة ومتابعة مواقع التواصل الاجتماعي، وتشويه المعارضين وتهديدهم، وتلميع النظام الحاكم.

مهام أخرى

وتضطلع تلك الكتائب بمهام أخرى، يتصدرها إبراز إنجازات المؤسستين الأمنية والعسكرية في البلاد، والتخويف دوما من سيناريو الفوضى، واستنساخ التجربتين السورية والعراقية، حال خروج المصريين لتظاهرات ضد النظام. 

ويعمل الجيش الإلكتروني بشكل ملفت على تغيير عقيدة المصريين من العداء لـ(إسرائيل)، إلى معاداة كل من قطر وتركيا و"حماس"، مع توجيه بوصلة الرأي العام نحو معارك وهمية لصرف الانتباه عن قضايا ملحة، مثل معارك رئيس نادي الزمالك "مرتضى منصور"، وتسريبات المخرج السينمائي "خالد يوسف" التي تزامنت مع تعديلات الدستور، التي منحت "السيسي" فرصة البقاء في الحكم حتى 2030.

الخطير أن تلك الكتائب بحكم تبعيتها للمخابرات، يتم إمداد العاملين بها بمحتوى عمليات تنصت وتجسس، وتسريبات صوتية، لترويجها ضد ناشطين وسياسيين لكسر شوكتهم، وابتزازهم لاحقا لتأييد "السيسي"، أو السكوت تماما.

وكثيرا ما تقوم تلك الكتائب بتصدير وسوم عبر "تريند"، تخالف الواقع المصري، وتظهر تأييدا منقطع النظير لسياسات "السيسي"، رغم تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية في البلاد.

وتعمل تلك الكتائب بشكل ممنهج على تبرئة "السيسي" من أي إخفاق، وتحميل المسؤولية في الأزمات لجماعة "الإخوان المسلمون"، التي أطيح بها من السلطة عبر انقلاب عسكري منتصف 2013، وزج بعشرات الآلاف من أنصارها خلف القضبان، كذلك تحميل ثورة يناير/كانون الثاني 2011، أزمة سد النهضة، المتنازع عليه مع إثيوبيا.

آليات العمل

ويتحرك جيش "السيسي" الإلكتروني، وفق عدة آليات، أولها الانتشار على صفحات المشاهير من الناشطين والسياسيين والإعلاميين والفنانين والرياضيين، للوصول إلى أكبر عدد من الشرائح التي تنشط على مواقع التواصل.

ثانيا، تقوم تلك الكتائب بإطلاق أعداد كبيرة من الصفحات على موقع التواصل، وإدارتها، على أن تشمل مجالات مختلفة، ويهتم القائمون عليها بالتفاعل، على صفحات أخرى، والقيام بدور تسويقي لشخص أو مؤسسة، أو العكس، أو إثارة اللغط حول أمر ما، بهدف تشويش الرؤية عند المتلقي.

ثالثا، تتواصل تلك الكتائب مع مؤسسات إعلامية من أبرزها "اليوم السابع"، وعدد من الكتاب والصحفيين والإعلاميين؛ لتبني قضايا ووسوم بعينها، لتدشين حملات مخطط لها.

وتحت شعار مواجهة "الشائعات" و"حروب الجيل الرابع"، ترصد الكتائب الاستخباراتية، أبرز الاتجاهات السائدة على مواقع التواصل، وتصدر تقارير يطلع عليها مسؤولون رفيعو المستوى،  بالإضافة إلى تقديم تقارير بأسماء صفحات، لمراقبتها، أو القبض على مديريها إذا استدعى الأمر.

ميزانيات ضخمة

منذ سنوات، ظهرت تلك الكتائب بشكل سري تحت اسم "مركز الإعلام الوطني للقوات المسلحة"، الذي كان يعمل على مدار 24 ساعة، بأحد المقار التابعة للاستخبارات الحربية، وضم المركز عددا من الشباب معظمهم من أبناء قيادات الجيش السابقين والحاليين، يتقاضون رواتب مغرية.

تطور الأمر لاحقا، إلى تخصيص شركة التسويق الرقمي "نيوويفز" (شرق القاهرة)، ويملكها ضابط جيش مصري سابق يدعى "عمرو حسين"، والذي يدفع لموظفيه الجدد 180 دولارا شهريا لكتابة منشورات مؤيدة للجيش باستخدام حسابات وهمية عبر "فيسبوك" و"تويتر" و"إنستغرام" و"تيليغرام"، بعدما وجّههم "مدربون" إلى الوسوم التي ينبغي استخدامها والنقاط الواجب الحديث عنها، وكيفية السيطرة على النقاشات عبر الإنترنت.

وافتضح أمر الشركة، حينما شنت حملة لدعم عسكر السودان، ما دفع إدارة "فيسبوك" إلى غلق مئات الحسابات التي تديرها شركة "نيو ويفز" وشركة إماراتية تحمل اسما مشابها "نيوويف"، مشيرة إلى أن الشركتين لجأتا إلى "المال والخداع والحسابات المزيفة" للتأثير في جمهورهما الذي يبلغ عدده نحو 14 مليون متابع.

يقول أحد المدربين من الشركة: "نفعل شيئاً كبيراً جداً، ومهماً جداً هنا. قديماً كانت الحروب تدار بالأسلحة. الآن باتت على وسائل التواصل الاجتماعي".

ووفق صحيفة "نيويورك تايمز"، فإن تتبع "فيسبوك" لشركتي "نيوويفز"، و"نيوويف"، انتهى في أغسطس/آب الماضي، إلى تحديد مصر والإمارات والسعودية كمركز لانطلاق هذه الصفحات المزيفة.

كذلك فإن التحقيق كشف عن حصول الشركتين المصرية والإماراتية على حسابات من أجل إدارة صفحات على "فيسبوك" قدمت على أنها مواقع إخبارية، وفي 9 دول، بينها السودان والصومال والكويت وليبيا.

ويخصص لعمليات جيش "السيسي" الإلكتروني ميزانية ضخمة، نظرا لتعدد عملياته ومهامه ضد قطر وتركيا و"الإخوان المسلمون" من جانب، ودعم حكم العسكر في السودان، وحرب الجنرال "خليفة حفتر" في ليبيا من جانب، وتوجهات السعودية والإمارات في المنطقة، إلى جانب مهماته الأساسية في تلميع صورة النظام وتبييض وجهه، وتعقب معارضيه.

الواقع أن عمليات "نيوويفز" أو "الأمواج الجديدة"، إضافة إلى تسريبات "علي"، تؤكدان أن تهديد "السيسي" بـ"قفل مواقع التواصل بكتيبتين"، باتت حقيقة، بعد حجب أكثر من 500 موقع داخل مصر، وإعداد ترسانة من القوانين تجرم أي نقد لنظامه عبر مواقع التواصل، وتنسيق حملات عبر الحدود لإجهاض أي احتجاج شعبي قد يعيد ظهور الربيع العربي عام 2011.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية