فورين بوليسي: هجمات إيران كتبت شهادة وفاة الردع الأمريكي في الخليج

الخميس 17 أكتوبر 2019 04:40 م

حان الوقت للإعلان عن وفاة "عقيدة كارتر"، التي تدعو إلى رد عسكري أمريكي على أي عمل خارجي يهدد حقول النفط في الخليج العربي، ولن يكون قرار وزارة الدفاع الأمريكية بنشر 1800 جندي أمريكي إضافي في المملكة العربية السعودية الأسبوع الماضي قادرا على طمأنة السعوديين القلقين بشأن نهاية شراكتهم الخاصة مع واشنطن مهما كان عدد الجنود الأمريكيين الذين سيجري إرسالهم إلى المملكة.

ويعد هذا الفصل الجديد في تاريخ الولايات المتحدة العسكري في الشرق الأوسط محفوفا بالمخاطر، وتسبب فكر الولايات المتحدة الجديد الذي ينهي فعليا دور واشنطن كمراقب وحامي للأصول العالمية في المنطقة في إثارة قلق حلفاء أمريكا الأوروبيين، وترويع شركائها العرب، بل إنه أربك الخصوم الرئيسيين للولايات المتحدة، الصين وروسيا، حيث كانا يعملان على تقويض الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط لأعوام، لكنهما لم يسعيا أبدا لأن يحلا محلها تماما، خوفا من وراثة الفوضى الناجمة عن رحيل الولايات المتحدة.

نهاية الردع الأمريكي

لكن على الرغم من كل هذه التطورات، لا تزال هناك فرصة لواشنطن لإعادة التفكير في استراتيجية الردع الأمريكي في الشرق الأوسط، وطوال الوقت، كان صانعو القرار الأمريكيون يفترضون أن العدد الهائل من القوات الأمريكية في المنطقة، إلى جانب القوات الإضافية التي يمكن نقلها بسرعة من المناطق المجاورة، والسرعة التي يمكنهم بها الاستجابة لحالات الطوارئ الجديدة، ستكون أمورا كافيا لجعل الأعداء يفكرون ألف مرة قبل ممارسة أي حماقة.

لكن من خلال مهاجمة البنية التحتية للنفط في السعودية الشهر الماضي، حطمت إيران هذا الافتراض، على الرغم من أن ذلك ليس بسبب قدراتها الهائلة، ولكن بسبب إخفاق الولايات المتحدة.

ومن الأهمية بمكان لمصداقية "الردع الأمريكي" أن يكون خصوم واشنطن، خاصة إيران، موقنين أنها لن تتردد في استخدام القوة المميتة إذا تجاوزت عتبة معينة، ومع ذلك، فإن الفشل في الرد على الهجوم على المملكة بعث رسالة مفادها أنه ما لم يتم قتل الجنود الأمريكيين في الشرق الأوسط، أو مهاجمة أصول أمريكية حرجة بشكل مباشر، فإن الجيش الأمريكي لن يتدخل.

وبالنسبة لواشنطن، كان الدرس الرئيسي من تطورات الأسابيع الماضية هو أن حجم الترسانة الأمريكية، أو عدد القوات، لا يكفي لغرس الخوف في قلب طهران، وربما في قلوب خصوم آخرين. وفي الواقع، قد يكون الوجود العسكري الأمريكي المتضخم في المنطقة لا لزوم له، وربما يكون مسؤولية، بالنظر إلى أن هناك حاجة إلى مزيد من الموارد لمواجهة التهديدات في أوروبا والمحيط الهادئ كما تشير أحدث استراتيجية للدفاع الوطني. وبالطبع فإن الأسلحة مهمة للردع، لكن كلمات وسلوكيات القادة الأمريكيين تهم أكثر من ذلك بكثير، وفي هذه الحالة، فهم يرسلون كل الإشارات الخاطئة الممكنة.

ومن المفترض أن يقنع نشر القوات الأمريكية في السعودية السعوديين بأن واشنطن لا تتخلى عنهم كما فعلت مع الأكراد، في الوقت الذي تسعى فيه المملكة إلى تعزيز الدفاعات ضد الهجمات التقليدية المحتملة من قبل إيران.

ومع ذلك، فإن كلا الهدفين سيكون بعيد المنال، وتقرأ الرياض رسالة مختلفة من السياسة الأمريكية، وعلى الأرجح فإنها وصلت إلى استنتاج مفاده أنه على الرغم من أنها لم تثق في الرئيس السابق "باراك أوباما"، فمن المؤكد أنها لا تستطيع الاعتماد على "ترامب" أيضا، الذي يبدو أنه يهتم ببيع الأسلحة للسعوديين وليس بضمان أمنهم.

أما بالنسبة للترقيات الدفاعية، فبغض النظر عن مدى قوتها وانتشارها على نطاق واسع، لا يوجد حل عسكري لصد أسراب الطائرات بدون طيار والقذائف التي يمكنها الآن ضرب الأهداف بأقصى قدر من الدقة.

وكان الموقف العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط يعتمد دائما على الردع، وليس الدفاع، لكن الردع تلقى ضربة هائلة بسبب سلسلة الهجمات الإيرانية، التي تم تتويجها بالهجوم على "بقيق" الشهر الماضي. لذا فإن السؤال الأهم، الذي تكافح القيادة المركزية الأمريكية لحله، هو كيف يمكن للولايات المتحدة استعادة الردع في الشرق الأوسط.

إعادة التفكير

ومن أجل الإجابة عن هذا السؤال علينا أن نحدد أولا ما لا يجب فعله، وفي البداية لا يجب التفكير في صفعة أمريكية على وجه إيران، تشبه رد فعل "ترامب" على استخدام الرئيس السوري "بشار الأسد" للأسلحة الكيميائية عام 2017.

وهناك بالفعل دعوات أمريكية لهذا الخيار، لكن يجب تجاهلها. فإيران بلد أكبر بكثير وأكثر حيلة من سوريا، كما أنها تتمتع بالخبرة في الحرب، ولديها عمق استراتيجي أكبر، ما يتيح لها استيعاب العديد من الهجمات، واستخدامها كذريعة لمواصلة توسعها المنهجي في المنطقة.

وسوف تشجع الضربة الأمريكية لمرة واحدة، التي من المرجح أن يلتزم بها "ترامب"، الراديكاليين في النظام الإيراني، وتحديدا "الحرس الثوري الإسلامي"، حيث سيتم تفسير الضربة على أنها دليل إضافي على الضعف الأمريكي.

ولردع إيران، يجب على صانعي السياسة في الولايات المتحدة إقناع طهران بأن الولايات المتحدة لا تخاف من القتال، وسوف يستلزم هذا إرسال رسائل واضحة إلى الإيرانيين مفادها أنه إذا استمروا في حملاتهم الهجومية على البنية التحتية النفطية في الخليج، فإن الولايات المتحدة سوف تستخدم القوة العظمى، ولن تنظر إلى الوراء، ويعني هذا السماح للعمليات الحركية الأمريكية بأخذ مسارها الطبيعي دون أن تعوقها تعقيدات السياسة الداخلية، وستشير واشنطن بذلك إلى طهران بأنها على استعداد لقبول جميع التكاليف والمخاطر التي قد تترتب على تغيير النظام.

لكن بالطبع، لا يقتنع "ترامب" بهذا المنطق، لأنه أوضح أنه يريد تجنب المواجهة مع إيران بأي ثمن، وتدرك إيران أيضا حقيقة أن النظام السياسي الأمريكي منقسم على نحو خطير، وأن الرئيس ضعيف ويواجه إمكانية الإقالة، وأن بيروقراطية الأمن القومي الأمريكي تعمل بجزء صغير من إمكاناتها بسبب هجرة الأدمغة الكبيرة، ولا تجعل أي من هذه العوامل الردع الأمريكي  فعالا، لكن كل شيء يبدأ بـ"ترامب"، وعليه أن يفهم أن أفضل طريقة لمنع الحرب مع إيران هي من خلال إقناعها بأن الولايات المتحدة مستعدة لشنها.

وفي النهاية، لا يمكن لإرسال المزيد من القوات والمعدات إلى السعودية أن يردع إيران، لكن التهديد بالحرب بمصداقية سوف يفعل، ولن تفعل الولايات المتحدة ذلك من أجل السعوديين أو أي شخص آخر، بل ستقوم بذلك من أجل مصالحها الجيوسياسية الخاصة، وموقعها النسبي في العالم كقوة عظمى، وسيكون القيام بذلك، على وجه السرعة القصوى، هي الطريقة المثلى لمنع الحرب.

المصدر | بلال صعب - فورين بوليسي

  كلمات مفتاحية

موقع: أمريكا انتقدت إسرائيل بسبب فشل إقامة قوة بحرية بالخليج