استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الخروج غير الآمن للطغاة العرب

الجمعة 25 أكتوبر 2019 07:23 ص

الخروج غير الآمن للطغاة العرب

أصبح سبّ الطغاة ومهاجمتهم طقساً عادياً يمارسه به الثوار العرب في كل مظاهرة احتجاج.

يتعلم الطغاة كيف يستبدون ويمارسون طغيانهم لكنهم لا يتعلمون من مصائر بعضهم واستمرار طغيانهم ولو تعلموا لما طغوا واستبدوا.

لن تختلف مصائر من تبقى من طغاة العرب عن مصائر من سبقوهم فقد كتبوا جميعا نهايتهم بأيديهم وباتوا مكروهين من المحيط إلى الخليج.

يبدأ الطغاة حكمهم بكلمات عن الإصلاح والتغيير واحترام الدستور والحريات وبعدها ينقلبون على تعهداتهم ويبطشون بمن أوصلهم إلى السلطة.

*     *     *

لا يتعلم الطغاة من التاريخ؛ فلو تعلموا منه ما طغوا وظلموا وفسدوا. هذا ملخص خبرتنا مع الحكام المستبدين والطغاة الذين حكمونا خلال نصف القرن الماضي؛ حيث يبدو جلياً أن هؤلاء الطغاة لم يتعلموا شيئاً من التاريخ القريب -ولا البعيد- لأسلافهم، الذين سقطوا وداستهم شعوبهم بأقدامها؛ وذلك كما حدث في مصر وليبيا واليمن والسودان والجزائر والعراق خلال العقدين الأخيرين.

فما لا يفهمه الطغاة العرب أن نهاية طغيانهم ليست فقط حتمية، ولكنها أيضا مأساوية، وبقدر استبدادهم وطغيانهم يكون مشهد نهايتهم. ورغم ذلك يرتكبون نفس الأخطاء التي وقع فيها من سبقهم من الطغاة، سواء الذين تم التخلص منهم قتلاً كما حدث مع لويس السادس عشر آخر ملوك فرنسا، الذي قُطعت رأسه أواخر القرن الثامن عشر.

وكما حدث مع طغاة القرن العشرين مرورا بأهمهم وهو رئيس رومانيا نيكولاي تشاوشيسكو الذي تم إعدامه هو وزوجته رمياً بالرصاص في أحد الميادين بالعاصمة بوخارست عقب الثورة الرومانية عام 1989، وانتهاء بمعمر القذافي وعلي عبد الله صالح. أو من أولئك الطغاة الذين جرى خلعهم وسجنهم، كما هي الحال مع حسني مبارك، وغيرهم من جنرالات الانقلابات في بعض بلدان أميركا اللاتينية وأفريقيا.

صحيح أن بعض الطغاة والمستبدين أفلتوا من الحساب والعقاب، ولكنهم تركوا بلدانهم في حالة فوضى عارمة، وأشبه بخرابات تحتاج الكثير من الأموال والأنفس من أجل إعادة التعمير والبناء. ناهيك عن تدمير النسيج الاجتماعي وقيم العيش المشترك، وذلك كما حدث في العراق بعد صدام حسين، وفي سوريا تحت حكم حافظ الأسد وابنه بشار، وما حدث بعد سقوط القذافي في ليبيا، وصالح في اليمن، وما حدث في السودان تحت حكم عمر البشير.

يقرأ الطغاة من نفس كتاب الاستبداد، ويكررون كتابة نفس سطوره دون إبداع أو تجديد. يبدؤون حكمهم بكلمات طيبة عن الإصلاح والتغيير، واحترام الدستور، وإطلاق الحريات... إلخ. وبعدها بسنوات قليلة؛ يبدأ البطش فيتراجعون عن وعودهم، وينقلبون على تعهداتهم، ويخدعون من أوصلهم إلى السلطة، سواء كان الشعب أو من يمثله.

ثم تبدأ الحاشية والأتباع في الترويج لبقائهم الأبدي في الحكم تحت ذرائع مختلفة، وذلك إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً. وإذا قام الشعب وثار على حكمهم اتهموه بالتآمر عليهم و"العمل لصالح أطراف خارجية"، وإذا "دقت ساعة الحقيقة" -كما قال القذافي ذات مرة- يرفعون شعار "إما نحن أو الفوضى!".

فعلها مبارك عندما جاء للسلطة عقب اغتيال السادات أوائل الثمانينيات (الذي كان أيضا قد بدأ حكمه بإصلاح سياسي عُرف بـ"ثورة التصحيح"، وقام بإطلاق سراح المعتقلين وخاصة من الإسلاميين، ثم انتهى إلى اعتقال كل رموز الطبقة السياسية أوائل الثمانينيات)؛ ففتح السجون وأخرج المعتقلين، وأعلن بعض الإصلاحات السياسية التي سريعا ما تراجع عنها، وبدأ عصرا جديداً من القمع والفساد.

ولا يزال قول مبارك المشهور "الكفن ملوش جيوب" -في إشارة إلى رفضه للفساد- شاهداً على كذبه، حيث علمنا -قبل نهاية العام المنصرم- أن محكمة أوروبية رفضت الإفراج عن أمواله، التي يبلغ حجمها حوالي نصف مليار دولار.

وكذلك فعلها زين العابدين بن علي في تونس أواخر الثمانينيات حين وعد بإصلاحات سياسية بعد نهاية حقبة الحبيب بورقيبة؛ فقد دعا إلى انتخابات جديدة كان هو أول المنقلبين على نتائجها، وقام باعتقال معارضيه وإغلاق المجال العام. وبعد إسقاطه؛ اكتشفنا الحجم الهائل للأموال والذهب التي كان يحتفظ بها في قصره الرئاسي بضاحية سيدي بوسعيد، ناهيك عما تم تهريبه في حسابات سرية له ولزوجته ليلى الطرابلسي وعائلتها.

وكذلك فعل الجنرال السوداني عمر البشير الذي حكم السودان ثلاثين عاماً قبل سقوطه، حيث ظل يتلاعب بشعبه ويعده بالإصلاح والوفرة والرخاء، مطالباً إياه بالصبر معه على "الظروف الاقتصادية الصعبة والتحديات الخارجية"، ومستنجداً بحلفائه وأتباعه من الأحزاب الكرتونية التي تداعت من أجل الدفاع عن بقائه في السلطة تحت لافتة "الحوار الوطني"؛ حتى سقط وانتهى في أبريل/نيسان من العام الجاري.

لا يوجد مخرج آمن للطغاة العرب من السلطة؛ فقد أغلقوا بأيديهم كل أبواب التوبة والعودة عن الاستبداد، والتكفير عن جرائمهم، ولم يتركوا لشعوبهم فرصة للرجوع تضمن لهم مخرجاً آمناً يحفظ أمنهم وحريتهم بعد أن أصبحت نهايتهم معروفة، ومصائرهم متوقعة، وهي إما العزل أو السجن أو النفي أو القتل.

ولن يكون ضرباً من الخيال إذا قلنا إن مصائر من تبقى من طغاة العربي -كعبد الفتاح السيسي ومحمد بن زايد ومحمد بن سلمان- لن تختلف كثيراً عن مصائر من سبقوهم، مثل مبارك وبن علي وصالح والبشير والقذافي وقبلهم صدام. فهؤلاء جميعاً كتبوا نهايتهم بأيديهم، وأصبحوا مكروهين من المحيط إلى الخليج. وأصبح سبّهم ومهاجمتهم طقساً عادياً يمارسه به المحتجون والثوار العرب للحرية والكرامة.

ولن تجد الآن مظاهرة أو احتجاجا -في أية عاصمة عربية أو غربية- إلا وهاجم المتظاهرون والمحتجون فيها هؤلاء الطغاة الباقين، واعتبروهم نموذجاً للظلم والاستبداد والفساد والإجرام الذي دفع -ولا يزال- ثمنَه الكثيرون.

فعلى مدار الشهور الماضية؛ سمعنا هتافات المتظاهرين في المغرب وتونس وليبيا والجزائر وسوريا وأخيراً لبنان ضد السيسي. ورأينا تحطيماً لتماثيل ولافتات لمحمد بن زايد ومحمد بن سلمان في عواصم عربية مثل بيروت وتونس. وبات هذا الثلاثي المكروه رمزاً للثورة المضادة التي أجهضت حلم الربيع العربي وذبحته بسكين بارد.

يتعلم الطغاة من بعضهم كيف يستبدون ويمارسون طغيانهم، لكنهم لا يتعلمون من مصائر بعضهم البعض، وكيف يمكن أن ينتهي بهم الحال إذا ما استمروا في طغيانهم، ولو أنهم تعلموا لما طغوا ولما استبدوا.

* د. خليل العناني أستاذ العلوم السياسية بمعهد الدوحة للدراسات العليا.

المصدر | الجزيرة نت

  كلمات مفتاحية