ستراتفور: ماذا وراء التوسع الروسي في أفريقيا؟

الأحد 27 أكتوبر 2019 12:20 م

تستمر استراتيجية روسيا لممارسة النفوذ في أفريقيا منذ عامين، رغم أنها تفعل ذلك إلى حد كبير حتى الآن من أنشطة ثنائية سرية. ولكن ذلك تغير في 22 أكتوبر/تشرين الأول، عندما استضافت موسكو أول قمة أفريقية في مدينة "سوتشي". وقد وفر الاجتماع الافتتاحي منبرا لروسيا لتقديم نظرة أكثر إيجابية عن نواياها في أفريقيا، حيث يمكنها أن تعمل كعنصر تمكين في الشؤون الاقتصادية والسياسية.

وشهد الحدث الذي استمر ليومين حضور أكثر من 40 من القادة الأفارقة، الذين ينحدر كثير منهم من دول لم تكن لروسيا علاقات وثيقة معها بشكل استثنائي. لكن قدرة موسكو على تحقيق تقدم مع هذه الدول الجديدة ستكون محدودة بسبب افتقارها للميزانية الضخمة التي استغلها خصومها الشرقيين أو الغربيين منذ فترة طويلة لتحقيق مصالحهم في القارة. وبالتالي، من المرجح أن تركز الجهود الدبلوماسية الروسية الموسعة الجديدة في أفريقيا بدرجة أقل على تقديم دعم مالي بحت، وبشكل أكبر على تعزيز المزيد من شراكات الأمن والبنية التحتية.

ماذا لدى روسيا لتقدمه؟

وكانت موسكو مزودا بارزا للأسلحة المتطورة منخفضة التكلفة لأفريقيا منذ نحو 60 عاما. وقد تكون خطتها الساحرة لما بعد القمة، تماما كما كانت في علاقاتها مع البلدان الفردية، تدور حول عمليات استحواذ جذابة في المجال العسكري. وكانت روسيا حريصة دائما على مساعدة الدول الأفريقية في بناء منشآت الطاقة. وهناك فرصة لتعزيز موسكو لاتفاقيات الطاقة النووية الحالية مع بعض الدول، أو توقيع اتفاقيات جديدة في المستقبل القريب.

ويمكن أيضا دعم مثل هذه الصفقات العسكرية أو تطويرات البنية التحتية بقروض روسية، على الرغم من أن روسيا لن تستطيع المنافسة كثيرا في هذا المجال أمام العديد من مقدمي القروض الآخرين في أفريقيا. ولطالما عرضت الصين، على سبيل المثال، استثمارات كبيرة في البنية التحتية على القادة الأفارقة. وفي الوقت نفسه، ركزت اليابان وأوروبا والولايات المتحدة عادة على برامج استثمار أكثر استدامة. وفي الأعوام الأخيرة، بدأت أموال قطر ودول الخليج الأخرى في الوصول إلى القارة بشكل متزايد. لكن مثل هذه الاستراتيجية ليست قابلة للحياة بالنسبة لروسيا، التي تواجه قيودا في ميزانيتها. ومن المحتمل أن تظل موسكو مركّزة على البحث عن فرص أكثر ربحية وأقل منافسة.

ومن خلال القيام بذلك، قد تجد موسكو طرقا لتقديم الخدمات وبيع المعدات إلى الدول الأفريقية باستخدام التمويل الروسي. ويوجد لدى روسيا العديد من مشاريع استخراج الموارد الطبيعية الجارية في أفريقيا والتي تحقق أرباحا متبادلة لكل من روسيا وشركائها الأفارقة كما في موزمبيق. وتقوم موسكو في كثير من الأحيان بالاستفادة من عقود الموارد المفيدة هذه لتوفير الدعم للائتمان أو إعطاء القروض مقابل الحصول على خصومات على خدمات الاستخراج. وفي ظل الظروف المناسبة، يمكن لاستراتيجية روسيا الموسعة أن تسفر عن عقود مماثلة مع المزيد من الدول الأفريقية.

الاستفادة من موروث العلاقات

لكن روسيا سوف تعتمد على أكثر من مجرد عروض دعم الجيوش والبنى التحتية في سعيها الجديد عبر القارة. وكان أحد الركائز الأساسية للمشروع الروسي في أفريقيا، ولا يزال، الاستفادة من إرثها السوفيتي. فخلال الحرب الباردة، دعمت روسيا مختلف الجماعات المتمردة والأنظمة في جميع أنحاء القارة في محاولة للتنافس مع النفوذ الغربي. وشملت هذه الاستراتيجية أيضا الدعم المباشر للجهات الفاعلة المحلية في الحروب بالوكالة ضد القوات الأمريكية والقوات المدعومة من أوروبا في أنغولا وموزمبيق على وجه الخصوص.

واليوم، لا يقترب دور روسيا المباشر في أفريقيا مما كان عليه فترة ما بعد الحرب الباردة، لكن علاقاتها السياسية والاقتصادية بقيت على قيد الحياة بفضل استمرار الكثير من أنظمة الحكم القديمة في العديد من البلدان الأفريقية. وما زال القادة أو قادة المستقبل، الذين قام الاتحاد السوفيتي بتعليمهم وتدريبهم، يتمتعون بنفوذ كبير في العديد من هذه البلدان. وبعضهم، مثل الرئيس الأنغولي "جواو لورينسو"، لا يزالون في مناصب قوية حتى يومنا هذا، مما يمنح روسيا موطئ قدم.

وتستمر جهود روسيا في أفريقيا معتمدة على علاقاتها الحالية مع الحلفاء السابقين للاتحاد السوفيتي مثل مصر. وبالفعل، استضاف الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" في قمة سوتشي، حيث يرأس الآن الاتحاد الأفريقي الذي يضم 55 دولة. وعلى عكس العصور السوفيتية، لم تعد موسكو قادرة على الاعتماد على موجة الماركسية المحلية والقومية الأفريقية التي غذت الدعم لسياستها تجاه أفريقيا منذ ما يقرب من 40 عاما. وفي عصر حروب الاستقلال ونضالات ما بعد الاستعمار، رأت هذه الحركات السياسية أن الشراكة مع السوفييت هي مفتاح تحرير بلدانهم من الاضطهاد الاستعماري الغربي. ولكن هذه الحركات تلاشت منذ ذلك الحين، رغم أن ذلك لم يمنع روسيا من الاستمرار في ترويج سردية معارضة الإمبريالية الغربية في علاقاتها مع الدول الأفريقية.

ولا يرحب العديد من القادة الأفارقة بالتدخل الغربي في شؤونهم، الأمر الذي يوفر بعض المساحة لنجاح هذه الرواية. لكنها تلك السردية لا تعمل في مواجهة العدد المتزايد من اللاعبين الآخرين غير الغربيين، الذين يتنافسون على النفوذ في أفريقيا. وبالتالي، في تلك القمة، كان من الطبيعي أن تحاول روسيا أيضا تحذير القادة الأفارقة من المخاطر الأوسع المتمثلة في أن يكونوا مدينين بشدة لمنافسين آخرين، أي الصين على وجه الخصوص. ويبقى لنرى ما إذا كان هذا المزيج من تكتيكات التخويف ومناهضة للولايات المتحدة يمكنه النجاح. ويمكن للعروض الخطابية أن تصرف الانتباه بنجاح عن عجز روسيا عن تحويل هذا الأموال المطلوبة إلى أفريقيا، من أجل منافسة القوى الأخرى العاملة في القارة.

المصدر | ستراتفور

  كلمات مفتاحية

موسكو وجيبوتي تبحثان التحضير للقمة الأفريقية الروسية 2022