فلسطين: سلطة أم مقاومة؟
«إن أوسلو حلّ مشكلة قيادات منظمة التحرير بأن وفرّ لها العودة، لكنه لم يحل القضية الفلسطينية ولن يحلها».
قضت «محكمة الصلح» في رام الله بحجب 59 موقعاً إلكترونياً وصفحة تواصل اجتماعي بطلب من النيابة العامة.
تتصرف القيادة في رام الله كأي نظام استبدادي عربي آخر فيما يتعلق بقضايا الحريات العامة خاصة حرية التعبير عن الرأي.
غالبية المواقع والصفحات المحجوبة تنطلق من أرضية وطنية وحرص على أداء سياسي وإداري فلسطيني بحجم التحديات الماثلة.
* * *
تخيّب السلطة الفلسطينية في رام الله، مرةً وراء مرة، الآمال والتوقعات المعقودة عليها بضرورة إعادة النظر في كامل النهج الذي أوصل القضية الفلسطينية إلى ما هي عليه اليوم، أي أن تكف عن «تصديق» أنها سلطة فعلية، وأن تعود إلى ما كان يجب أن تبقى عليه: حركة مقاومة وتحرر وطني من الاحتلال حتى ينتزع الشعب الفلسطيني حقوقه انتزاعاً، فما من أحد سيقدمها له منّة أو استجابة لنداء ضمير.
يصح على «اتفاق أوسلو» القول الشهير: ولد ميتاً، بل إنه في حقيقة الأمر قدّم للعدو الصهيوني مكتسبات تعادل مرات ومرات ما تعتقد قيادة منظمة التحرير أنها جنته من وراء توقيعه، وكلما أتيت على هذا الاتفاق تحضرني العبارة البليغة للشاعر الكبير الراحل محمود درويش التي قالها في إحدى المقابلات الصحفية معه، بعد استقالته من عضوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير احتجاجاً على الاتفاق.
قال درويش: «إن أوسلو حلّ مشكلة قيادات منظمة التحرير بأن وفرّ لها العودة، لكنه لم يحل القضية الفلسطينية ولن يحلها».
رغم ذلك تصّر القيادة الفلسطينية في رام الله على التصرف كما لو كانت سلطة بالفعل، لا في العلاقة مع العدو الصهيوني المحتل والممسك بالمفاصل الأساسية للوضع على الأرض التي تعتقد السلطة أنها تديرها، وإنما في العلاقة مع شعبها، بطريقة لا تختلف، من حيث الجوهر، عن طريقة تصرف أي نظام استبدادي عربي آخر، فيما يتعلق بقضايا الحريات العامة، خاصة حرية التعبير عن الرأي.
وضمن هذا النهج يأتي القرار الأخير الصادر عن«محكمة الصلح» في رام الله والقاضي بحجب 59 موقعاً إلكترونياً وصفحة تواصل اجتماعي بطلب من النيابة العامة، مما أثار غضباً شعبياً واحتجاجات القوى الوطنية الفلسطينية ومؤسسات المجتمع المدني، التي رأت فيه انتهاكاً للمعايير الدولية ومخالفة للقانون الأساسي الفلسطيني.
هذا القرار أعاد تسليط الضوء على منظومة التشريعات السارية في مناطق السلطة، بما فيها قانون «الجرائم الإلكترونية»، وهي التشريعات التي لم تراع، وبصورة خاصة، حقيقة أن الشعب الفلسطيني في حال مقاومة للمحتل!
وأن التفرد بالرأي في مجتمع يتميز بوعيه السياسي كالمجتمع الفلسطيني أمر لا يصح وغير مقبول من سلطة يفترض فيها أن تقود شعبها بفصائله المختلفة في هذه المقاومة، بأن تختار تكميم الأصوات الناقدة لها، خاصة إذا علمنا أن غالبية المواقع والصفحات المحجوبة، وربما كلها، تنطلق من الأرضية الوطنية، ومن الحرص على أن يكون هناك أداء سياسي وإداري فلسطيني بحجم التحديات الماثلة.
* د. حسن مدن كاتب صحفي من البحرين