اتفاق الرياض ومشروع أبوظبي باليمن.. مسكنات لصدام مرجح بين الحليفين

الثلاثاء 29 أكتوبر 2019 01:46 م

هل استسلمت أبوظبي وتخلت عن مشروعها في اليمن؟ وهل خضعت ذراعها الجنوبية (المجلس الانتقالي)؟

تصدر هذان التساؤلان اهتمام مراقبي الشأن اليمني خلال الساعات الماضية بعدما أفاد مصدر بالسلطة المحلية للعاصمة المؤقتة (جنوب) بوصول تعزيزات عسكرية كبيرة، منتصف ليلة الثلاثاء، إلى المدينة على متن سفينة سعودية رست بميناء كالتكس للحاويات، قبيل الإعلان رسميا عن اتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية والمجلس الجنوبي.

وذكر المصدر أن السفينة السعودية ضمت مدرعات وآليات ومعدات عسكرية، إضافة إلى العشرات من الجنود والضباط السعوديين، مشيرا إلى أن اتفاق الرياض يتضمن ترتيبات عسكرية وأمنية، ستتولى القوات السعودية تنفيذها، وفقا لما نقلته وكالة "سبوتنيك" الروسية.

واتجهت التعزيزات العسكرية السعودية نحو مقر التحالف العربي في مديرية البريقة، غرب عدن، وهي الأولى منذ إعلان التحالف إعادة تموضع قواته في عدن، الأحد الماضي؛ لتكون بقيادة السعودية بدلا من الإمارات، بحسب المصدر.

ويرى مراقبون أن اتفاق الرياض المرتقب والترتيبات الميدانية المصاحبة له ليست سوى "مسكنات" لمنع انفجار التناقض المصلحي الكامن بين السعودية والإمارات فيما يخص مستقبل اليمن.

ويعود هذا التناقض، بحسب المحلل السياسي "عبدالسلام قائد" إلى اختلاف أهداف مشروع الإمارات في اليمن عن السعودية، وتتمثل من الناحية الاقتصادية في السيطرة على الموانئ والسواحل والمياه الإقليمية اليمنية، خاصة ميناء عدن ومضيق باب المندب، ومن الناحية السياسية في إفراغ النظام الجمهوري من مضمونه، وتحويله إلى نظام عائلي هجين بثوب جمهوري، حتى لا تنتقل عدوى النظام الجمهوري والديمقراطية والحرية إلى دول الخليج.

ووفق هذه الأهداف، فإن أبرز وسائل المشروع الإماراتي تتمثل في خلق كيانات عائلية ومناطقية متصارعة وذات انتماءات ما دون وطنية في اليمن، وتغذية النزعة الانفصالية لدى الجنوبيين، بما يؤمن المصالح الاستراتيجية للمشروع على المدى البعيد.

ولذا تدخلت الإمارات علانية لصالح الانفصاليين الجنوبيين، الذين يقاتلون الحكومة المدعومة من السعودية من أجل السيطرة على الشطر الجنوبي من اليمن وشنت غارات جوية على القوات الحكومية التي حاولت استعادة سيطرتها على مدينة عدن الساحلية مقر الحكومة اليمنية المؤقت.

وحاول مقاتلو المجلس الانتقالي توسيع نطاق نفوذهم في الجنوب اليمني، لكن القوات الحكومية صدتهم، ولما حاولت تلك القوات استعادة عدن هاجمتها مقاتلات الإمارات، التي بررت ذلك لاحقا باستهداف "منظمات إرهابية" مزعومة.

وتحدث "عبدالخالق عبدالله"، أستاذ السياسة المستشار السابق لولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد"، صراحة عن انتهاء وجود "اليمن الموحد" فعليا في تغريدة مثيرة للجدل نشرها عبر حسابه الموثق على "تويتر"، واعتبرها مراقبو الشأن اليمني تصريحا غير مباشر لما تقرر في كواليس صناعة القرار الإماراتية. 

 

 

وإزاء ذلك، واجهت الإمارات انتقادات لاذعة من يمنيين في السعودية وحتى من سعوديين، على غرار تصريحات تليفزيونية للأكاديمي السعودي "تركي القبلان"، الذي اعتبر أن سعي الإمارات وراء مصالحها الضيّقة على الجغرافية اليمنية يتناغم مع "المشروع الإيراني" في المنطقة.

وجاء تصريح "القبلان"، في المقابل، بمثابة رد سعودي غير رسمي، وفق تقدير يعتمد على رصد مغادرة القوات الإماراتية عدن بشكل نهائي بعد تنفيذها انسحابات أخرى من مناطق يمنية جنوبية، وتزامنا مع مفاوضات سرية وراء الكواليس بين أبوظبي وطهران، تلت استهداف سفن تجارية قرب إمارة الفجيرة مباشرة.

وفيما يخص الموانئ، اتهم مصدر مسؤول في إدارة المنطقة الحرة بعدن، دولة الإمارات، في 22 أكتوبر/تشرين الأول، بالعمل على تعطيل حركة الملاحة في ميناء المدينة، من خلال إغراقها 3 سفن في ميناء الاصطياد، الذي يمثل المدخل إلى ميناء المنطقة الحرة، وفقا لما نقلته وكالة عدن الإخبارية.

وذكر المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن القوات الإماراتية التي ظلت مسيطرة على ميناء عدن منذ 2015، عملت على عرقلة قطر السفن، التي تعرضت للغرق، من مدخل الميناء، ومنعت أي فرق هندسية من النزول لمعاينة حالتها، كما عرقلت أي تحرك من قبل إدارة المنطقة الحرة لتدارك غرقها.

ومثل غرق هذه السفن كارثة حقيقية على حركة الملاحة في ميناء المنطقة الحرة، حيث إن غرقها سيمنع دخول السفن التجارية، ولا سيما الكبيرة منها إلى الميناء؛ نتيجة المخاوف من ارتطام السفن الداخلة بتلك التي تم إغراقها، وهو الأمر الذي من شأنه تعطيل حركة التجارة، بما يعني استمرار استئثار موانئ دبي بحصة الأسد من تجارة الملاحة البحرية بالمنطقة.

وكانت الأنباء قد ترددت في وقت سابق من هذا العام حول إغراق الإمارات للسفينة "سام اليمن"، المملوكة للمؤسسة الاقتصادية اليمنية، وسط مدخل ميناء عدن، مطلع العام الماضي، بهدف إعاقة دخول السفن الكبيرة إليه وجعله ميناء طاردا.

إضعاف السعودية

وفي السياق، يرى رئيس مركز أبعاد للدراسات والبحوث "عبدالسلام محمد" أن أهداف المشروع الإماراتي تقتضي أيضا إضعاف حزب الإصلاح وضرب القوى الحية للربيع العربي في اليمن، بما فيها الجيش الوطني، وهو ما نفذته قوات أبوظبي بالفعل خلال فترة وجودها الميداني، وتواصل أذرعها الجنوبية تبنيه حاليا، وفقا لما أوردته وكالة "الأناضول".

ليس هذا فقط، بل إن أهداف المشروع الإماراتي في اليمني تقتضي إضعاف السعودية نفسها، باعتبار أن  هذا الإضعاف "يساعد أبوظبي في السيطرة على سوق النفط والغاز بالمنطقة، لتكون الإمارات قوة إقليمية خاصة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب كحليف للولايات المتحدة" حسبما يرى "محمد".

ويعزز من ترجيح هكذا تحليل دروس تاريخية تشير إلى أن اليمن لم يشكل أي خطر على دول الخليج إلا في فترتي ضعفه وانقسامه، وأن الوحدة الوطنية والاستقرار السياسي والأمني في البلاد ينعكس إيجابا على دول الخليج والمحيط العربي.

ففي فترة التشطير، قبل توحيد اليمن في عهد رئيسه السابق "علي عبدالله صالح"، دعم نظام عدن الماركسي جبهة ظفار اليسارية في سلطنة عمان، واندلعت حرب الوديعة بين اليمن الجنوبي والسعودية، وكان نظام عدن يهدد باجتياح دول الخليج وإسقاط ما يسميه "الأنظمة الرجعية المتخلفة" فيها، واستبدالها بأنظمة "تقدمية".

كما اندلعت حربان شطريتان بين شمال اليمن وجنوبه، بالإضافة إلى ما عرف بأحداث المناطق الوسطى في نهاية سبعينات وبداية ثمانينات القرن الماضي، وتدخل كل شطر في شؤون الشطر الآخر، وكان للعلاقة مع دول الخليج تدخل بالصراعات فيما بينهما.

 وفي فترة الضعف، أي في أواخر عهد "صالح"، أقدم الرئيس الليبي الراحل "معمر القذافي" على دعم بعض القبائل اليمنية التي تقطن بالقرب من الحدود السعودية، بغية إيذاء المملكة من حديقتها الخلفية، كما تمكنت إيران من ترسيخ نفوذها من خلال دعم جماعة الحوثيين، الذي أسفر لاحقا عن الإطاحة بسلطة الرئيس اليمني "عبدربه منصور هادي" في صنعاء، وتهديد العمق السعودي بالصواريخ الحوثية المصنعة في إيران.

من هنا قرأ رئيس "أبعاد" وقف الإمارات لعملياتها العسكرية عند الحدود السابقة لدولة الشطر الجنوبي، وتشكيلها مي ليشيات تتبع المجلس الانتقالي الموالي لها، ودعمها لـ"طارق صالح" (نجل شقيق الرئيس اليمني السابق) في الساحل الغربي، للسيطرة على الشريط ما بين ميناء الحديدة وميناء المكلا وحتى امتداد المهرة قرب عمان، لتتمكن أبوظبي من السواحل والجزر والموانئ والمطارات.

وبذلك فإن الإمارات "أفصحت عن أهدافها ودخلت في مواجهة ليس مع اليمن فقط، وإنما أيضًا مع التحالف بقيادة السعودية" بحسب "محمد"، الذي خلص إلى "وجود تنسيق إيراني- إماراتي غير مباشر، في ظل تقارب دبلوماسي وتفاهمات، بعد ضرب إيران لناقلات نفط وتهديدها بشن حرب في الخليج"، مؤكدا أن "أبوظبي لن تتصرف في اليمن إلا وفقا للمصالح الإيرانية بعد خضوعها لطهران".

تراجع إماراتي؟

لكن البنود المسربة لاتفاق الرياض، بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي، تشي بقبول الأخير لسحب قواته من مؤسسات الحكم في عدن وإعادة الوضع هناك إلى سابق عهده.. فهل يعني ذلك تراجعا من جانب الوكيل؟ أو تعليمات صدرت من الأصيل (الإمارات)؟

الإجابة لا تحتاج إلى تحليل، بل فقط إلى رصد ما صدر عن "الانتقالي الجنوبي" من تصريحات يؤكد فيها أن اتفاق الرياض يمثل (خطوة استراتيجية) على طريق التحرير و"الاستقلال"، ما يعني أن قبول مبدأ الشراكة التناصفية في السلطة (كما ينص اتفاق الرياض) لا يعني التخلي عن مشروع الانفصال.

اتفاق الرياض إذن ليس سوى كسب لخطوة كبيرة باتجاه الهيمنة غير المباشر على السلطة اليمنية محليا، عبر صيغة التناصف، وتعزيز لموقف "الانتقالي الجنوبي" أمام المجتمعين الإقليمي والدولي، حسبما صرح أمين عام المجلس "فضل محمد الجعدي".

وأضاف: "ما وصلنا إليه اليوم هو نصر كبير (في إشارة إلى اتفاق الرياض)، جعل صوت الانتقالي مسموعا في الأمم المتحدة والمحافل الدولية"، وفقا لما نقلته وكالة "الأناضول".

وعليه، فإن دمج ميليشيات "الانتقالي الجنوبي" بقوات الحكومة اليمنية سيكون صوريا على الأرجح، وهو ما حذر منه "عدنان هاشم"، الباحث بالشؤون الخليجية والإيرانية بقوله:  "إذا بقيت الميليشيات الإماراتية ضمن هيكلها الإداري وسلم صناعة القرار، فإننا أمام مرحلة سيئة، وتأجيل لحرب ستكون تكلفتها كبيرة للغاية".

وإزاء ذلك، فإن كلا من الأصيل الإماراتي والوكيل الجنوبي يكسبان الوقت والأهداف الاستراتيجية بشكل تدريجي، بينما تبدو السعودية أمام خيارات أحلاها مر، فإما أن تخسر تحالفها مع الإمارات على حساب استقرار اليمن الداخلي، وإما أن تواصل سياسة المسكنات للحفاظ على توازن هش.

الخيار الثاني هو انحياز السعودية حتى الآن، لكن تطورات اليمن تناقض المصالح المستمر بين الرياض وأبوظبي مرشح للوصول إلى نقطة انفجار إن عاجلا أو آجلا، حسبما يرى مراقبون.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

المجلس الانتقالي الجنوبي اتفاق الرياض

توقيع اتفاق الرياض الثلاثاء بحضور الملك سلمان وهادي

هل يحضر بن زايد توقيع اتفاق الرياض.. وكيف سيلتقي هادي؟

بن سلمان يستعد لزيارة الإمارات الأربعاء