ماذا نعرف عن الوحدة العسكرية البريطانية التي تحمي القادة السعوديين؟

الأربعاء 30 أكتوبر 2019 08:39 م

يشمل برنامج بريطاني ظلت تفاصيله لفترة طويلة سراً عن البرلمان والجمهور تدريب السعوديين على شؤون "الأمن الداخلي". وهو برنامج مدفوع من قبل النظام السعودي، بما في ذلك الرواتب وتكاليف المعيشة للجنود البريطانيين. ويعد دور الفريق البريطاني مثيرا للجدل بالنظر إلى النظام السياسي القمعي في المملكة.

ومن المحتمل أيضًا أن تثار الكثير من الأسئلة لأن الجنود البريطانيين مدرجون في فرع من الجيش السعودي متورط في الحرب المدمرة في اليمن.

تقوم البعثة العسكرية البريطانية لدى الحرس الوطني السعودي بتدريب قوة الحماية الفعلية لبيت آل سعود الحاكم.

وتم تأسيس الحرس الوطني السعودي عام 1964، هي قوة مؤلفة من 130 ألف جندي من القبائل الموالية للأسرة الحاكمة، وهو قوة منفصلة عن الجيش السعودي النظامي، ودوره الرئيسي هو الدفاع عن النظام ضد الانقلابات.

وأخبرت الحكومة البريطانية البرلمان في مارس/آذار الماضي أن لدى المملكة المتحدة 10 أفراد عسكريين "مدمجين" في الحرس الوطني. وأخبرتنا وزارة الدفاع أن العدد الآن هو 11 فردًا، ويعتقد أنهم متمركزون في مقر الوحدة بالعاصمة السعودية الرياض.

وأخبرت الحكومة البريطانية البرلمان مرارًا وتكرارًا أن جميع العسكريين البريطانيين في المملكة العربية السعودية "يظلون تحت سيطرة المملكة المتحدة". وقد أخبرنا متحدث باسم وزارة الدفاع أن: "البعثة العسكرية البريطانية يقودها ضابط بريطاني، وهو مسؤول مباشرة أمام وزارة الدفاع في لندن."

ومع ذلك، تشير المعلومات الجديدة إلى أن سلسلة القيادة على الأرض مختلفة.

تحت قيادة السعودية

واعترفت السفارة البريطانية في الرياض في عام 2012 بأن ضباط الجيش البريطاني المشاركين في المهمة "يأخذون أوامرهم مباشرة من صاحب الأمير "متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز"، وزير مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني السعودي". والأمير "متعب"، هو نجل الملك الراحل "عبدالله" وكان يرأس فرقة الحرس الوطني حتى عام 2017.

وأشارت السفارة البريطانية إلى الجنود البريطانيين بأنهم "أعضاء في الحرس الوطني السعودي"، وليس كمستشارين أو مدربين.

وتؤكد وثيقة تأخرى أنه بينما يبقى قائد الوحدة مسؤولًا رسميًا أمام رئيس الأركان في المملكة المتحدة، فإن أعضاء البعثة سوف يطيعوا عادة أوامر رؤساء الحرس الوطني المعينين. ويعني ذلك أنه على الرغم من أن سلسلة القيادة الرسمية قد تنتهي في لندن، فإن هؤلاء الأفراد العسكريين البريطانيين يقدمون تقاريرهم يوميًا لرؤسائهم السعوديين.

وتشير الوثائق البريطانية التي تعود إلى عام 1963 أنه عندما كانت بريطانيا والمملكة العربية السعودية ترتبان برنامج بعثة الحرس الوطني، تبين أن قائد الحرس الوطني آنذاك، الأمير "عبدالله"، الذي أصبح الملك فيما بعد، أراد القيادة والسيطرة على الجنود البريطانيين. 

وحدد ملف بريطاني يحمل علامة "سري" "المبادئ التي تحكم فريق المهمة، وذكر أن "الأمير عبدالله ربما يرحب ببعثة بريطانية كبيرة تكون تحت سلطته العامة"، مما يعطيه "كل المسؤولية بما في ذلك القيادة التنفيذية" .

وتضيف: "يجب أن تقبل حكومة صاحبة الجلالة أنه في حالة إرسال مستشار أو أي فرد مهني يجب ألا يكون هناك أي ضبط أو توجيه وثيق أو مستمر من المملكة المتحدة بشأنهم".

وظلت الاتفاقية التي أسست البعثة البريطانية إلى الحرس في عام 1964 سرية لمدة 55 عامًا، لكننا حصلنا على نسخة مؤخرا. وتشير الاتفاقية إلى حالة واحدة فقط يجب فيها استشارة حكومة المملكة المتحدة حول كيفية نشر الجنود. هذا إذا أرادوا "المشاركة في أي عمليات غير تدريبية نشطة تقوم بها القوات المسلحة السعودية".

وعندما بدأت المهمة العسكرية، كان لأفراد المملكة المتحدة "اتصال يومي" مع الأمير "عبدالله"، وفقًا للسفارة البريطانية في الرياض.

تسلط الملفات الحكومية البريطانية الأخرى في السبعينيات الضوء على تأثير قائد الحرس الوطني على التعيينات في الفريق البريطاني. وتظهر وثيقة تعود إلى عام 1973 أن وزارة الدفاع أرادت أن تستبدل رئيس البعثة العسكرية البريطانية آنذاك ولكنها قررت عدم فعل ذلك لأن الأمير "عبدالله" أراد أن يبقيه بسبب علاقته الشخصية معه.

ويشغل الأمير "خالد بن عبدالعزيز بن محمد بن عياف المقرن"، الذي كان والده أحد مؤسسي الحرس الوطني في الستينيات، منصب رئيس الحرس الوطني منذ عام 2017.

ويعد تدريب الحرس أحد البرامج العسكرية الرئيسية لبريطانيا لدعم المملكة العربية السعودية إلى جانب برنامج سري آخر سدده السعوديون باسم "Sangcom" الذي يوفر معدات الاتصالات العسكرية والتدريب إلى الحرس ويكلف ملياري جنيه إسترليني.

في زيارة رسمية للمملكة العربية السعودية في عام 2013، قام أمير ويلز ودوقة كورنوال بزيارة مقر الحرس في الرياض للاحتفال بالذكرى الخمسين لبرنامج البعثة البريطانية إلى الحرس الوطني السعودي.

ميزانية سوداء

يمكننا أن نكشف كذلك أن برنامج البعثة البريطانية في الحرس يتحمله النظام السعودي بموجب "ميزانية سوداء"، وهو مصطلح يصف التمويل الحكومي للعمليات السرية. ولم تكشف أي من الحكومتين عن تكلفة البرنامج، وقالت وزارة المالية البريطنية إن مستويات التمويل السعودي "سرية بالنسبة للحكومتين".

ولم يتم ذكر البرنامج على موقع حكومة المملكة المتحدة ولم يتم الكشف عن القوات البريطانية المدمجة في المملكة العربية السعودية في أحدث تقرير سنوي لوزارة الدفاع.

ولا يتم إدراج الأفراد المشاركين في المهمة العسكرية في أي موقع حكومي. ومع ذلك، فقد علمنا أن هذه الفرق يقودها عميد يدعمه 9 ملازمين، من بين ضباط آخرين.

ولم تقدم الحكومة أي معلومات تقريبًا إلى البرلمان أو الجمهور بشأن البعثة البريطانية في الحرس السعودي. وفي عام 2016، ورداً على سؤال برلماني نادر، وصف وزير الدفاع البريطاني المهمة بأنها "توفير التوجيه والمشورة للحرس الوطني السعودي".

لاحظت السفارة البريطانية أن هذا التدريب قد تضمن على مر السنين مجالات "المدفعية، المهندسين، المدرعة، المشاة، الإشارة، إضافة إلى المسعفين، واللوجيستيين ومستشاري الحماية".

أحد القادة البريطانيين السابقين في البعثة هو العميد "نيكولاس كوكينج" -الذي قاد البعثة من 1984 إلى 1991- أشار إلى أن فريقه يضم ضباطًا "يعكسون مختلف التخصصات العسكرية من الخدمات اللوجستية إلى المدرعات والمشاة وما إلى ذلك"، وأن البرنامج كان " مسؤولا عن الكثير من التدريبات".

الأمن الداخلي

قد يكون أحد أسباب سرية الدعم البريطاني المثير للجدل هو دور الحرس الوطني في تعزيز "الأمن الداخلي".

يشير ملف بريطاني يعود إلى عام 1973 إلى أن دور الحرس هو "القتال مع الجيش للدفاع عن المملكة والحفاظ على القانون والنظام داخل المملكة". وكتب ملحق الدفاع البريطاني في المملكة العربية السعودية في العام نفسه أن "الحرس" يوفر "تدابير مضادة" في مناطق مثل المنطقة الشرقية الغنية بالنفط والتي هي "عرضة للتخريب والتهديدات من عناصر منشقة أو تخريبية".

وذكرت وثيقة للسفارة البريطانية في عام 2012 أن دور البعثة هو "تقديم المشورة والمساعدة إلى الحرس في جميع مسائل مكافحة الإرهاب والأمن الداخلي".

فيما يقول عضو سابق في البعثة العسكرية البريطانية، وهو ضابط بالجيش خدم في المملكة العربية السعودية بين عامي 2009 و2012 في صفحته على موقع "لينكد إن" إن أحد أدواره كان تقديم المشورة بشأن "مكافحة الشغب" بالإضافة إلى مكافحة الإرهاب. وكتب "بن ريتشاردز"، الذي أصبح لاحقًا ملحقًا دفاعيًا في غانا، أن مهامه في المملكة العربية السعودية تضمنت "مشاركة يومية مع كبار المسؤولين في قضايا التدريب والتطوير والمعدات".

يتجاوز الدعم البريطاني لـ"الأمن الداخلي" السعودي عمل البعثة. ويقول "مستشار أمني خاص" حالي لوزارة الحرس الوطني السعودية إن دوره هو "تقديم التدريب والمشورة في مجال مكافحة الإرهاب والأمن الداخلي". ويضيف أن دوره هو تقديم المشورة للضباط السعوديين "بشأن جميع جوانب القدرات العسكرية، من المشتريات إلى التدريب".

وكان الجزء الأكبر من الحرس الذي تدربه بريطانيا يُعرف في السابق باسم "المجاهدين"، أو المحاربين المقدسين. ويشير ملف للحكومة البريطانية عام 1970 إلى أن "تدريب (البريطانيين) لمدربي المجاهدين (ضباط الصف) قد اكتمل الآن في مراكز التدريب الثلاثة عشر التي تم إنشاؤها لهذا الغرض."

وفي منتصف سبعينيات القرن الماضي، كان ثلثا قوام الحرس يتألف من مقتالين "مسلحين بأسلحة خفيفة، وبعد التدريب الأساسي فقط، يتم توزيعهم في مراكز سكانية في جميع أنحاء البلاد". وكان الثلث المتبقي من الحرس يعرف باسم الفدائيين، الذين تم تنظيمهم في وحدات المشاة مع الأسلحة والمعدات الثقيلة.

مهمة تدريبية

وقد طلب الأمير "عبدالله"، قائد الحرس، من البريطانيين دعم التدريب في أوائل الستينيات خلال فترة كانت العائلة المالكة السعودية تشعر بالقلق من الانقلابات العسكرية، حيث كان هذا هو مصير الأنظمة الأخرى المؤيدة للغرب في المنطقة، ولا سيما مصر في عام 1952 والعراق في عام 1958 واليمن في عام 1962.

وكان أحد أسباب موافقة البريطانيين على الطلب السعودي هو أن "الجيش الأبيض -وهو الاسم الذي كان الحرس يعرف به آنذاك- هو الدعامة الرئيسية للنظام السعودي الحالي، وأي نظام جديد سيكون أسوأ لمصالحنا"، وفقا لملاحظات وزارة الخارجية عام 1963.

وكتب "فرانك برينكلي" القائم بالأعمال البريطاني في المملكة، أن الحرس كان هو من "يحرس العائلة المالكة".

كان الدعم المباشر للملك السعودي أيضا سمة من سمات التدريب البريطاني. في عام 1970، وبناءً على طلب من قائد الحرس أرسل الجيش البريطاني فريقًا تدريبيًا إلى الحرس لإعدادهم لواجبات خاصة فيما يتعلق بالسلامة الشخصية للملك. وفي العام التالي، أرسلت القوات الخاصة البريطانية فريقًا من أربعة أعضاء إلى الحرس من أجل التدريب على "جميع جوانب الحراسة الشخصية".

تقدم الملفات البريطانية رؤى أخرى حول مزايا وجود مهمة عسكرية في المملكة العربية السعودية، أحدها، وفقًا لمسؤول في وزارة الحرب في عام 1963، هو أنه "سيفتح مصدرًا جديدًا ذا قيمة للمخابرات". ويشير ملف آخر إلى "أهمية أن تتمتع حكومة بريطانيا بنقطة مراقبة ونفوذ قريبة جدًا من مركز السلطة في هذا البلد، وبدون تكلفة".

وجادل مسؤول آخر بأن فريق التدريب سيساعد في تعزيز "مبيعات معدات الدفاع".

وجاءت الحجج القليلة التي قُدمت ضد الموافقة على المهمة إبان مرحلة التخطيط جاءت من مسؤول في وزارة الخارجية والذي قال إن هذه المهمة "تؤكد النقد القائل إننا نميل إلى دعم الأنظمة الرجعية فقط".

دور في البحرين واليمن

تظهر آثار التدريب البريطاني للسعوديين على مهام "الأمن الداخلي" في أماكن أخرى من الخليج.

وقد تم نشر أعضاء الحرس في البحرين في مارس/آذار 2011 لدعم النظام البحريني في حملته على الاحتجاجات الشعبية. واعترفت وزارة الدفاع في وقت لاحق قائلة: "من المحتمل أن يكون بعض أعضاء الحرس الوطني السعودي الذين تم نشرهم في البحرين قد تلقوا بعض التدريب المقدم من البعثة العسكرية البريطانية".

وقالت وزارة الدفاع البريطانية إنالأفراد العسكريين البريطانيين المتواجدين في الحرس "لا يشاركون مطلقًا في اليمن".

ومع ذلك؛ فقد اعترف العميد "هيو بلاكمان" الذي كان القائد البريطاني للبعثة من عام 2015 إلى عام 2017، أي خلال أول عامين من حرب اليمن، بأن خدماته المقدمة إلى الحرس تضمنت "تقديم المشورة للحرس الوطني على جميع مستويات القيادة حول مجموعة كاملة من العمليات العسكرية على الحدود الجنوبية للمملكة مع اليمن".

ولا تُعرف بعد طبيعة النصائح البريطانية المقدمة إلى الحرس حول عملياته العسكرية في النزاع اليمني.

من المعروف منذ زمن طويل أن الحرس الوطني ينشط في حرب اليمن على الحدود وربما داخل اليمن. في وقت سابق من هذا العام، على سبيل المثال، أكد العقيد "كيفن لامبرت" من الجيش الأمريكي أن قوات الحرس "تنفذ عمليات قتالية في النزاع اليمني".

وتظهر لقطة من هجوم الحوثي المزعوم على القوات السعودية على الحدود في نهاية سبتمبر/أيلول 2019 صورة سيارة مدرعة خفيفة مقلوبة من النوع الذي يستخدمه الحرس الوطني السعودي.

ولا تكشف الحكومة البريطانية عن هويات أفراد البعثة. ومع ذلك، يعتقد أن القائد الحالي للبعثة هو العميد "تشارلز كالدر" الذي كان حتى وقت قريب مستشارًا للدفاع في المفوضية العليا البريطانية في نيجيريا، حيث يوجد لدى بريطانيا فريق عسكري يقدم المشورة للقوات النيجيرية بشأن عمليات مكافحة التمرد ضد جماعة بوكو حرام.

وشغل سلف "كالدر" العميد "جاكمان"، منصبه في يونيو/حزيران 2015، بعد ثلاثة أشهر من بدء تدخل السعودية في اليمن. وجاء "جاكمان" من السفارة البريطانية في ليبيا، حيث كان قائد فريق التدريب العسكري هناك. وقام "جاكمان" لاحقًا بتخطيط وقيادة عملية إجلاء جميع المواطنين البريطانيين المقيمين من ليبيا.

قبل ذلك، كان "جاكمان" ملازمًا في الحرس الملكي الأسكتلندي حيث في البوسنة وكوسوفو، كما شارك في قيادة مجموعة قتالية مدرعة قوامها 1400 جندي خلال غزو المملكة المتحدة للعراق عام 2003.

المصدر | مات كينارد ومارك كورتيس - ديلي مافريك

  كلمات مفتاحية