العالم العربي بعد خاشقجي.. مزيد من المعارضة كثير من القمع

الأربعاء 30 أكتوبر 2019 10:48 م

مر أكثر من عام على القتل الوحشي للصحفي والناقد السعودي "جمال خاشقجي" في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، وقد تغير الكثير في المشهد العربي منذ ذلك الحين.

وتشكل موجات التغيير المستمرة في هذه المنطقة المضطربة تحديات حالية وتهديدات مستقبلية للصحفيين والناشطين ونقاد الأنظمة العرب.

وتكشف نظرة فاحصة عن المشهد العربي سريع التغير ثلاثة مفارقات متوازية.

أولاً: شجع اغتيال "جمال خاشقجي" في القنصلية السعودية على يد الدولة السعودية أولئك الذين يتحدون الأنظمة العربية الاستبدادية القائمة.

ثانياً: أصبحت أصوات المعارضة أعلى، على الرغم من ارتفاع مستويات القمع التي تمارسها الأنظمة الاستبدادية العربية.

ثالثًا: لم يترجم الوعي المتزايد بسجلات حقوق الإنسان وحرية الصحافة السيئة في هذه المنطقة إلى آليات مساءلة أفضل أو تحسين تدابير حماية منتقدي الأنظمة.

تشجع المعارضين

صدمت الطريقة البشعة والبربرية التي نفذت بها جريمة قتل "خاشقجي" العالم بقسوتها غير المسبوقة وظروفها الغريبة، وأرسلت رسالة مخيفة إلى منتقدي النظم الفعليين والمحتملين، داخل وخارج العالم العربي.

وكانت الرسالة المقصودة هي أن على المعارضين أن يصمتوا أو المخاطرة بمواجهة نفس مصير "خاشقجي".

لكن واقعة القتل جلبت نتائج معاكسة، خاصة بين النقاد المقيمين في المنفى الذي فرضته عليهم الأنظمة العربية المختلفة.

وقد حمل الكثير منهم مهمة فضح انتهاكات الفساد وحقوق الإنسان التي ترتكبها أنظمتم الديكتاتورية.

بعد اغتيال "خاشقجي"، أصبح من الواضح أن العديد من معارضي الأنظمة العربية، وخصوصًا في المنفى باتوا أقل خوفًا، مما أرسل رسالة قوية إلى حكامهم العرب مفادها أن "جمال" قد يكون ميتًا، لكن رسالته عن تشجيع الإصلاح والعدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان ليست كذلك.

أحد الأمثلة الجيدة على ذلك هو ناقد النظام السعودي الشاب الجريء والشجاع، "عمر عبدالعزيز" الذي كثف من هجماته على النظام السعودي، وخاصةً ولي العهد، الأمير "محمد بن سلمان" بعد وفاة صديقه، وطالب بالعدالة والمساءلة.

وفي بعض تغريداته ومنشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي، أخبر "عمر" العالم كيف كانت عائلته تتعرض للتهديد داخل المملكة العربية السعودية والترهيب الذي يواجهه هو وأسرته وأصدقاؤه من النظام.

ومع ذلك، أكد "عمر" أيضًا لأتباعه ومعجبيه أنه لم يكن خائفًا.

بدلاً من ذلك، أكد التزامه بإكمال الرحلة نفسها التي بدأها صديقه "جمال خاشقجي".

وجاءت رسائل جريئة على قدم المساواة من ناشطات سعوديات شابات، تسلحن بوسائل التواصل الاجتماعي واستخدمنها في ساحات النضال ضد النظام السعودي ومعاييره المزدوجة في التعامل مع المرأة، حيث يواصل سجن الناشطات في الوقت الذي يتباهى بمنح حريات أوسع للنساء.

يوضح هذان المثالان مدى قوة الجمع بين نشاط الشباب والتكنولوجيا، وهي ظاهرة يشار إليها غالبًا باسم "النشاط السيبراني" الذي يهدف لرفع مستوى الوعي حول فساد الأنظمة وسوء تصرفاتها.

ينطبق هذا بشكل خاص على حالة المملكة العربية السعودية، البلد الذي يحتل المرتبة الرابعة من حيث عدد المغردين في جميع أنحاء العالم، حيث يشكل الشباب ما يقرب من 60 ٪ من السكان.

زيادة المعارضة والقمع الشديد

ومن المفارقات في هذا الصدد أيضا الزيادة في عدد وحجم الأصوات والأنشطة المعارضة، على الرغم من ارتفاع مستويات القمع من قبل الأنظمة العربية.

وكشفت مبادرة الممثل والمقاول المصري "محمد علي"، البالغ من العمر 45 عامًا، بجرأة عن فساد من هم في السلطة في مصر، بمن في ذلك كبار المسؤولين في المؤسسة العسكرية، بالإضافة إلى الرئيس المصري نفسه، الذي اعترف ببناء العديد من القصور الرئاسية، في حين تضاعف الدين الوطني لبلاده ثلاث مرات خلال فترة حكمه.

وباستخدام منصات التواصل الاجتماعي، تمامًا مثل نظرائه السعوديين، تمكن "علي" من مساعدة المصريين على كسر حاجز الخوف، الذي اعتقد كثيرون أنه غير قابل للكسر.

وأثارت دعوات "علي" للنزول إلى الشوارع من منفاه في إسبانيا احتجاجات في مدن مختلفة في مصر، في سبتمبر/ أيلول 2019، والتي وصفتها وسائل الإعلام الغربية بأنها نادرة وغير مسبوقة خلال الأعوام الأخيرة.

ومع ذلك، فإن النظام المصري لم يفاجأ هذه المرة بعد أن تعلم من دروس ثورة عام 2011.

ولم يقتصر الأمر على اتخاذ إجراءات صارمة ضد المحتجين على الفور، واعتقال أكثر من 3000 شخص، بل جرى البحث في محتويات الهواتف المحمولة للأشخاص في الشوارع لأول مرة، في محاولة لكبح النشاط السياسي باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي.

ومثلما يقوم النشطاء ومعارضو النظام بتحسين خبراتهم وشحذ أدوات المقاومة الخاصة بهم، فإن الأنظمة تتعلم أيضًا وتلحق بالركب بشكل متوازٍ، وهو ما يفسر "هجمات الإنترنت" المستمرة في المنطقة.

وعلى الرغم من هذه التدابير، لا تزال الدعوات للاحتجاجات مستمرة وقد صعد المصريون من سخريتهم وروح الدعابة السياسية في العديد من وسائل التواصل الاجتماعي.

يمكن قول الشيء نفسه عن الدول العربية الأخرى، مثل السودان والجزائر، التي شهدت أيضًا مستويات متفاوتة من الاحتجاج مؤخرًا ضد أنظمتها الاستبدادية، وحيث تم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل فعال، على الرغم من القمع الحكومي.

وبالتالي، فإن تصاعد المعارضة العربية مستمر في تحد لجهود بعض الأنظمة، مثل مصر، التي شهدت أحد أكبر موجات انتفاضات الربيع العربي.

وفي الوقت نفسه، فإن الأنظمة الاستبدادية التي لم تواجه هذه الانتفاضات، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات، تنفذ استراتيجيات جديدة لإسكات المعارضة في كل مكان، وليس فقط داخل حدودها، خوفًا من مثل هذه الانتفاضات.

مزيد من الوعي وقليل من المساءلة

أما النتيجة الثالثة غير المقصودة لمقتل "خاشقجي" فهي زيادة مستوى الوعي حول وحشية الأنظمة العربية وحملاتها على الصحفيين والنقاد والمعارضين، على النحو الموثق في تقارير منظمات مثل "لجنة حماية الصحفيين"، و "فريدوم هاوس"، و"مراسلون بلا حدود".

ومن سخرية القدر، إلى جانب هذا الوعي العام المتزايد، هناك انخفاض في مستوى المساءلة والحماية المتوفرة لأولئك الذين يخاطرون بحياتهم من خلال فضح مخالفات أنظمتهم.

ومع كثرة عدد التقارير التي كشفت عن حقائق مروعة حول انتهاكات الحكومات العربية المختلفة لحقوق الإنسان، بما في ذلك الاعتقالات واسعة النطاق وقتل الصحفيين والمعارضين، لم يتخذ المجتمع الدولي سوى إجراءات ضئيلة لوقف هذا النمط المقلق من القمع.

وعلى الرغم من التقارير الموثوقة الصادرة عن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، والتي تؤكد أن "بن سلمان" أمر بجريمة قتل "خاشقجي"، والتي أكدتها لاحقًا مقررة الأمم المتحدة الخاص "كالامارد"، فشل الرئيس "ترامب" وإدارته في اتخاذ أي إجراء ضده، ووضع المصالح المالية فوق القيم، وقام بإرسال رسالة تقشعر لها الأبدان لنقاد النظم في كل مكان أنه لن يتم إنقاذهم في مواقف مماثلة.

تكشف هذه النظرة العامة إلى المشهد الإعلامي العربي بعد "خاشقجي" عن قوة جهود المعارضة المستمرة في مواجهة التدابير القمعية التي تتبعها الأنظمة العربية والصمت الدولي بشأن هذه التدابير.

ولكن من الآمن التنبؤ بأنه نظرًا لأن الشباب يشكلون أكثر من نصف سكان العالم العربي، وأن الأجيال الشابة هي دائمًا من تقود التغيير، فإن مسيرة التحول في المنطقة سوف تستمر بغض النظر عن تصاعد القمع، أو ربما بسببه.

ونظرًا لأن هذه الأنظمة تتخذ إجراءات صارمة ضد خصومها، فستكون أهدافهم أكثر جرأة، وسيتم تضخيم أصواتهم. بمعنى آخر، من المرجح أن يؤدي قمع الأنظمة إلى ردود فعل أكبر من معارضيها.

ويبقى إرث "جمال خاشقجي" الحي دليلا يلمسه الجميع على ذلك.

المصدر | إنسايد أرابيا

  كلمات مفتاحية

جمال خاشقجي مقتل جمال خاشقجي الربيع العربي