مصر: طبعة غير منقحة من «الرئيس المؤمن»؟

الأحد 10 نوفمبر 2019 09:22 ص

مصر: طبعة غير منقحة من «الرئيس المؤمن»؟

السيسي «لا يكذب» فالكذب حرام، لكنه يأذن لقواته الأمنية والعسكرية باعتقال وتعذيب وترهيب وتعنيف المعارضين السياسيين ونشطاء المجتمع المدني وأي من يوجه انتقادا محدودا لنظامه.

وهو قادر على ترتيب انتخابات منزوع عنها مناخ الحرية والنزاهة وعلى انتهاكات صارخة ومحاكمة آلاف المدنيين أمام محاكم عسكرية وعقاب الجماعي لأهل سيناء وإخفاء قسري لمئات الأشخاص.

*     *     *

يمكن لأي مراقب لأحوال مصر مع رئيسها عبد الفتاح السيسي تجميع موسوعة مخزية من أقاويل النفاق التي تسيء لقائلها ولا تفيد، حقيقة، غير في تكريس فكرة الدكتاتور الشموليّ الذي يوزع المغانم والمناصب من جهة، ويصبح النفاق له جسرا لهذه المغانم، أو يوجه جنوده وشرطته وعسسه لاستهداف الناس، فيصير استعطافه وطلب الرحمة منه حماية من صنوف الظلم.

في ملحمة النفاق التي لا تنتهي هذه سمعنا مفتي الديار المصرية السابق علي جمعة يشبه يوم انقلاب السيسي على الرئيس الراحل محمد مرسي بـ«ميلاد النبي محمد وفتح مكة»، وقرأنا زعيم «الحركة السلفية» ياسر برهامي يقول: إذا ضاع السيسي ضاع الإسلام.

وتواضع الشيخان خالد الجندي ومظهر شاهين فقالا إن الرئيس يقتدي بالنبي محمد، وسمعنا الأنبا بولا أسقف طنطا يقول إنه «رأى المسيح»، بل إن بعض الأشخاص تغزّلوا بملامح السيسي وشجاعته، فنشرت غادة الشريف على موقع حملة السيسي الانتخابية مقالة بعنوان «بس انت تغمز يا سيسي»، ويقول «شاعر» له: «نساؤنا حبلى بنجمك»!

لا يكتفي الرئيس المصري بمديح هؤلاء فيقوم هو أيضا بمديح نفسه، وإذا كانت أوصافه لنفسه أقل مبالغة بكثير من أوصاف المادحين لكنّها تقترب منها حثيثا، ومن ذلك ما قاله قبل أيام خلال كلمة ألقاها بمناسبة الاحتفال بالمولد النبوي، بأنه حاول «إقناع» الرئيس المؤقت السابق عدلي منصور بالترشح في انتخابات الرئاسة عام 2014 وأن يبقى وزيرا للدفاع.

وهو قول يفهم منه التواضع والزهد في المنصب طبعا وتكذبه وقائع التهشيم التي تعرّض لها كل شخص عسكريّ أو مدني حاول الترشّح، أو التفكير في الترشح، في مواجهته، مثل عبد المنعم عبد الفتوح، الذي لا يزال في السجن، والفريق أحمد شفيق الذي وضع تحت الإقامة الجبرية، ورئيس الأركان السابق سامي عنان، الذي ما زال في السجن.

وبما أن منصب الرئاسة «تحد كبير سواء في الدنيا أو في الآخرة»، فقد قبل السيسي المهمة مضطرا ليس حبا في نفسه أو تعلقا بالمنصب فالحكاية، كما يقول «ليست حكاية رئيس أو نظام»، فقد استلم الرجل المسؤولية الدنيوية لـ«الدفاع عن مصر وحمايتها»!

وقبل المهمة الأخروية «لمواجهة الشر أهله»، ولأنه يعلم أن السياسة تحتاج الكذب وهو «شخص لا يكذب» فلأنه كما وصفه الشيوخ والأساقفة الكبار مثل «النبي قاد ولم يكذب»!

الرئيس المصريّ «لا يكذب» فالكذب حرام، ولكنه لا يمانع في إعطاء قواته الأمنية والعسكرية الإذن باعتقال وتعذيب وترهيب وتعنيف المعارضين السياسيين ونشطاء المجتمع المدني وأي من يوجه انتقادا محدودا لنظامه، وهو قادر على ترتيب انتخابات منزوع عنها مناخ الحرية والنزاهة، وتبرير عمليات الانتهاكات الصارخة، ومحاكمة آلاف المدنيين أمام محاكم عسكرية، والعقاب الجماعي للسكان في سيناء، والإخفاء القسري لمئات الأشخاص.

وبما أن السيسي تجرأ على مقارنته بالنبي الكريم (ص)، فمن المفيد التذكير بحادثة قام فيها بعض المسلمين بالمبالغة في الثناء عليه فقال لهم: «يا أيها الناس عليكم بتقواكم، ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد بن عبد الله، عبد الله ورسوله، والله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل».

كما نذكّر المداحين حول الرئيس المصري بحادثة المقداد، أحد صحابة الرسول، حين رأى رجلا يمدح عثمان بن عفان (رض) فرماه في وجهه الحصباء قائلا إن رسول الله قال: «إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب».

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية