باحث اقتصادي: الحزام والطريق يشعل حرب موانئ في الخليج

الأربعاء 13 نوفمبر 2019 09:04 م

ما هو تأثير مشروع الحزام والطريق الصيني على دول الخليج من الناحية الجيواستراتيجية؟.. سؤال طرح إجابته الباحث الاقتصادي "سلطان مساعد الجزاف"، مشيرا إلى ملامح نوع جديد من الصراعات تطفو على السطح بين دول الخليج منذ عام 2013.

وأوضح "الجزاف"، في تقرير نشرته صحيفة "القبس" (محلية)، الثلاثاء، أن مشروع "الحزام والطريق" أشعل صراع الهيمنة على الملاحة البحرية التجارية، إلى حد مؤشرات لنشوب "حرب موانئ"، تشمل ما يقارب 43 ميناءا تجاريا وصناعيا وثانويا في 9 دول هي: الكويت والسعودية والبحرين وقطر وعمان والإمارات وإيران والهند وباكستان.

ويُقدر حجم الاستثمارات في هذه الموانئ بين 100 مليار و150 مليار دولار حتى 2029، وهو مبلغ كفيل بأن يرسم شكل وحجم التنافس المستقبلي للملاحة البحرية في الخليج، فضلاً عن أن جميع الموانئ قريبة بعضها من بعض، ما يجعل المنافسة بينها أكثر شراسة.

وعلى أثر ذلك، يشير "الجزاف" إلى تشكل تحالفات دولية بين قوى المنطقة على 3 محاور، الأول يضم الصين  وباكستان وقطر، والثاني: الهند وإيران والإمارات، والثالث: الهند وإيران.

وأضاف أن الولايات المتحدة الأمريكية تدعم المحور الهندي – الإيراني، فيما تدعم روسيا محور الصين وباكستان وقطر.

  • الإمارات وإيران

وحول تأثر موانئ الإمارات بتطورات المحاور الجديد، يذكر الباحث الاقتصادي أن تلك الموانئ سيطرت على الملاحة البحرية والتجارية لمدة 3 عقود دون منافسة أو مزاحمة أي دول قريبة.

وأشار إلى أن الإمارات تستحوذ على 60% من التجارة وإعادة التصدير في الخليج العربي وأفريقيا والشرق الأوسط، وهي موطن لأكثر من 6400 شركة عالمية من 120 دولة، في 2019.

ويضيف: "ما إن أطلقت الصين مبادرتها وبدأت بالخطوات العملية في سبيل تحقيق مشروع الحزام والطريق، حتى قامت الهند وإيران باتخاذ خطوات استباقية تجاه المشروع، وانضمت إليها لاحقا الإمارات، إذ لدى كل من هذه الدول مخاوف كثيرة من المحور الصيني الباكستاني، الذي قد تعرض موانئها للخطر".

الإمارات قد تكون الخاسر الأكبر من المشروع، بحسب "الجزاف"، ويتزايد قلقها من أن تفقد موقعها الملاحي التجاري كنقطة ترانزيت، أما الهند فيكمن تخوفها في سببين، هما: تهديد مباشر لموانئها وفقدان بعض أسواقها التجارية بالمنطقة، ومرور مشروع الحزام والطريق بمنطقة كشمير المتنازع عليها مع باكستان.

أما بالنسبة لإيران فإن المشروع الصيني يهدد تجارتها مع أفغانستان، التي تعتمد اعتمادا كليا على موانئها في وارداتها وصادراتها، لكنها تطمح، في الوقت نفسه، لأن تستفيد من المشروع لتفك عزلتها الاقتصادية.

  • المستفيد الأكبر

ويمثل "الحزام والطريق" أكبر فرصة استفادة لباكستان، حيث تصل شراكة ميناء جوادر الباكستاني مع الصين لمدة 45 سنة، وتقدر تكاليفه بــ 45 مليار دولار، وسيربط ما بين باكستان وإقليم شينجيانغ، وهو أحد أهم الأقاليم الصناعية في شمال غرب الصين، ومن خلاله تكون الصين قد أمنت طريقا آخر لضمان وصول بضائعها إلى جميع أنحاء العالم دون أي معوقات.

وتقع منطقة جوادر في إقليم بالوشيستان، وهو إقليم ناء جدا وسوف يكون بالمستقبل القريب أهم مركز ملاحي وتجاري بالمنطقة والعالم ليضيف قيمة كبيرة للاقتصاد الباكستاني، تشمل استثمارات أجنبية كبيرة تقدر بالمليارات.

  • دقم وحمد

ويعد ميناء دقم العماني من أهم مناطق الاستفادة من المشروع الصيني، ويحتل موقعاً استراتيجياً يطل على بحر العرب والمحيط الهندي، وله ميزة جيوسياسية تجعل منه أهم وأكبر ميناء بمنطقة الشرق الأوسط في المستقبل القريب.

وضخت الحكومة العمانية استثمارات في الميناء تقدر بـ1.7 مليار ريال (ما يعادل 4.4 مليارات دولار)، وتطمح من وراء خطة تطويره لأن تصبح مركزاً متكاملاً للخدمات اللوجستية، وأن تكون موانئها البحرية ضمن الدول العشر الأوائل في الأداء اللوجستي على المستوى الدولي بحلول عام 2040م وأن يصبح قطاع النقل والاتصالات ثاني مصدر لدخلها القومي.

ووفق التصنيف ذاته، يأتي ميناء حمد القطري، بحسب "الجزاف"، وهو أحدث ميناء بالخليج العربي، وافتتح رسميا في ديسمبر/كانون الأول 2016 كمرحلة أولى بتكلفة 7.4 مليارات دولار، وخصصت له ميزانية 140 مليار دولار لبناء بنية تحتية متكاملة ما بين شبكات الطرق البرية والبحرية والجوية والسكك الحديدية على أن يصبح مركزًا لوجستيًا إقليميًا في المنطقة.

ويتمتع الميناء بأحدث الأنظمة والتكنولوجيا، الأمر الذي عزز قدرته التنافسية بالمنطقة وتصل طاقته إلى 6 ملايين حاوية نمطية بالسنة.، كما يستقبل جميع أنواع السفن والبواخر بمختلف أحجامها وأوزانها، ومساحته تمتد الى 26 كيلومترمربع.

ولقطر موانئ أخرى مثل ميناء الدوحة، الذي يتسع لمليون حاوية سنويا، بالإضافة إلى موانئ: رأس لفان، ومسيعيد، ومصب حالول، والرويس، التي تديرها شركة الموانئ القطرية.

وبذلك يكون ميناء "حمد" المنافس الأقوى والأهم بعد موانئ عمان للموانئ للإماراتية التي تسعى دائما للحفاظ على هيمنتها على الملاحة في المنطقة، ومع التوسع القوي والسريع لميناء "حمد" وانضمامه إلى التحالف الصيني الباكستاني باتت المنافسة بين دبي والدوحة على أشدها، ما يمثل تحديا قويا للاقتصاد الإماراتي.

  • تحدي إيران

أما إيران، فيعد  ميناء تشابهار، الواقع في ولاية بلوشستان (جنوب شرق)، والقريب من بحر عمان والخليج والمحيط الهندي فرصة المنافسة التي تعول عليها طهران.

ويبعد "تشابهار" 72 كيلو عن ميناء جوادر الباكستاني، ويحمل أهمية كبرى باعتبارها ممرا ما بين إيران وأفغانستان وصولا لآسيا الوسطى والشرق الأوسط وروسيا لتبادل البضائع والسلع.

فأفغانستان تعتمد كليا على ميناء تشابهار بصادراتها ووارداتها من الحبوب والأرز والسلع التي تأتي من الهند، وذلك بسبب عدم وجود منفذ بحري لها فهو الأقرب والأقل تكلفة بالنسبة لها.

  • الكويت والسعودية

ويأتي ميناء "مبارك الكبير" بالكويت ليمثل أملها في المنافسة بحر الموانئ المرتقبة، وهو ميناء قيد الإنشاء وفي مراحله النهائية، يقع في شرق جزيرة بوبيان الواقعة شمالي الكويت، وتكلفة بناءه تقدر بـ3.5 مليارات دولار، وكان من المفترض ان تبدأ المرحلة الأولى التشغيلية في عام 2015 ولكن لظروف سياسية وفنية تأخر عن موعده، ومن المتوقع أن يبدأ العمل التشغيلي فيه خلال العام المقبل.

وحسب المخطط المستقبلي للميناء ومراحله الثلاثة، سيصل عدد الأرصفة إلى ستين رصيفا ليكون واحداً من أكبر الموانئ في الخليج العربي، وسيرتبط بسكة القطار الخليجي المقرر إقامتها في 2023 وهناك حديث وخطط لمد السكة إلى العراق وإيران.

وتهدف حكومة الكويت من إنشاء الميناء إلى أن تكون مركزاً تجارياً وزيادة التبادل التجاري مع دول الجوار، خاصة إيران والعراق واستعادة دورها كنقطة ترانزيت، إضافة إلى تحديث موانئها القديمة، مثل ميناء الشويخ وميناء الشعيبة، وتطوير المنافذ البرية والجوية من خلال مشروع المطار الجديد.

أما السعودية فلديها 3 موانئ تجارية تطل على الخليج، وهي: ميناء "الملك عبدالعزيز" في الدمام، وميناء "الجبيل" التجاري، وميناء "رأس الخير" الصناعي، لكنها  ظلت لسنوات طويلة بعيدة عن المنافسة، وأداؤها لم يكن يتناسب مع حجم سوقها المحلية التي تعتبر من أكبر أسواق المنطقة مقارنة مع أسواق دول الجوار.

وبحسب "الجزاف" فإن غياب السعودية عن المنافسة يعود لعدم تركيزها على هذا قطاع الموانئ، وعدم اكتمال بنيتها التحتية نسبيا، وطول إجراءات التفتيش الجمركي لديها، إضافة إلى عدم وجود مناطق لوجيستية قريبة من الموانئ مرتبطة بخطوط مواصلات وطرق، ما جعل الطلب ضعيفا على موانئ السعودية، حيث تفضل غالبية الشركات ميناء جبل علي بسبب الكفاءة العالية والتقنية المتطوره وتوفر كل الخدمات.

ومنذ عام 2017 تتبنى المؤسسة العامة للموانئ السعودية خطة استراتيجية شاملة تتناغم مع أهداف «رؤية المملكة 2030» وبرنامج التحول الوطني 2020 في قطاع الموانئ، وعلى أثرها، أعلنت عن تطوير وتنفيذ 33 مشروعا في مختلف موانئ المملكة بقيمة إجمالية 2.7 مليار ريال يعادل 750 مليون دولار.

  • استعداد عراقي

وفي الإطار ذاته، يخطط العراق كذلك لبناء أكبر ميناء بالخليج (الفاو) مرتبط بمنطقة حرة وسكة حديد وبنية تحتية من كهرباء ومنطقة حاويات ومباني خدمات؛ للاستفادة من موقعه الجغرافي القريب من ايران وسوريا وتركيا.

ويقع "الفاو" في جنوب محافظة البصرة عند مصب شط العرب في الخليج العربي على مساحة 54 كيلو مترا مربعا، وقامت الحكومة العراقية بوضع حجر الأساس في أبريل 2010 للمرحلة الأولى وفعلا بدأ العمل فيه من خلال شركات كورية وأجنبية أخرى ببناء كواسر الأمواج، لكنه واجه العديد من المعوقات بسبب الأوضاع السياسية الداخلية والاقتصادية التي مر بها العراق، فتعذر الاستمرار به وتوقف العمل به خلال فترات متقطعة منذ وضع حجر الأساس.

وفي أبريل/نيسان 2019 أعلنت وزارة النقل العراقية أن عملية إكمال الميناء بالشكل النهائي تحتاج إلى 3 مليارات دولار، وفي حال تم توفير الميزانية للمشروع فمن المتوقع أن يتم الانتهاء منه بناء المرحلة الأولى بحلول 2022.

وستكون لهذا الميناء أهمية كبرى للاقتصاد العراقي، ومن المتوقع أن يحقق إيرادات مالية كبيرة.

 

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

مبادرة الحزام والطريق

الصين مولت الحزام والطريق في الشرق الأوسط بـ71 مليار دولار

كيف تؤثر "الحزام والطريق" الصينية في سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط؟