إيران: حرائق البنزين والسياسة!

الاثنين 18 نوفمبر 2019 11:53 ص

إيران: حرائق البنزين والسياسة!

لجوء سلطات إيران لقمع كل احتجاج قد ينجح أحيانا لكن ليس كل مرة وقد تنقلب الاحتجاجات لثورة أخرى لا يعلم أحد مآلها.

العنف ضد الاحتجاجات المطلبية أكسبها طابعا سياسيا فهتف متظاهرون ضد خامنئي وأحرقوا صور وتماثيل الخميني.

رفعت التظاهرات شعارات ضد الحرس الثوري وهتافات ضد «الدكتاتورية»، وتعرضت مقارّ أمنية ورسمية للتخريب.

وصف خامنئي المتظاهرين بـ«قطاع طرق» مدفوعين من «أعداء أجانب» واعتبر تظاهرات العراق ولبنان شغبا «تقف وراءه أمريكا وإسرائيل»!

*     *     *

كان لافتا للنظر قيام علي خامنئي، المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية، بإعلان دعمه لقرار الحكومة رفع أسعار البنزين في الأسواق المحلية بنسبة 300% لمن يتجاوز حصة شهرية تدعمها الدولة.

في حين كان البرلمان الإيراني يحاسب الرئيس حسن روحاني حول القرار نفسه الذي أدى لاندلاع الاحتجاجات في عشرات المدن وخلّف ما قدّرته المعارضة بـ36 قتيلا من المتظاهرين خلال يومي الجمعة والسبت فقط واعتقال أكثر من 1000 من المحتجين، وكذلك قطع الانترنت بشكل شبه كامل، وقطع الكهرباء في بعض المدن.

وفي الوقت الذي كان حسام الدين آشنا، مستشار الرئيس الإيراني يقول إن بلاده ليست العراق أو لبنان كان خامنئي يصف المتظاهرين بـ«قطاع الطرق» المدفوعين للعنف «من قبل أعداء الثورة» ومن «الأعداء الأجانب لإيران»، وهو تصريح مشابه لما قاله خامنئي حول تظاهرات العراق ولبنان، التي اعتبرها شغبا «تقف وراءه أمريكا وإسرائيل».

إضافة إلى المدن الإيرانية الأساسية كطهران وأصفهان وشيراز وكرج وكرمان وخرم أباد وقم كانت الاحتجاجات مندلعة في الأحواز، التي تسكنها أغلبية شيعية عربية، كما امتدت إلى مناطق كردستان الإيرانية ومركزها سنندغ، وأذربيجان الشرقية وعاصمتها تبريز.

كما امتدت إلى محافظتي قزوين وسمنان، وسيرجان (حيث حاول المتظاهرون إحراق مخزن للنفط)، وقام المتظاهرون بقطع الشوارع وملء بعض الساحات الرئيسية بالسيارات، وقد أظهرت خرائط «غوغل» توقفا كاملا لحركة السير في العاصمة طهران.

أدّى الرد العنيف ضد الاحتجاجات المطلبية إلى أخذها طابعا سياسيا متوقعا حيث هتف متظاهرون ضد خامنئي وأحرقوا صورا وتماثيل للإمام الخميني، كما رفعت شعارات ضد الحرس الثوري الإيراني وهتافات ضد «الدكتاتورية»، وتعرضت مقارّ أمنية ورسمية إلى التخريب.

وبغض النظر عن المفارقات العديدة التي حفلت بها تصريحات المسؤولين الإيرانيين، فإن التناقض الأكبر يتمثّل في إدراك السلطات الإيرانية الأثر الهائل لهذا القرار على الفقراء، بدليل صدور تصريحات تطمئن الجمهور بأن السلطات ستقوم بتوزيع عوائد ارتفاع السعر على 18 مليون عائلة فقيرة.

غير أن هذا الإقرار بالعبء الكبير الملقى على الشعب لم يقابل بالتجاهل والرفض فحسب بل بتخوين مئات الآلاف الذين خرجوا إلى الشوارع للاحتجاج واعتبارهم من «أعداء الثورة»، وإذا أضفنا إلى ذلك العنف الشديد التي ووجهت به الاحتجاجات، فإن الحاصل المتوقع هو أن ترفع الجماهير الإيرانية سقف المواجهة أيضاً.

من العجيب حقا أن يتناسى حكام إيران الحاليون أنهم لم يرثوا السلطة كالملوك بل جاؤوا نتيجة ثورة شعبية عارمة قبل 40 عاما، وأن الآلاف الذين ضحوا بحيواتهم، وعشرات الألوف الذين اعتقلوا وعذبوا لتأمين انتصار تلك الثورة، كانوا يحلمون بدولة تحفظ كراماتهم، وتؤمن لهم العدالة والتنمية وتوقف القمع والبطش والتعذيب والفساد.

حسب رئيس مكتب الرئاسة الإيرانية، محمود واعظي، فإن قرار رفع أسعار الوقود لم تتخذه الحكومة وحدها، بل اشتركت على إقراره السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية.

وإذا كان هذا لا يتناقض مع دعوة 60 نائبا في البرلمان لمساءلة الرئيس روحاني، فإنه يظهر، وخاصة بعد تصريحات خامنئي العنيفة، تباينًا في أوساط المسؤولين الذين سمعنا سابقا بعضهم يحذر من حصول هذه الاحتجاجات ويطالب بضبط عمليات الفساد ومعالجة البؤس والفقر المتزايدين.

لقد أكدت السلطات في إيران، في كل مرة تظهر فيها احتجاجات، على لجوئها إلى القمع، وهو أمر قد يكون ناجعا مرات لكنه بالتأكيد لن ينجح في كل مرة، وقد تنقلب الاحتجاجات إلى ثورة أخرى لا أحد يعلم اين ستقف.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

موسكو ترجح وجود قوى خارجية وراء تدهور الأوضاع في إيران