اكتتاب هزيل لأرامكو.. وآفاق قاتمة للتنويع الاقتصادي في المملكة

الأربعاء 20 نوفمبر 2019 10:03 م

خلال عطلة نهاية الأسبوع، أعلنت المملكة العربية السعودية أخيرا عن شروط إدراج واحدة من أكثر الشركات ربحية في العالم، وهي شركة النفط السعودية العملاقة "أرامكو"، في سوق الأسهم المحلية. لكن التقييم والحجم النهائيين لإدراج "أرامكو" سيكونان أقل مما كان يأمله ولي العهد "محمد بن سلمان" منذ فترة طويلة. وفي يومي الأحد والإثنين، ألغى المسؤولون السعوديون "العروض الترويجية"، وهي اجتماعات كان يتم الإعداد لها مع المستثمرين المحتملين، في آسيا وأوروبا والولايات المتحدة. وفي النهاية، ستكون عملية البيع القادمة لجوهرة تاج المملكة شأنا محليا، حيث سيتم بيع الأسهم حصريا تقريبا للمواطنين السعوديين وصناديق الاستثمار في المملكة والشرق الأوسط، مع قبول بعض الاستثمارات من دول مثل روسيا والصين.

ويشير ذلك إلى مستقبل صعب لخطط "محمد بن سلمان" الطموحة لإبعاد الاقتصاد السعودي عن النفط، وهي أساس "رؤية 2030" التي أعلن عنها عام 2016، مع إحجام المستثمرين الأجانب عن ضخ في المملكة.

ماذا حدث للاكتتاب؟

حسنا، عندما طرح "بن سلمان" فكرة إدراج "أرامكو" للمرة الأولى عام 2016، لامست تطلعات المسؤولين السعوديين وبعض المصرفيين الاستثماريين النجوم، وتحدثوا عن التقييمات المحتملة لشركة النفط العملاقة بأرقام بلغت في أقصاها نحو 10 تريليونات دولار. وعلى مر السنين منذ ذلك الحين، تحدث ولي العهد أيضا عن إمكانية إدراج جزء لا بأس به من أسهم الشركة يبلغ نحو 5%، والذي كان من شأنه أن يجمع نحو 100 مليار دولار لخزائن السعودية، بهدف توفير الأموال لتمويل خطط التنويع الاقتصادي الطموحة لولي العهد.

ولكن في النهاية، سيكون الإدراج بنسبة أصغر وسيكوت تقييم الشركة أقل مما أراد "بن سلمان". ويوم الأحد، أعلن المسؤولون السعوديون الشروط النهائية للإدراج، الذي يبدأ في 11 ديسمبر/كانون الأول؛ حيث سيتم بيع 1.5% من أسهم الشركة في نطاق يتراوح بين 30 و32 ريال سعودي، (بين 8 دولارات و8.52 دولارا) للسهم الواحد. ويعني هذا تقييما للشركة يتراوح بين 1.6 تريليونات دولار إلى 1.7 تريليونات دولار. ولا يزال من المحتمل أن تكون الشركة بذلك هي الأكثر قيمة في العالم، لكنه رقم متواضع أمام ما توقعه ولي العهد.

وجدير بالذكر أن الهدف الأساسي من الإدراج، بالإضافة إلى جمع الأموال، كان تحفيز الاستثمارات الدولية لتمويل "رؤية 2030" السعودية.

وتوجد العديد من الأسباب التي جعلت المستثمرين الدوليين الكبار يتوخون الحذر من اقتناص الأسهم في "أرامكو"، علاوة على التخوفات بِشأن سمعة ممارسة الأعمال التجارية في المملكة بعد القتل المروع للصحفي بـ"واشنطن بوست"، "جمال خاشقجي" في أكتوبر/تشرين الأول 2018.

أولا وقبل كل شيء، هناك التقييم نفسه. لقد أراد المستثمرون من المؤسسات الكبرى أن ييتم تقييم الشركة بين 1.2 تريليون دولار و1.5 تريليون دولار، وليس القيمة الأعلى التي تم الإعلان عنها مؤخرا، وذلك لأن المستثمرين يرغبون في شراء الأسهم بسعر مغر يمنحهم فرصة لتحقيق مكاسب أكبر. بالإضافة إلى ذلك، يضع التقييم المنخفض للسهم "أرامكو" في أفضلية كبيرة أمام أقرانها مثل "إكسون موبيل".

ولكن في ظل تباطؤ توقعات الاقتصاد العالمي، وركود أسعار النفط، وخاصة مع الحرب التجارية الأمريكية الصينية، التي تؤثر على آفاق النمو العالمي، لم يكن كثير من المستثمرين على يقين من أن شراء أسهم في "أرامكو" بسعر مرتفع قد يحقق الأرباح المرجوة.

وقالت "أمريتا سين"، الشريك المؤسس لـ"إنيرجي أسبكتس"، وهي شركة استشارية: "كانت هناك رغبة محدودة للغاية لدى المستثمرين الدوليين".

هل كان السعر وحده هو مشكلة الاكتتاب؟

الجواب هو: ليس تماما. توجد مجموعة من المخاطر الأخرى في الاستثمار في قطاع النفط بشكل عام، وأرامكو على وجه الخصوص، هي التي أثرت على معنويات المستثمرين. وتنشر جميع الشركات التي تستعد للاكتتاب العام نشرة تشرح عمليات الشركة وأموالها والمخاطر المحتملة التي تواجهها. وفي كثير من الأحيان، تعد تلك النشرة شكلية. أما في حالة أرامكو، كانت المخاطر التي حددتها متعددة وحقيقية للغاية.

ولا تتخذ أرامكو بالفعل قرارات بشأن مقدار ضخ النفط أو مقدار الاستثمار في تطوير حقول جديدة، لكن الحكومة السعودية هي من تفعل ذلك. كما أنها مطالبة بالاحتفاظ بالكثير من الطاقة الإنتاجية الاحتياطية، وهو ما يكلف مالا، ولكنه يعطي المملكة نفوذا جيوسياسيا. ويعني هذا أن الشركة قد تتخذ قرارات جيدة لصالح المملكة ولكن ليست بالضرورة جيدة للمساهمين.

وليس هذا كل شيء. فلا يزال الصراع بين السعودية وإيران ساخنا. وفي سبتمبر/أيلول، تسببت الصواريخ والطائرات بدون طيار في إغلاق أكبر المنشآت النفطية في المملكة لفترة وجيزة. ويعتقد العديد من خبراء الأمن أن إيران، وليس المتمردين الحوثيين في اليمن، هي التي نفذت الهجوم. وتعرضت عدة ناقلات نفط سعودية للهجوم في البحر، مع إجماع دولي أيضا يشير بإصبع الاتهام إلى إيران. وسلطت أرامكو نفسها الضوء على ضعف أنظمة تكنولوجيا المعلومات لديها أمام الهجمات الإلكترونية التي أطلقتها إيران في الماضي.

وبشكل عام، يمكن لشركات النفط أن تكون غير جذابة هذه الأيام. فهناك مخاطر التقاضي حول دور شركات النفط في تغير المناخ، وهو السبب الذي وجدت شركة "إكسون موبيل" نفسها أمام المحكمة في نيويورك بسببه. وقد تواجه "أرامكو" مخاطر التقاضي الفريدة الخاصة بها في المستقبل أيضا، نظرا لأن الكونجرس الأمريكي قد يتبنى تشريها يستهدف أرامكو كجزء من تحدي مكافحة الاحتكار في منظمة "أوبك"، كارتل النفط الدولي الذي يحدد مستويات الإنتاج.

ولا تزال هناك مخاوف أخرى، مثل الطلب المستقبلي على المنتجات النفطية التي تمثل أساس أعمال أرامكو. وفي حين تتوقع الشركة طلبا عالميا جيدا على النفط خلال العقد المقبل على الأقل، فإن هذا ليس بالأمر المؤكد، بالنظر إلى التركيز المتزايد على مكافحة تغير المناخ والاعتماد المتسارع على السيارات الكهربائية.

ماذا يعني ذلك بالنسبة لخطط التحول الاقتصادي السعودية؟

حسنا، لا تبدو الأمور مشجعة. وتأمل المملكة في الاستفادة من عوائد الاكتتاب لبدء مشاريع اقتصادية جديدة في مجالات مثل السياحة. وبينما لا يزال من الممكن أن يحقق الإدراج نحو 25 مليار دولار، إلا أن هذا بعيد كل البعد عما كان يأمله "بن سلمان"، وأقل بكثير مما انتزعه من السعوديين الأثرياء في حملته المزعومة لمكافحة الفساد بين عامي 2017 و2019، التي جمع فيها ما يزيد عن 100 مليار دولار.

ولجعل رؤية السعودية لعام 2030 حقيقة واقعة، يحتاج ولي العهد إلى إقناع المستثمرين الدوليين، وليس السعوديين فقط، بوضع المال في المملكة. لكن الاستثمار الأجنبي في المملكة لا يزال لم ينتعش إلى المستويات التي كان عليها قبل بضعة أعوام، ولا يقترب أبدا من الحجم المطلوب لتحويل اقتصاد أحادي البعد يحركه النفط إلى اقتصاد حقيقي متنوع. وتبرز قلة شهية المستثمرين لأرامكو، وهي شركة مربحة بشكل لا يصدق، انعدام الاهتمام على نطاق واسع بصرف الأموال في المملكة العربية السعودية.

وفي غضون ذلك، لا تزال السعودية بحاجة إلى النقد. وظلت أسعار النفط، التي كانت تقترب من نحو 100 دولار للبرميل أو أعلى من عام 2011 إلى عام 2014، عالقة عند 40 إلى 70 دولارا للبرميل منذ ذلك الحين. ويمثل ذلك ضربة كبيرة للميزانية السعودية المعتمدة على النفط، والتي لديها الكثير من النفقات، من البرامج الاجتماعية باهظة الثمن في الداخل إلى شن الحرب في اليمن. ويساعد ذلك في تفسير اندفاع المملكة إلى إدراج جزء صغير من أسهم أرامكو، على الرغم من الاستقبال الفاتر.

وقالت "سن" من "إنيرجي أسبكتس": "محمد بن سلمان يحتاج إلى المال بشدة. ولكن أود أن أقول إن هذا الإدراج يتجاوز بكثير الحديث عن توليد الإيرادات".

المصدر | كيث جونسون - فورين بوليسي

  كلمات مفتاحية

فايننشال تايمز: السعودية تهمش البنوك الأجنبية باكتتاب أرامكو

السعودية تعرض على الكويت الاكتتاب في أرامكو