هآرتس: على مصر أن تحرر صناعة البناء من قبضة الجيش الخانقة

الأحد 1 ديسمبر 2019 11:25 ص

يدرك الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" بوضوح أهمية المعلومات المتعلقة بالفساد في الجيش المصري التي نشرها المقاول المتعاقد مع الجيش سابقا "محمد علي" عبر مقاطع فيديو شعبية.

وقد تلاشت المظاهرات المناهضة للنظام التي خرجت في سبتمبر/أيلول في استجابة لمقاطع الفيديو. ومنذ ذلك الحين، سعى "السيسي" إلى الإسراع في إصدار تشريع بشأن الرقابة على مشروعات البناء، وأصدر تصريحا حول ضرورة خصخصة الشركات المدنية التي يسيطر عليها الجيش، لتوسيع مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد المصري.

لكن علينا ألا نتفاءل كثيرا في انتظار هذه الخصخصة. وقد كانت مثل هذه الخطط موجودة منذ فترة حكم الرئيس السابق "حسني مبارك"، الذي رفع لافتة الخصخصة دون نجاح ملحوظ.

وفيما يتعلق بخصخصة الشركات العسكرية، يمكن توقع أن يقاتل الجيش بكل ما أوتي من قوة لعرقلة هذا الجهد، لأن هذه الشركات هي أهم مصادر التمويل للجيش حيث تفوق عوائدها بوضوح الميزانية العسكرية للحكومة. علاوة على ذلك، فإن هذه الشركات، التي تشمل شركات المقاولات وشركات السياحة والشركات المرخصة لاستيراد أغذية الأطفال وغيرها من السلع، تمنح الجيش نفوذا اقتصاديا وسياسيا على الحكومة المصرية.

ويعرف "السيسي" هذا جيدا، فحين كان وزيرا للدفاع، اعترض هو نفسه على خصخصة الشركات العسكرية. ولكن الآن تغيرت بعض الظروف.

ويطالب صندوق النقد الدولي، الذي قدم لمصر قرضا بقيمة 12 مليار دولار، بأن تقلل الدولة من مشاركة الشركات العسمرية في السوق المدنية؛ من أجل فتح المجال أمام القطاع الخاص، الذي يحظى بحصة أقل من 15% من سوق البناء، على سبيل المثال. وتعد صناعة البناء والتشييد ضرورية لاقتصاد مصر، حيث تساهم بنسبة 16% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد، وتوظف 5% من القوى العاملة المصرية.

اقتحام الجيش للقطاع

ومنذ عام 2014، أقدم الجيش على "غزو" قطاع البناء مستغلا القدرات الهندسية للجيش المصري والعمالة الرخيصة المتاحة وسرعة العمل والإنجاز، مما جعله أكبر مقاول بناء في البلاد. وعلى النقيض من ذلك، تواجه الشركات الخاصة مشاكل البيروقراطية البطيئة وتضطر إلى توظيف العمال النقابيين الذين يحصلون على أجور أكبر، ناهيك عن التكلفة المرتفعة للحصول على الأراضي الصالحة للبناء.

ويحصل الجيش على الأرض مجانا من الحكومة، بينما يدفع المقاولون المدنيون ثمن الأراضي الذي يتصاعد باستمرار. ويتوقع اتحاد المقاولين في البلاد ارتفاع أسعار الأراضي بنسبة 15% العام المقبل وحده.

وأشار تقرير صادر عن شركة الخدمات المالية الدولية "إتش إس بي سي" إلى أن 6% فقط من أراضي مصر قيد الاستخدام. وإذا كانت مصر تتطلع إلى التغلب على النقص الهائل في المساكن في البلاد، فسوف تضطر إلى مضاعفة مساحة الأراضي المخصصة للبناء على الأقل.

ولدى وزارة الإسكان المصرية خطط تمتد حتى عام 2050 وتهدف إلى بناء 20 مدينة ضخمة تستوعب 30 مليون شخص. لكن بحلول عام 2050، بناءً على معدل النمو السكاني الحالي البالغ 2.45%، من المرجح أن يصل عدد سكان البلاد إلى أكثر من 180 مليون شخص. وتعاني البلاد بالفعل من عجز في المشاكن يبلغ أكثر من نصف مليون شقة، بالإضافة إلى عدد مماثل من المشاكن كل عام من أجل لتلبية الطلب المستمر.

وبالتالي، فإن مصدر القلق هو من أين ستأتي هذه المنازل، ومن سيكون قادرا على شرائها إذا استمرت الأسعار في الارتفاع بالسرعة الحالية. وفي الواقع، قام البنك المركزي المصري بتخفيض سعر الفائدة على القروض للمرة الثالثة منذ يوليو/تموز، لكن الفائدة لا تزال عند 15.5%، مما يجعل المنازل في متناول الطبقات المتوسطة العليا والطبقات العليا فقط.

وخلافا للمواطنين العاديين، يمكن للأفراد العسكريين الاستمتاع بمزايا صندوق خاص تم إنشاؤه عام 1988 لتوفير قروض ميسرة جدا على المنازل المخصصة للعسكريين.

وتشير التقارير الواردة من المؤسسات المالية الدولية والبنك المركزي المصري إلى أن قطاع البناء سيكون القطاع الأكثر نشاطا في الأعوام القادمة. وشهد هذا العام بالفعل زيادة بنسبة 40% في عدد المنازل في السوق. لكن معظم هذه النسبة جاءت من مشروعات البناء التي بدأت قبل أعوام ولم تنته إلا هذا العام. ولكن هذه الزيادة المذهلة لن تكون كافية لحل مشكلة نقص المساكن في البلاد.

انخفاض الاستثمار الأجنبي

ويتعين على مصر تشجيع المستثمرين الأجانب على الدخول إلى قطاعي البناء والصناعة في البلاد، بدلا من سوق الأوراق المالية المحلية أو الاستثمارات التي لا تولد أعدادا كبيرة من الوظائف، مثل قطاعي النفط والغاز. وفي هذا الصدد، فإن الأرقام ليست مشجعة. وانخفض الاستثمار الأجنبي في مصر بنسبة 23%، ليصل إلى 6 مليارات دولار هذا العام.

ويبدو أن إعلان "السيسي" بشأن الحاجة إلى خصخصة الشركات العسكرية التابعة للجيش كان يهدف إلى فتح نافذة من الفرص للمستثمرين الأجانب والمحليين، خاصةً أولئك الذين تجنبوا صناعة البناء المصرية بسبب سيطرة الجيش على القطاع. لكن مثل هذه التصريحات، حتى لو شجعت المستثمرين على دخول السوق، سوف تتطلب ترتيب البيت البيروقراطي والتشريعي لهذه الصناعة الفوضوية من الداخل.

ويهدف التشريع الذي يتم النظر فيه الآن في البرلمان إلى ضمان قدر أكبر من الشفافية، ومراقبة حكومية أكثر صرامة على شركات المقاولات، وترتيب التعويضات عن انتهاك العقود، وفرض عقوبات على عدم الالتزام بالجداول الزمنية للبناء، وإنشاء هيئة تتحمل المسؤولية عن الإشراف على شركات البناء، ناهيك عن وضع قواعد لضمان المنافسة العادلة وحماية حقوق المشترين.

ولكن حتى إذا تم إقرار القانون، فمن المحتمل ألا يؤثر ذلك على سلوك شركات البناء العسكرية، التي يتم إعفاؤها من الرقابة البرلمانية والتقارير الدورية، ولا تخضع لإشراف الحكومة بأي شكل.

المصدر | تسفي برائيل / هآرتس - ترجمة الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السيسي يجدد عزمه طرح شركات الجيش في البورصة (فيديو)