الأيرلندي.. بصمة سكوريزي الجينية

الخميس 5 ديسمبر 2019 02:32 م

(اترك السلاح واحضر المعجنات)، جملة من أشهر الجمل السينمائية التي أطلقت في فيلم من أشهر أفلام العصابات (الأب الروحي)، تلك الثلاثية (3 فصول) التي أحدثت تحولا جوهريا في نوعية أفلام العصابات لتحولها من فئة الأفلام التجارية التي تستحوذ على جمهور الدرجة الثالثة، إلى فئة الأفلام ذات القيمة الفنية رفيعة المستوى.

ورغم أن أفلام العصابات هي فرع من أفرع أفلام الجريمة، إلا أنها أثبتت جدارتها كواحدة من أهم فنون الإنتاج السينمائي، فهي تجمع بين دراما السيرة الذاتية وتراجيديا البطل الفرد بما يحمله من تحديات قدرية تدفعه نحو المأساة سواء أكان ذلك بسبب عيب في منظومته الأخلاقية أو بسبب خطأ ما في أحد اختياراته، غير أن الأثر الإيجابي لثلاثية (الأب الروحي) تجلى في رسم الجانب الإنساني الواقعي على أبطال هذه النوعية من الأفلام.

الأيرلندي ولع "سكورسيزي" بأفلام المافيا

تشير مسيرة المخرج "مارتن سكورسيزي " إلى استحواذ أفلام العصابات على نصيب الأسد في إنتاجه مثل (عصابات نيويورك)، و(كازينو)، (جودفيلاز)، ويبدو أن هذا الولع لا يأتي من فراغ فـ"سكوريزي" الإيطالي المهاجر إلى أمريكا حمل معه ملامح المجتمع الكاثوليكي الذي جاء منه واراد أن يروجها في أوساط الخليط الأمريكي من الجنسيات، فهو يقدم لنا ومن خلال رجال عصاباته الإيمان الإيطالي بمنظومة القيم الدينية الكاثوليكية ورؤية الإيطالي حتى لو كان رجل مافيا للدين وحرصه عليه.

فمشاهد التمسك بالطقوس الدينية متعددة فسنجد تعميد ابنه "سيران" رجل العصابات الأيرلندي والتي أصر على تعميدها "راسل بافلينو" زعيمه الإيطالي، وسنجد "راسل" نفسه قبل موته يذهب إلى الكنيسة ليصلى ويطلب المغفرة، وتنتقل العدوى في نهاية الفيلم إلى الأيرلندي ليتابع هو جلسات الصلاة مع أحد القساوسة لطلب الغفران ثناء انتظاره للموت.

ملحمة الأيرلندي

يقدم لنا "سكوريزي" شخصية حقيقية هي شخصية "فرانك شيران" الأيرلندي (روبرت دي نيرو) رجل العصابات البارز وعضو اتحاد العمال الأمريكي المقرب من أشهر رؤساء اتخاد العمال في التاريخ الأمريكي "جيمي هوفا" (ال باتشنو)، ويعرض الفيلم عملية صعود "شيران" من مجرد سائق شاحنة إلى عضو من اعضاء إحدى منظمات الجريمة تحت قيادة "راسل بافالينو" (جو بيتشي).

اعتمد كاتب السيناريو (ستيفن زاليان) أسلوب السرد غير الخطي لسيناريو القصة المأخوذ عن كتاب (سمعت أنك تجيد طلاء المنازل)، ليضعنا في لقطته الأولى أمام مشهد رجوع مستقبلي (فلاش فورورد) لـ"شيران" وهو يحكي قصته التي نشاهدها طوال الفيلم غبر خطين زمنيين (خط شيران الشاب الفقير سائق الشاحنة وبدايات الصعود لعالم الجريمة) وخط (شيران الكهل بعد سنوات العمل المجهد وتثبيت أقدامه كأحد كبار القتلة)، ليعود بنا في النهاية الى خط رواية المذكرات الذي ظل محافظا عليه بحرفية عالية طوال الوقت.

الانتقال بين الخطوط جعل الإيقاع ممتع فأنت طوال الوقت تتابع الشخصية وتحاول أن تتعرف على أسباب التطور النوعي الذي طرأ عليها وكيف تحولت وكأنها تولد امامك في كل مرة، ولعل أبرز نقاط القوة في هذا السيناريو هو التقلبات الكثيرة في الشخصيات وعلاقاتها ببعضها البعض فليست هناك تحالفات دائمة او عداوات دائمة بل هناك تحولات لا تتوقف في علاقات الشخصيات بعضها ببعض وهو ما أضفى عمقا نفسيا على الشخصيات الرئيسية للفيلم.

شغف "سكورسيزي " بالتأريخ

في تصريحه لصحيفة "القدس العربي" قال "سكورسيزي ": "أسعى لكشف المعضلات الأخلاقية والصراع مع (السلطة)، هذه الجملة تفسر ولع "سكوريزي" الدائم باختيار الشخصيات الثرية التي تتيح له أن يعكس التاريخ الأمريكي الحديث، فهو في فيلمه الأيرلندي يعرض لنا جانبا من ستينيات القرن الماضي، ودور الرئاسة وتورطها مع العصابات المنظمة، وتحكمها في حياة الأمريكيين سواء على مستوى النقابات العمالية أو حتى القضاء والمدعي العام فضلا عن اختيارات الرئيس نفسه.

لماذا الثلاثي (بيتشي- دينيرو- الباتشينو)؟

كان "سكورسيزي " قد بدأ العمل على النص السينمائي لفيلم (الأيرلندي) عام 2010، لكن الفيلم لم ير النور إلا بعد 9 سنوات كاملة.

في البداية رفض العديد من الاستوديوهات دعم هذا الفيلم ضخم الميزانية بحجة أن المشاهد قد مل من ثنائية "سكورسيزي -دي نيرو"، ألا أن "براد حراي" مدير استديوهات بارامونت وقع عقدا لإنتاج الفيلم ب 100 مليون دولار مع "سركوسيزي"، ومع ذلك تراجعت بارمونت عن تنفيذ العقد بعد إنهائها خدمات "جيراي"، لينتظر الفيلم 9 أعوام حتى ينتقل إلى نتفيلكس بإنتاج وصل إلى 159 مليون دولار.

ويبدو أن إصرار مخرج الفيلم على أن يكون الثلاثي الأشهر لأفلام العصابات هم أبطال فيلمه رغم تقدمهم في العمر، كان سببا في ارتفاع كلفة الفيلم حيث استخدم تقنية تصغير العمر الرقمية في الفيلم بحرفية عالية، وبذلك يكون "سؤكوسيزي" قد انتصر لرفاقه الثلاث بتقديمهم لهذا العمل وتكذيب مقوله إن المشاهد مل هذه التيمة من الأفلام.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

روبرت دي نيرو الأب الروحي

17 مليون مشاهدة لفيلم نتفليكس "الأيرلندي" في أول 5 أيام فقط