النفوذ الأوروبي في الإمارات.. لماذا فقدت بروكسل تأثيرها على أبوظبي؟

الأربعاء 25 ديسمبر 2019 04:36 م

تواجه علاقات الاتحاد الأوروبي مع دول الشرق الأوسط تحديا متزايدا عبر البيئة الاستراتيجية اليوم، حيث يُنظر إلى المنطقة على نطاق واسع على أنها مسؤولية وعبء أكثر من كونها مصدرا للفرص لأوروبا. وبالنسبة لمسؤولي الشرق الأوسط الذين يزورون مؤسسات الاتحاد الأوروبي في بروكسل، نادرا ما يتعلق النقاش حول المنطقة باستكشاف الفضاء أو البحث والتطوير أو إصلاح التعليم؛ بل يكون على الأرجح حول الهجرة أو التطرف أو النزاعات في ليبيا أو سوريا أو اليمن، أو حقوق الإنسان.

ومع ذلك، يعتقد صناع السياسة من الشرق الأوسط أن المناقشات الأوروبية نادرا ما تؤدي إلى اتخاذ إجراءات حاسمة. ومن وجهة نظر دولة الإمارات العربية المتحدة على وجه الخصوص، يُظهر سجل الاتحاد الأوروبي في الشرق الأوسط في الأعوام الأخيرة فقدان أوروبا تأثيرها على القضايا الإقليمية. وبينما تواصل الإمارات العربية المتحدة النظر بإيجابية إلى الحلفاء الدبلوماسيين في فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، وبينما تستمر العلاقات التاريخية والشخصية كمصدر جيد للحصول على المشورة بين القادة الإقليميين، يمكن ملاحظة افتقار أوروبا إلى الأدوات المطلوبة لممارسة النفوذ في المجالات والقضايا التي تهم دولة الإمارات.

الدبلوماسية

ومن الناحية الدبلوماسية، يكافح الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء للحفاظ على موقف موحد وفعال بشأن قضايا السياسة الخارجية التي تهم البلدان القريبة من حدود أوروبا. ولم تؤد المناقشات الأوروبية حول الصراع في سوريا، التي ربما تكون الموضوع الأكثر أهمية في الشرق الأوسط بالنسبة لأوروبا بالنظر إلى تأثيرها على الهجرة، إلى أي نتائج ملموسة، حتى أن الدول الأعضاء تبنت مواقف متعارضة بشأن هذه القضية. وفي هذه الأثناء، تقدم الحرب الليبية مثالا واضحا على عدم الاتساق والتناقض الأوروبيين؛ حيث يبدو أن مؤسسات ودول الاتحاد الأوروبي غير قادرة على توفير القيادة اللازمة لحل الوضع، لاسيما بالمقارنة مع اللاعبين الخارجيين الآخرين، مثل تركيا.

ويعد التقلب الدبلوماسي للاتحاد الأوروبي واضحا أيضا في دوره في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الذي لا يتمتع فيه الاتحاد حاليا بثقل كبير، على الرغم من أنه كان لاعبا نشطا خلال عملية "أوسلو". وفي حين أن الصراع يمثل مشكلة مزمنة، ترى دول الخليج العربية أن إيران تمثل التحدي الأكثر إلحاحا للأمن في المنطقة. ويبدو أن موقف أوروبا من إيران أحادي البعد، من وجهة نظر الإماراتيين على الأقل. وتعد خطة العمل الشاملة المشتركة النقطة الوحيدة التي يمكن من خلالها مناقشة مسؤولي الاتحاد الأوروبي حول إيران. ويبدو أن التهديدات بالانسحاب من الخطة هي النفوذ الوحيد الذي يرغب الأوروبيون في استخدامه ردا على سلوك إيران. ولكن لا يبدو أن لهذه التهديدات أو لأداة الاتحاد الأوروبي لدعم التبادل التجاري أي تأثير كبير على طهران.

وبالنظر إلى الحالة المضطربة لدبلوماسية الاتحاد الأوروبي، يشعر اللاعبون الإقليميون، مثل الإمارات أنهم ليس لديهم خيار سوى محاولة العمل في سياق الانقسامات داخل أوروبا، من خلال تعزيز وتنمية العلاقات الثنائية مع بعض الشركاء الأوروبيين الأكثر نشاطا وتأثيرا في القضايا ذات الاهتمام المشترك. ويشمل ذلك، على سبيل المثال التنسيق مع فرنسا بشأن ليبيا.

الأمن

وبالنسبة لدولة الإمارات، فإن عدم وجود بصمة أوروبية في أمن الشرق الأوسط ربما يكون الأمر الأكثر إشكالية. وفي حين لعبت القوى الأوروبية دورا في إزالة "معمر القذافي" في ليبيا، إلا أنها لم تكن راغبة في نشر القوة العسكرية لإنهاء الحرب الأهلية هناك، وهو نمط يتكرر في المسارح الإقليمية الأخرى التي تؤثر على المصالح الأوروبية.

ومن وجهة نظر إماراتية، لم يكن هناك تركيز أوروبي كافٍ على التهديدات الأوسع التي تهدد الاستقرار، بما في ذلك في مجالات مثل الأمن البحري والدفاعات ضد هجمات الصواريخ والطائرات بدون طيار. وفي حين أن عدم استعداد أوروبا للانضمام إلى هيكل أمني بحري في الخليج يعكس معارضتها لوجهات نظر الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بشأن إيران، يبدو أن الأوروبيين غير قادرين على اتخاذ موقف قوي بشأن كيفية الحفاظ على الأمن الإقليمي وردع إيران عن مزيد من الاستفزاز.

وعلى الرغم من أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، مثل فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، قد دعمت الولايات المتحدة في إلقاء اللوم على إيران في الهجمات الأخيرة على منشآت النفط السعودية، فإن البيان الأوروبي بشأن الحادث كان مقصورا على مجرد التعبير عن "التعاطف"، على الرغم من حقيقة أن الحادث كان أحد أخطر الاعتداءات على سوق الطاقة العالمي في الأعوام الأخيرة.

الاقتصاد

ولم يكن لأوروبا دور يذكر في دعم المشاريع الاقتصادية الطموحة لدول الشرق الأوسط مقارنة بدول مثل كوريا الجنوبية، التي أقامت الإمارات شراكة معها من أجل تطوير برنامجها الفضائي وإنشاء أول مفاعل للطاقة النووية. وبالمثل، دخلت الإمارات في شراكة مع روسيا لإرسال أول رائد فضاء إلى محطة الفضاء الدولية.

وحتى وقت قريب، كانت الدول الأوروبية شريكة لدولة الإمارات في تطوير صناعة الدفاع. ومع ذلك، كانت القوى الأوروبية مترددة في متابعة هذه المشاريع القليلة بطاقة كاملة. ونتيجة لذلك، فشلت جهود الإمارات لتطوير الطائرة "ماكو" مع الشركة الأوروبية للدفاع الجوي والفضاء. وتحولت الإمارات نحو شراكات محتملة مع جنوب إفريقيا والصين لتطوير صناعتها الدفاعية الناشئة، التي تمثل فرصة أخرى ضائعة من أوروبا.

القوة الناعمة

وعلى الرغم من هذه الصورة القاتمة، تحتفظ أوروبا ببعض عناصر التأثير في الشرق الأوسط من خلال قوتها الناعمة. ولا تزال الاستثمارات الكبرى في الثقافة والتعليم في الإمارات متأثرة بشدة بالنموذج الأوروبي. على سبيل المثال، تشير تلك مشروعات مثل متحف اللوفر في أبوظبي، وجامعة السوربون إلى أن الثقافة الأوروبية تشكل الطريقة التي يرى بها الإماراتيون الماضي والمستقبل.

بخلاف ذلك، تعد أوروبا أيضا موطنا للعديد من المؤسسات العالمية التي تعد أساسية لشؤون الشرق الأوسط، بدءا من "أوبك" إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ومن "الناتو" إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ولا تزال هذه العوامل تضع أوروبا في قلب الاهتمام العالمي لمنطقة الخليج. لكن الواقع هو أن التأثير الأوروبي يبقى محدود النطاق، وأن دولا مثل الإمارات تبحث الآن في مكان آخر عن متطلبات الأمن القومي والتنمية الاقتصادية.

وفي الوقت الذي يتعدد فيه المتنافسون في مسرح عمليات الشرق الأوسط، من المحتمل أن يكون تأثير أوروبا في المنطقة آخذا في التراجع، خاصة مع زيادة الصين وروسيا لوجودهما هناك. وقد يكون هذا وضعا مريحا للأوروبيين، الذين لم يعودوا أول طرف يتم استدعاؤه عندما تندلع الأزمة. وبالتالي، يمكنهم الادعاء بأنهم مجرد بوصلة أخلاقية للمنطقة. ومع ذلك، فإن عواقب التقاعس عن العمل، مثلما يظهر في قضايا مثل أزمة الهجرة، تدل على أن ما يحدث في الشرق الأوسط لا يبقى في الشرق الأوسط.

المصدر | محمد باهارون - المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية

  كلمات مفتاحية