الثورة السودانية.. عام حافل ومستقبل محفوف بالمخاطر

الخميس 19 ديسمبر 2019 06:30 م

في مثل هذا الوقت قبل عام، بدأت الثورة السودانية بتظاهرات احتجاجية على ارتفاع أسعار الخبز والبنزين، ما لبثت أن تحولت سريعا للمطالبة برحيل الرئيس "عمر البشير"، الذي أمضى 30 عاما في الحكم، حتى أطاح به الجيش في أبريل/ نيسان، فيما بدا استجابة للثورة التي لا تزال تواجه تحديات تهدد بخروجها عن مسارها.

  • خارطة طريق

كانت الانتفاضة السلمية، التي انطلقت في ديسمبر/ كانون الأول 2018، نتاجا لسنوات من بناء المؤسسات المدنية وحركات المقاومة في عهد "البشير"، وفق الخبير  في الشأن السوداني بمجموعة الأزمات الدولية؛ "يوناس هورنر".

واعتبر "هورنر" أنا ما حدث منذ الإطاحة بـ"البشير": "ليس أقل من تغيير شامل في الهوية والمؤسسات والمجتمع السوداني".

لم يكن الأمر سهلا دائما، وفق تقرير لـ"دويتش فيلله"، الخميس، حيث ارتكبت ميليشيا قوات الدعم السريع، مذبحة بحق المحتجين الذين يطالبون الجيش بمسار ديمقراطي، فيما بعد "البشير"، أودت بحياة أكثر من 100 شخص في يونيو/ حزيران.

وبالرغم من ذلك، نجح تحالف المعارضة "قوى الحرية والتغيير"، في التفاوض بنجاح على مجلس سيادي مدني - عسكري، بعد شهرين، للإشراف على فترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات قبل إجراء الانتخابات.

  • الاقتصاد أولا

وفي أغسطس/ آب تم تعيين الاقتصادي المعروف "عبدالله حمدوك" رئيسا لحكومة مدنية تدير الفترة الانتقالية، في خطوة حملت آمالًا كبيرة في العمل على تخفيف المأزق الاقتصادي للبلاد.

ومؤخرا، تلقى "حمدوك" وعدا من واشنطن برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، والموجودة بها من عام 1993. ومن المتوقع أن يساهم القرار المرتقب في مساعدة الاقتصاد كذلك.

 وبالرغام من ذلك يواجه المسار الاقتصادي عدة عقبات، خاصة بعد خسارة عائدات النفط عندما انفصل جنوب السودان عام 2011، حيث كلف دعم الحكومة للوقود والخبز 93 مليون دولار شهريًا عام 2019، وفقًا لرئيس الحكومة السابق "معتز موسى".

كما أن بقاء السودان على القائمة السوداء للإرهاب طوال تلك السنوات خنق الاستثمار الخاص، ومنع تخفيف الديون من جانب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني، قال وزير المالية "إبراهيم البدوي"، لرويترز، إن البلاد لديها احتياطيات من العملات الأجنبية تكفي لبضعة أسابيع فقط، وتحتاج إلى ما يصل إلى 5 مليارات دولار في عام 2020 لتجنب الانهيار الاقتصادي.

ومن ثم يرى "هورنر" أن "بقاء الحكومة الانتقالية يمكن أن يتوقف على قدرتها على تحقيق الأهداف الاقتصادية والتصدي للفساد الممنهج".

وتتصدر معالجة الأزمات الاقتصادية قائمة أولويات عشرية أعلنتها حكومة "حمدوك"، تلاها محاربة الفساد، وإنهاء العديد من النزاعات طويلة الأمد في جميع أنحاء البلاد، والانتصار لحقوق المرأة التي كانت في مقدمة الثورة السودانية.

وبالفعل، ألغت الحكومة الانتقالية قوانين النظام العام التي كانت تتحكم في ملابس وتصرفات المرأة، في نوفمبر/ تشرين الثاني، إلا أن هذا لم يرض طموح السودانيات، حيث تنتقد الناطقة باسم تجمع المهنيين السودانيين "سارة عبدالجليل" أن هناك ست نساء فقط جرى تعيينهن بين 32 منصبا في مجلس السيادة والحكومة الانتقالية، معتبرة هذا "ليس كافيا".

  • نحو سلام شامل

ويرى خبير الشأن السوداني بمجموعة الأزمات الدولية، "يوناس هورنر"، أن محادثات السلام السابقة مع المتمردين في النزاعات طويلة الأمد، في النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور، كانت تعتمد على دفع الأموال والمحسوبية، غير أن الإدارة الجديدة تتطلع لتقاسم السلطة مع الجماعات المسلحة واللامركزية في الحكم.

وقال "إنهم يسعون إلى الحصول على المزيد من الترتيبات السياسية الحقيقية الآن، ويسعون إلى التأكد من أن الجماعات المسلحة لها مكان في الحكومة الجديدة على أساس دوائرها الانتخابية".

وفي هذا السياق أشار "هورنر" إلى أهمية تفكيك حزب "البشير" من خلال محاكمة رموزه، معتبرا أن "الحكم الأولي بسجن البشير لمدة عامين بتهمة الفساد يُعد خطوة أولى جيدة وعلامة على وجود هيئة قضائية سليمة".

وبالرغم من ذلك، حذر الخبير بالشأن السوداني "إريك ريفز"، من "خيبة أمل" بعد أن رفضت الحكومة الجديدة تسليم "البشير" إلى المحكمة الجنائية الدولية لمواجهة مزاعم الإبادة الجماعية.

  • مستقبل محفوف بالمخاطر

حتى وإن تم تجاوز الأزمة الاقتصادية والسلام مع المتمردين، لا تزال هناك العديد من التحديات الأخرى التي تشتمل على مؤسسة أمنية مفتتة بين متنافسين، ومصالح اللاعبين الإقليمين ووحدة تحالف المعارضة، وكذا الجوانب الحاسمة من العدالة الانتقالية.

ومن الممكن أن يفسد جنرالات السودان الإصلاحات إذا اعتبروها تهديدًا لمصالحهم. كما لم يتم إشراك الجماعات المتمردة في البلاد في العملية الانتقالية حتى الآن، ولم تدخل الميليشيات مثل قوات الدعم السريع شبه العسكرية القوية، التي تورطت عناصرها في فظائع دارفور، وأثبتت مؤخرًا قدرتها على عرقلة الانتقال الديمقراطي في مذبحة يونيو/ حزيران، تحت مظلة الجيش.

ولعبت السعودية والإمارات دورا بارزا في دعم نظام البشير بالمال واستأجرت قوات الدعم السريع بشكل مستقل للقتال في ليبيا واليمن، وفق "دويتش فيله".

ويعلق "هورنر" قائلا إن "الدولتين الخليجيتين كان لهما دور فعال في دعم التحول الديمقراطي. ومع ذلك، فإن دعم منافستهما قطر للمتمردين في دارفور يزيد من مخاطر تحول السودان إلى ساحة معركة بالوكالة".

ورجحت "سارة عبدالجليل"، أن الإصلاحات الدستورية ستكون حيوية بالنسبة لمصداقية وصلاحية الأحزاب السياسية الإسلامية والعلمانية والاشتراكية، شديدة الاستقطاب.

وأكدت أن "تحقيق العدالة لأكثر من 200 قتيل في الانتفاضة والكثيرين ممن عانوا في ظل حكم البشير الذي دام 30 عامًا ستكون ضرورية لنزاهة الحكومة".

وشددت على أن "العمل لم ينته"، مضيفة: "ستنتهي الثورة عندما يكون لدينا حكومة مدنية كاملة وانتخابات ناجحة وبرلمان منتخب وعدالة انتقالية وسلام في جميع أنحاء السودان".

وعبرت عن المشهد الحالي بعد عام حافل بالأحداث الفارقة، قائلة: "نحن قلقون من حدوث انقلاب. نحن قلقون بشأن العنف الداخلي وحذرين للغاية بشأنه، لكن في الوقت نفسه نحن متفائلون. لذلك فهو أمل وخوف، هكذا نصف عواطفنا".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

ثورة السودان

عام على الثورة السودانية.. تسلسل زمني