ماذا تخبرنا احتجاجات البنزين حول صراعات القوى داخل النظام الإيراني؟

الاثنين 23 ديسمبر 2019 11:34 ص

يقول المثل: "لا تغيّر أوراقك ما دمت تربح"، لكن المرشد الأعلى الإيراني "علي خامنئي" فعل عكس ذلك بالضبط. فعلى الرغم من امتلاك مجلس أمن قومي أعلى يعمل بشكل جيد للغاية في إدارة جميع الأزمات بنجاح منذ إنشاء المؤسسة عام 1989، أمر "خامنئي" بإنشاء هيئة بيروقراطية جديدة لحماية النظام من الضغوط الاقتصادية من إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب". وكانت النتيجة مبادرة سياسة حكومية لا تحظى بشعبية ولم يتم شرحها للجمهور مطلقا، واحتجاجات عامة عنيفة أدت إلى رد فعل حكومي قاسٍ، وتهرب معظم الجهات الراعية لتلك السياسة من المسؤولية.

وكانت جميع القرارات الاستراتيجية في الجمهورية الإسلامية قد تم اتخاذها بواسطة المجلس الأعلى للأمن القومي منذ إنشائه بموجب تعديل دستوري عام 1989. بخلاف ذلك، عمل المجلس كهيئة استشارية أولى للنخبة الحاكمة في النظام. وتم وصف تكوينه في الدستور، حيث تشمل عضويته رؤساء الفروع الثلاثة للحكومة، ووزراء الوزارات الاستراتيجية، وممثلين من مختلف فروع القوات المسلحة، بما في ذلك فيلق الحرس الثوري الإسلامي.

ولا يُعرف الكثير عن المداولات الداخلية للمجلس الأعلى للأمن القومي، لكن وفقا للروايات، فإن المجلس فريد من ناحيتين، أولهما التفويض الذي حظى بهم من المرشد الأعلى "خامنئي"، الذي سئم من تحمل المسؤولية عن القرارات، ولم يفرض أبدا إرادته على المجلس، وثانيهما هو الالتزام المطلق لجميع أفرع الحكومة بالقرارات الصادرة عنه.وقد خدم هذا النموذج النظام بشكل جيد في الماضي. وبغض النظر عن حدة التوترات السياسية، حافظ المجلس الأعلى للأمن القومي على قدرٍ ضئيلٍ من التماسك بين النخب الحاكمة في النظام.

مجلس جديد ومجلس قديم

لكن في 28 أبريل/نيسان 2018، خلال اجتماع سري مع رؤساء الفروع الثلاثة للحكومة، طلب "خامنئي" إنشاء "غرفة حرب" لمواجهة الحرب الاقتصادية الأمريكية ضد إيران. وكانت هذه المهمة ضمن حقيبة مهام المجلس الأعلى للأمن القومي، لكن "خامنئي" رأى أنه ينبغي إنشاء هيئة بيروقراطية جديدة تتولى الأمر. وأطلق على الهيئة الجديدة اسم المجلس الأعلى للتنسيق الاقتصادي، وتم تشكيلها من رؤساء أفرع الحكومة الثلاثة فقط.

ويعد الفرق بين المجلس الأعلى للأمن القومي والمجلس الأعلى للتنسيق الاقتصادي واضحا؛ ففي الأول، يتوصل ممثلون من كامل أعضاء النخبة الحاكمة في الجمهورية الإسلامية، بما في ذلك الحرس الثوري الإسلامي، إلى قرارات بتوافق الآراء. وفي الأخير، يحتاج فقط الرئيس ورئيس القضاء ورئيس البرلمان إلى الاتفاق فيما بينهم على سياسات اقتصادية كبرى. وبخلاف ذلك، حث "خامنئي" بنشاط المجلس الأعلى للتنسيق الاقتصادي على عدم "إضاعة الوقت أثناء انتظار الموافقة" من مكتب المرشد الأعلى قبل اتخاذ القرارات وسن السياسات.

وكان الرئيس "حسن روحاني"، والمجلس الأعلى للتنسيق الاقتصادي، على دراية بأسلوب إدارة "خامنئي" للقيادة وعدم ميله لقبول المسؤولية عن القرارات التي لا تحظى بشعبية. لذا طلب المجلس موافقة خطية من "خامنئي" في شهر سبتمبر/أيلول على تشريع جديد لرفع أسعار البنزين، وهو القرار الذي تم الإعلان عنه في 14 نوفمبر/تشرين الثاني.

وعند تلقي التصريح الخطي المطلوب من "خامنئي"، ادّعي "روحاني" أنه طلب من إحدى الفروع التابعة للمجلس الأعلى للأمن القومي، وهو مجلس أمن الدولة الذي يرأسه وزير الداخلية ويتألف من ممثلين من جميع أجهزة الأمن الداخلي، تنفيذ قرار مجلس الوزراء بشأن تقنين البنزين وتنظيم الأسعار. ويدّعي الرئيس كذلك أنه طلب عدم اطلاعه على توقيت إعلان القرار، وأنه علم بتنفيذه في نفس اللحظة التي تم فيها إعلان القرار للجمهور.

وتعد ادعاءات "روحاني" مشكوكا فيها، فلماذا يطلب الرئيس إبقاء نفسه بشأن توقيت تنفيذ إجراء مثير للجدل للغاية. لكن ما يهم هنا حقا أنه بعد صدور القانون ليلة 14 نوفمبر/تشرين الثاني ونشوب الاحتجاجات في اليوم التالي، كانت قوات إنفاذ القانون والحرس الثوري وميليشيا "الباسيج" بعيدا عن الصورة، ويشير هذا إلى أنهم لم يتم إبلاغهم من قبل مجلس أمن الدولة حول القرار.

وبالتالي، من الأرجح أن رؤساء الفروع الثلاثة للحكومة المكونة للمجلس الأعلى للتنسيق الاقتصادي، الذين يتوقعون معارضة شرسة، قد أبقوا القرار سرا قبل الإعلان. وبخلاف ادعاء "روحاني"، لا يوجد دليل على قيام المجلس الأعلى للتنسيق الاقتصادي بعرض القضية على مجلس أمن الدولة والمجلس الأعلى للأمن القومي.

صراع البيروقراطيات

وما هو أسوأ بالنسبة للجمهورية الإسلامية، أن نخب النظام الذين لم يشاركوا في صنع القرار، وحتى أولئك الذين شاركوا، بدؤوا بشكل منهجي في التنصل من القرار الذي لا يحظى بشعبية. وأصدر "صادق لاريجاني"، رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، بيانا يتبرأ فيه من القرار. وأرسل الحرس الثوري الإيراني، الغاضب إبقائه في الظلام، قائده السابق اللواء "محمد علي جعفري"، إلى وسائل الإعلام لشن هجوم علني مباشر على قرار الحكومة. وأعد البرلمان مشروع قانون عاجل يدعو مجلس الوزراء إلى سحب المبادرة. ومع ذلك، سحب البرلمان مشروع القانون بعد أن حذر "خامنئي" من التدخل في قرار مجلس الوزراء بتعديل سعر الوقود. وبعد ذلك، قام "خامنئي" بنفسه، في 17 نوفمبر/تشرين الثاني، بادعاء عدم المسؤولية، بقوله إنه ليس لديه "خبرة" في الشؤون الاقتصادية لكنه اتبع نصيحة رؤساء المجلس الأعلى للتنسيق الاقتصادي. وألقى أحد هؤلاء الرؤساء، وهو رئيس القضاء "إبراهيم رئيسي"، باللوم على مجلس الوزراء ومجلس تشخيص مصلحة النظام في زيادة الأسعار.

وبينما كان السياسيون والبيروقراطيون منخرطين في لعبة اللوم، أنقذت وزارة الاستخبارات وقوات إنفاذ القانون والحرس الثوري الإيراني وميليشيا الباسيج النظام بقمع الاحتجاجات بفعالية ووحشية. ولم تكن هذه الدراما السياسية لتحدث لو أن "خامنئي" أبقى على اتخاذ القرارات الاستراتيجية داخل المجلس الأعلى للأمن القومي.

ولا بد لهذه العملية أن يكون لها عواقب. ومنطقيا، يجب على النظام إشراك المجلس الأعلى للأمن القومي في الأزمات المستقبلية من أجل الحد من التنافس داخل المؤسسات. وإذا استمرت الجمهورية الإسلامية في إنشاء هيئات جديدة لصنع القرار تستثني الجهات الفاعلة الرئيسية، مثل الحرس الثوري الإيراني، فلا يوجد ضمان بأن هذه الأطراف ستنقذ صناع القرار من جديد حال اندلعت الأزمات في المستقبل.

المصدر | علي ألفونيه - معهد دول الخليج العربي في واشنطن - ترجمة الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السلطات الإيرانية تستبق موجة احتجاجات جديدة بقطع الإنترنت

خلل فني يعطل معظم محطات الوقود في إيران.. وأنباء عن هجوم إلكتروني

إيران تتهم أمريكا وإسرائيل بالوقوف وراء هجوم إلكتروني شل محطات الوقود لديها