السيسي يعيد ترتيب أوراقه لتلافي تكرار رياح سبتمبر

الثلاثاء 24 ديسمبر 2019 11:06 ص

يبدو أن تظاهرات سبتمبر/أيلول الماضي، التي طالبت برحيل الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي"، كانت جرس إنذار، ليس لتحقيق انفراجة حقيقية في البلاد، بقدر ما كانت برقية عاجلة لترتيب البيت السيادي من الداخل، وإحكام القبضة على الشارع المصري.

مقابل ذلك، اشتدت القبضة الأمنية، وزادت ضراوة الاعتقالات العشوائية، وتعرض أكاديميون وصحفيون وحقوقيون بارزون للاعتقال، وماتت أول معتقلة داخل السجون المصرية بسبب الإهمال الطبي، واستمرت وتيرة الإخفاء القسري لمعارضين.

إزاء ذلك، بدا للعيان، أن "السيسي" لم يفهم بعد الرسالة التي أبرقتها مشاهد حرق صوره، وهتافات "ارحل" التي رفعها الآلاف استجابة لدعوات المقاول "محمد علي"، الذي كشف وقائع فساد بمليارات الجنيهات بمؤسستي الرئاسة والجيش المصري.

"طنطاوي" كلمة السر

وفق مصادر مطلعة، فإن وزير الدفاع الأسبق، المشير "محمد حسين طنطاوي"، والذي تربطه علاقة وطيدة بـ"السيسي"، كان كلمة السر في فك تلك الألغام التي تهدد المؤسسة العسكرية، التي تشهد استياء وغضبا مكتومين، جراء التنكيل بقيادات سابقة، والكشف عن وقائع فساد بالجيش المصري. 

ويدير "طنطاوي" غرفة مركزية عملت لأسابيع عدة على رصد المشاكل داخل الجيش ومناطق الحساسية مع الرئاسة والمخابرات العامة، وكان هو كلمة السر في حسم قرار الإفراج عن رئيس الأركان الأسبق، الفريق "سامي عنان"، بحسب "العربي الجديد".

وشملت التغييرات، وقف التنكيل بقائد الجيش الميداني الثالث سابقا، الفريق "أسامة عسكر"، المتهم في وقائع فساد، وإعادته لمنصب رئاسة هيئة العمليات؛ لرد الاعتبار إليه، والحيلولة دون استثارة قادة آخرين، حاليين وسابقين، يشعرون بأن "السيسي" قد ينكل بهم.

كذلك جاء ضمن سياسة الترضيات داخل المؤسسة العسكرية، إجراء حركة تنقلات وتغييرات واسعة بالجيش المصري، وتصعيد قيادات سبق الإطاحة بها، ومنح صهره رئيس الأركان المقال سابقا "محمود حجازي"، إدارة ملفات حساسة ضمن مهام منصبه كمستشار رئيس الجمهورية للتخطيط الاستراتيجي وإدارة الأزمات.

أيضا عين "السيسي" اللواء "مصطفى شوكت" قائدا للحرس الجمهوري، واللواء "أحمد علي" رئيسا لديوان رئاسة الجمهورية، وأجرى حركة محافظين موسعة طالت 16 محافظة، سيطر على غالبيتها لواءات جيش وشرطة، في ترضية للمؤسستين العسكرية والأمنية، ولإحكام السيطرة على مقاليد الأمور في البلاد.

تقليم أظافر "كامل"

ما بعد سبتمبر/أيلول، لم يعد مدير المخابرات العامة المصرية "عباس كامل" كما كان قبلها، بعد اتهامات له بالفشل في إدارة المشهد الأمني والسياسي، والإخفاق في مواجهة تسريبات "محمد علي"، ومحاولة فرض سيطرته على مقاليد الجيش، والتدخل في قرارات وزير الدفاع، الفريق "محمد زكي".

مقابل ذلك، تصاعد نفوذ مدير مكتب "السيسي"، اللواء "محسن عبدالنبي"، الذي بات منافساً قويا لـ"كامل" في الآونة الأخيرة، ويتردد أنه أطلع الرئيس المصري، على إخفاقات المخابرات العامة في ملفات عدة، وتسبب الجهاز في إثارة غضب المؤسسة العسكرية، بعد تعامله معها باعتبارها تابعا للمخابرات.

وشهدت الأسابيع الأخيرة، نقل ملفات من الجهاز إلى صهر "السيسي"، وتحجيم صلاحيات مساعد "كامل"، المقدم "أحمد شعبان"، وعدم الأخذ بترتيبات الجهاز للتعديل الوزاري، وإسناد وزارة الإعلام لـ"أسامة هيكل"، المعروف عنه عدم التوافق بينه وبين رئيس المخابرات العامة.

ووفق دورية "إنتلجنس أونلاين" الاستخباراتية الفرنسية، فإن ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد" أبلغ "السيسي" بانزعاج أبوظبي من أداء مدير مكتب "كامل"، بعد تلقيها رسالة منه يشكو فيها من أن الإمارات لم تلتزم بتعهداتها.

تهميش "محمود السيسي"

ضمن ترتيبات البيت السيادي في مصر، كان على "السيسي" التضحية ولو مؤقتا بنجله "محمود" وكيل جهاز المخابرات العامة، بعد تصاعد نفوذه بشكل بات مقلقا ومستفزا لأطراف فاعلة ومراكز قوى في السلطة.

وخشية تكرار نموذج "جمال مبارك" الذي كان يعده والده لوراثة الحكم، ما تسبب في اندلاع ثورة الـ25 من يناير/كانون الثاني 2011، توارى "محمود" قليلا، عبر مهمة إلى روسيا للعمل كملحق عسكري، وفق "مدى مصر".

وساهم توارد اسم "محمود" في اتهامات بالفساد، روجتها تسريبات "علي"، إضافة إلى قنوات معارضة تبث من الخارج، دأبت على اتهامه بالتربح من وراء منصبه، في خفوت نجمه، وسحب ملفات منه، وتحجيم صلاحياته، ربما لحين إشعار آخر.

من حركة محافظين، إلى تعديل وزاري، وتغييرات في الديوان الرئاسي، والحرس الجمهوري، وحركة تنقلات في المؤسسة العسكرية، والإفراج عن "عنان"، وتهميش نجله، يبدو أن "السيسي" قرر الانحناء لعاصفة رياح سبتمبر/أيلول، ولو مؤقتا، بهدف استرضاء الأطراف الغاضبة داخل نظامه، دون أي محاولة لاسترضاء الشعب ذاته.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية