سياسة الحياد العمانية.. هل هناك مخاوف من انهيارها؟

الأربعاء 25 ديسمبر 2019 11:01 م

تزامنت شائعات وفاة السلطان "قابوس بن سعيد" أو سوء حالته الصحية، مع تزايد التساؤلات حول مصير سياسة الحياد التي طالما اتبعتها عمان.

وحافظت سلطنة عمان رغم كل ما يحيط بها من أزمات وحروب على سياسة الحياد، واستطاعت عبرها أن تلعب دورًا حيويًا على مر سنوات طوال، وأن تتبوأ موقع الوسيط النزيه الذي تلجأ الدول إليه لحل خلافاتها ورأب صدعها مع الدول المحيطة.

وامتد دور عمان ليس على المستوى العربي فقط، بل الدولي والإقليمي أيضًا.

وكان آخر أمثلة الوساطة العمانية تدخلها في الأزمة الخليجية بين قطر ودول الخليج، وكذلك الأزمة النووية بين إيران وأمريكا.

لكن الأمور باتت مقلقة بالنسبة لبعض العمانيين الذين يخشون على بلادهم من سياسة أخرى قد تجرهم لمستنقع الصراع، خاصة وسط أنباء وشائعات حول صحة السلطان، باعتباره رمانة ميزان السياسة العمانية.

وتداولت وسائل إعلام دولية شائعات عن وفاة السلطان "قابوس"، بعدما زعم الصحفي والباحث الإسرائيلي "إيدي كوهين" بوفاته تزامنا مع أنباء مرضه وعودته من رحلة علاجية في بلجيكا.

وقال "كوهين" في تغريدة عبر حسابه على "تويتر": "رحمك الله يا سلطان عمان يا ربان الخليج قابوس بن سعيد آل سعيد إلى جنات الخلد آمين".

عزاء "صالح"

​ولم تعلق وسائل الإعلام العمانية، غير أن وكالة الأنباء الرسمية قالت إن السلطان "قابوس" أرسل برقية تعزية إلى الرئيس الجزائري "عبدالمجيد تبون"، الثلاثاء، بوفاة الفريق "أحمد قايد صالح" نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الجزائري، لتفند المزاعم المنتشرة على وسائل الإعلام.

لكن المحلل السياسي العماني "عبدالله باعبود"، قال إن "سياسة الحياد التي تتبعها السلطنة في القضايا الإقليمية والعربية، لا يمكن أن تتخلى عنها في يوم من الأيام، فهي نابعة من ثقافتها وتاريخها".

وأضاف أن "السلطنة دائمًا لا تؤيد فكرة الأحلاف، ولا يمكنها أن تذهب إلى محور وتترك المحور الآخر، فالرواسخ العمانية تدفعها دائمًا في تجنب الصراعات، وعدم الدخول فيها غير بشكل سلمي للوساطة"، بحسب ما نقلته "سبوتنيك".

وأكد "باعبود" أن "القوة والقيمة التي تحظى بها سلطنة عمان تأتي من الاستناد لسياسة الحياد، والتي نجحت بشكل كبير في تجنيب شعبها، صراعات المنطقة، وجعل لها دورًا ومكانة عالية ووزنا ثقيلا في العالم، ويقع على عاتقها حل المشاكل المعقدة بين الدول".

وفيما يتعلق بالمخاطر المتوقعة حال تخلي عمان عن حيادها، لفت إلى أن "السلطنة عانت كثيرًا من أزمات تاريخية طاحنة، وتعد من أكثر الدول التي شهدت حروبًا أهلية داخلية، وأن فكرة تخليها عن الحياد سيؤثر سلبيًا بشكل كبير ليس على عمان وشعبه فقط، بل على كل المنطقة التي لن تجد وسيطًا نزيهًا يرأب صدعها ويحل مشاكلها".

إرث قديم

من جانبه قال الباحث العماني في الشؤون الدولية، "سالم الجهوري"، إن "عمان لا يمكن لها أن تتخلى عن هذا الحياد، لأنها تمارس إرثًا سياسيًا قديمًا، وليس مجرد ابتداع حديث، فهي تركز على محاور معينة في إدارتها السياسية مع القاصي والداني بعلاقاتها الخارجية، منذ القدم".

وأضاف أن "عمان كانت منفتحة على العالم، وهي من الدول العربية القلائل التي بدأت علاقاتها مع الولايات المتحدة بعد أن اعترفت بها منذ أكثر من 270 عامًا، وأرسلت أول سفير لها إلى نيويورك، عبر سفينة سلطانية وهو السفير أحمد بن نعمان الكعبي، اعترافًا منها بقيام أمريكا".

وتابع: "هذه الخطوات التاريخية استطاعت أن تؤسس مجدًا سياسيًا دبلوماسيًا على مضى قرون طويلة، وبالتالي هذه السياسة نهج في القيادة العماني".

وشدد على أن تلك السياسة "لن تتغير السياسة، لمقومات عدة منها موقع عمان الجغرافي والذي يجعلها حلقة بين الشرق والغرب، وبين الشمال والجنوب، وأنها أيضًا قريبة من الحضارات التي قامت سواء كانت في الحضارة الفارسية أو الحضارة الفنيقية القديمة، والفرعونية، السلطنة كانت على تواصل مع هذه الحضارات أيضا وملوكها، كانت الوحيدة تقريبا مع اليمن في الجزيرة العربية خلال القرون الماضية".

ورأى "الجهوري" أنه "لا خوف على سلاسة انتقال السلطة في عمان الأمور مرتبة منذ فترة طويلة، وهناك نظام أساسي للدولة العمانية وهو في حالة وفاة أي من السلاطين هناك خياران؛ إما أن تجتمع العائلة المالكة وتختار من تراه مناسبًا، وهذا نهج شورى قديم".

واستطرد بأن "الخيار الثاني في حال لم تتفق العائلة يتم بعد 3 أيام فتح الوصية التي تركها السلطان الراحل، وهناك اسم مرشح لقيادة الدولة عليهم الاحتكام إليه ومبيعاته، وهذه الفلسفة هي التي قامت عليها الدولة العمانية منذ قرون طويلة".

أما عن مسألة تغير السياسية بتغير السلطان، قال: "مهما اختلفت الوجوه التي تدير السياسية، سيظل النهج مستمرا لأن السلطنة تدرك أن العلاقات الجيدة والمتينة ذات المصالح المشتركة والخالية من الأجندات والمصالح، تستطيع أن ترتقي مع الأمم، وتستطيع أيضا أن تخلق الفرص بين شعبي أي دولتين".

ليس من فراغ

واتفق المحلل السياسي العماني "عبدالله باعبود" في نفس النقطة، حيث أكد أن "أحدًا لا يمكن أن ينكر فكر ورؤية السلطان قابوس، لكن هذا لم يأت من فراغ، بل نابعين من المقومات العمانية المتعلقة بالجغرافيا والإمكانيات والتاريخ".

ومضى بالقول: "هذه السياسة متأصلة في ثقافة عمان ولو حدث أي تغيير في منصب القائد سيكون هناك اختلاف طفيف لأن لكل شخص دوره ورأيه، لكن لا يمكن أن يصل لدرجة التخلي عن سياسة هي من مقدرلت الدولة وتاريخها، ونابع من مجتمعها".

ومنذ تولي السلطان "قابوس" السلطة في عام 1970، أعلن الخطوط الرئيسة لسياسته الخارجية وذكر أنها مبنية على حسن الجوار مع كافة الدول العربية، وعدم التدخل في شؤونهم الداخلية، وتدعيم علاقات عمان معهم جميعًا، وإقامة علاقات ودية مع سائر دول العالم، والوقوف مع القضايا العربية والإسلامية ومناصرتها في كل المجالات، وأوضح أنه يؤمن بالحياد الإيجابي ويناصره تمامًا.

ورغم الخلافات التي دبت في الشرق الأوسط، نأت عمان بنفسها عنها والتزمت الحياد، إذ رفضت المشاركة في التحالف العربي الذي تقوده الإمارات والسعودية في اليمن واستقبلت اجتماعات عدة للحوثيين ووفد الحكومة لرأب الصدع، ولم تشارك بالمقاطعة العربية والخليجية مع قطر وتوسطت لحل الأزمة.

كما أن لعمان علاقات قوية مع إيران وكذلك أمريكا وتدخلت لحل الصراع النووي، ومع إسرائيل وفلسطين، وغير ذلك مع كل الدول.

وليس للسلطان أي أبناء لذلك ليس هناك وريث واضح كما أنه لم يختر وليا للعرش طوال سنوات حكمة لكنه سجل رغبته في تحديد خليفته في خطاب سري مغلق موجه لمجلس عائلة "آل سعيد" الحاكمة والتي يتداول أبناؤها حكم البلاد منذ منتصف القرن الثامن عشر.

ووفقاً للمادة 6 من الدستور العماني، فإن الأسرة الحاكمة مكفّلة بتعيين حاكم جديد للبلاد بعد مضي 3 أيام من عزل أو وفاة السلطان الموجود ولم يتم تعيين أحد بدلاً منه.

وإذا لم يتمكن أعضاء مجلس الشورى الملكي من انتخاب خليفة للسلطان فإن مجلس الشورى الدفاعي العماني سينتخب أحدا ممن اختارهم الملك "قابوس" في وثيقته.

المصدر | الخليج الجديد + سبوتنيك

  كلمات مفتاحية

قابوس بن سعيد السطان قابوس بن سعيد سياسة الحياد

السلطان قابوس يتوجه إلى بلجيكا لإجراء فحوصات طبية

خارجية عمان تزيد الغموض حول صحة السلطان قابوس

الحرب المجاورة.. السياسة الخارجية العمانية تجاه اليمن