لماذا لن تستطيع الحكومة الجديدة إنهاء الأزمة السياسية في الكويت؟

السبت 28 ديسمبر 2019 05:00 م

نتيجة للنزاعات الداخلية بين أعضاء مجلس الوزراء، والاستجواب المكثف للوزراء من قبل أعضاء البرلمان، استقالت حكومة الشيخ "جابر المبارك" في الكويت في 14 نوفمبر/تشرين الثاني. وسبق هذا القرار احتجاجات مئات الكويتيين الذين طالبوا بإصلاحات جدية تضع حدًا للفساد الشامل. وتعد استقالة الحكومة مؤشرا على التوترات بين الحكومة والبرلمان والمجتمع الكويتي. ويطغى على الحكومة الجديدة الحديث عن الانتخابات البرلمانية لعام 2020 التي تلوح في الأفق، التي ستؤثر على كيفية تفاعل البرلمان مع الحكومة الجديدة.

ومن المرجح أن يكثف أعضاء البرلمان استجوابهم للحكومة الجديدة بشأن القضايا الملحة من أجل زيادة فرص إعادة انتخابهم. وتعد الحكومة الجديدة أيضًا أكثر توازنًا بين الجنسين، وغير مسبوقة في بعض النواحي، ويبدو أنها عالجت بعض المظالم. ومع ذلك، فمن غير المرجح أن يؤدي تشكيل الحكومة الجديدة إلى حل التوترات. ومن المحتمل أن تظل تداعيات الأزمة التي أدت إلى استقالة الحكومة السابقة قائمة حتى انتخاب البرلمان المقبل على الأقل.

أزمة سياسية

وبدأت الأزمة بسلسلة من الاستجوابات الموجهة من قبل أعضاء المجلس الوطني الكويتي "مجلس الأمة". وكان أول من تم استدعاؤه للاستجواب هو وزير المالية الدكتور "نايف الهاجري" في أكتوبر/تشرين الأول 2019. وأعقب ذلك جلسة استجواب لوزيرة الأشغال العامة والإسكان، "جنان بوشهري". وخلال تلك الجولة الساخنة، قيل إن نحو 20 من أعضاء البرلمان قد تقدموا بطلب سحب الثقة من الوزيرة "بوشهري". وفي نهاية المطاف، أعلنت "بوشهري" استقالتها في نهاية الجلسة البرلمانية.

وفي تعبير عن الإحباط، أعربت "بوشهري" عن أسفها للتأثير المزعوم للمصالح التجارية داخل البرلمان، قائلة: "أصبحت الشركات الآن أقوى من قاعة عبدالله السالم". وتم تقديم طلب ثالث لاستجواب وزير، وهذه المرة كان الوزير هو الشيخ "خالد الجراح"، أحد أفراد العائلة المالكة. وتزامنت الجولة الثالثة من الاستجواب مع تسريب لوزير الدفاع السابق، الشيخ "ناصر الصباح" (نجل أمير الكويت) يطلي فيه توضيحا من كل من رئيس الوزراء السابق الشيخ "جابر المبارك" ووزير الداخلية الشيخ "خالد الجراح" فيما يتعلق بنحو 800 مليون دولار مفقودة من صندوق المعونة العسكرية الكويتية عام 2017. ونظرًا لحقيقة أنه تم تجاهل استفساراته، قاطع وزير الدفاع الشيخ "ناصر الصباح" اجتماعات مجلس الوزراء الأسبوعية.

ويعد الجانب الآخر المهم من هذه الأزمة السياسية هو تزايد المطالبات الشعبية بالإصلاحات. وقبل سلسلة الأحداث هذه، دعا النائب الكويتي السابق "صالح الملا"، في أول نوفمبر/تشرين الثاني، إلى مظاهرات شعبية ضد الفساد المتفشي. وردًا على ذلك، تجمع مئات الكويتيين أمام مبنى البرلمان للمطالبة برحيل كل من السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية. وجاءت المظاهرات في وقت مثير للجدل في السياسة الكويتية، حين قدم رئيس البرلمان "مرزوق الغانم" مسودة قانون بشأن "البدون" في الكويت، وهي قضية قائمة منذ الستينيات.

وبسبب الفساد والادعاءات المتعلقة بفقدان أموال عامة، أرادت القيادة الكويتية إيجاد حل لحفظ ماء الوجه لرئيس الوزراء المنتهية ولايته. لذلك، بعد أيام من استقالة مجلس الوزراء، طلب الأمير الكويتي من رئيس الوزراء المستقيل، الشيخ "جابر المبارك"، تشكيل حكومة جديدة، لكن رئيس الوزراء المنتهية ولايته رفض العرض في النهاية معتذرا بعدم تمكنه من تولي المهمة. وبالنظر إلى التورط المزعوم في فقدان أموال الدفاع المذكورة، من المحتمل أن يكون قد تم الاتفاق مسبقا مع رئيس الوزراء على رفض عرض المنصب.

حكومة جديدة قصيرة الأجل

ومن المتوقع أن تكون الحكومة الجديدة، التي تم الإعلان عنها في 17 نوفمبر/تشرين الثاني، قصيرة الأجل، حيث من المقرر أن يتم انتخاب برلمان جديد في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2020. وفي حالة حل البرلمان، فإن ذلك سيؤدي في النهاية إلى حل مبكر للحكومة الحالية حتى يتم انتخاب برلمان جديد.

وبغض النظر عن التوترات السياسية الحالية، تجدر الإشارة إلى أن تشكيل هذه الحكومة الجديدة فريد من نوعه، ولم يسبق له مثيل في الكثير من النقاط. وتعد هذه الحكومة أكثر حكومة تكنوقراطية تعرفها ذاكرة الكويت الحديثة. وتضم الحكومة الجديدة أعلى تمثيل للوزيرات من النساء في تاريخ الكويت. وتم تعيين 3 وزيرات في مناصب وزير المالية، وهو التعيين الأول من نوعه في مجلس التعاون الخليجي بأكمله، ووزير الأشغال العامة والإسكان، ووزير الشؤون الاجتماعية. وهناك طفرة إضافية تتمثل في أن وزير الداخلية الذي تلى اليمين الدستورية حديثا هو الوحيد الذي يشغل هذا المنصب من خارج الأسرة الحاكمة. ويضم مجلس الوزراء أيضا نائبين من البرلمان، يشغلان الآن منصب وزير الإعلام ووزير الدولة لشؤون الشباب، ووزير شؤون الخدمات ووزير الدولة لشؤون الجمعية الوطنية. وعلى الرغم من بعض هذه التعيينات التاريخية، إلا أن الحكومة لم تخل من الجدل، حيث يُقال إن وزيرة الشؤون الاجتماعية الجديدة تخضع للتدقيق بسبب تعليقات انتقدت خلالها التدخل العسكري لمجلس التعاون الخليجي في البحرين في عام 2011.

ومن بين الشواغل الأخرى التي ذكرها رئيس الوزراء أن الفصائل السياسية المهمة اختارت عدم المشاركة في تشكيل هذه الحكومة بسبب تصور محدودية مدتها. على سبيل المثال، رفضت الحركة الدستورية الإسلامية، وهي الحركة الممثلة لجماعة "الإخوان المسلمون" في الكويت، عرض رئيس الوزراء الجديد لتولي أحد أعضائها منصبا وزاريا في الحكومة.

ورغم قصر عمر الحكومة المتوقع، توجد قرارات سياسية مهمة معلقة، وهي تتطلب تعاونًا وثيقًا بين الحكومة والبرلمان. وتواجه الحكومة الكويتية العديد من المعضلات المالية المعلقة المتعلقة بخفض عجز الموازنة. وقد تكون هذه القضية مصدر توتر بين الحكومة والبرلمان. وتتعلق المسألة المالية الأولى بتنفيذ ضريبة القيمة المضافة. وعلى الرغم من أنه من غير الواضح بعد ما إذا كانت الحكومة الجديدة سوف تتخذ أي قرار بشأن الضرائب المتوقعة، ستظل القضية ممثيرة للخلاف بين الحكومة والمشرعين في الكويت. ثانيًا، كأداة أخرى لخفض عجز الموازنة، من المتوقع أن تعمل الحكومة على زيادة قيمة السندات الحكومية من 10 مليارات إلى 20 مليار دينار كويتي. ومع ذلك، لا يزال من غير المعروف ما إذا كان رئيس الوزراء الجديد سوف يحرز تقدمًا في هذه القضية الملحة قبل الانتخابات الجديدة. بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي الإجراء التشريعي الذي يتناول قضية "البدون" إلى اشتباك بين الحكومة والسلطة التشريعية، خاصة في ضوء مشروع القانون الذي أصدره رئيس البرلمان الشهر الماضي، الذي يسعى إلى حل المشكلة. وتؤثر كل هذه العوامل مجتمعة على العلاقة بين الحكومة والبرلمان والشعب، وتتطلب اتباع توازن دقيق.

المصدر | منتدى الخليج الدولي

  كلمات مفتاحية