كيف يعيد الاتفاق التركي الليبي تشكيل الخارطة الجيوسياسية للمتوسط؟

السبت 28 ديسمبر 2019 02:31 م

تعتبر خطوة تركيا في الأسبوع الأخير من نوفمبر/تشرين الثاني إنشاء "منطقة اقتصادية خالصة" للتجارة مع ليبيا استجابة متأخرة ومباشرة لاستبعادها من منتدى شرق المتوسط ​​للغاز، الذي يتخذ من القاهرة مقرا له، وهو هيكل طاقة إقليمي يضم مصر و(إسرائيل) واليونان وقبرص الرومية، ويهدف إلى السيطرة على إنتاج الغاز في شرق البحر المتوسط. وسيؤدي اتفاق أنقرة وطرابلس إلى تصعيد الوضع في ليبيا بشكل ملحوظ ويبعد الاتحاد الأوروبي أكثر عن تركيا.

وحوّل اكتشاف حقل غاز "ظهر" عام 2015، من قبل شركة "إيني" الإيطالية العملاقة، هدف مصر من مجرد الاكتفاء المحلي من الغاز إلى تطوير هدف استراتيجي لاستخدام مصانع الغاز الطبيعي المسال الحالية لتحويل القاهرة إلى مركز إقليمي لصادرات الغاز من شرق البحر المتوسط ​​إلى أوروبا. وضاعف حقل "ظهر" احتياطيات مصر من الغاز، وشجع القاهرة على بدء محادثات مع قبرص الرومية واليونان لاستخدام مصر كمركز لتصدير الغاز إلى أوروبا.

ونشأت المشكلة هنا بسبب الخلاف مع تركيا بشأن المناطق الاقتصادية الخالصة في شرق المتوسط. وعلى وجه الخصوص، في حين أن تركيا لا تعترف بالمنطقة الاقتصادية الخالصة المقبولة دوليا لجزر إيجة اليونانية، فإنها تعترف بالمنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص، التي تستفيد منها الدولة القبرصية التركية غير المعترف بها دوليًا، إلى جانب قبرص الرومية، الوصي القانوني على الجزيرة بأكملها.

  • الاستراتيجية التركية

وقد تصرفت تركيا بقوة لمنع أي أنشطة حفر بالقرب من ساحل شمال قبرص لا تأتي مع اتفاقية لمشاركة الأرباح بين شطري الجزيرة. وفي عام 2018، منعت البحرية التركية سفن التنقيب التابعة لشركة "إيني" من التنقيب عن الغاز عبر ساحل قبرص، وهي خطوة جعلت دول شرق البحر المتوسط، بما في ذلك (إسرائيل)، أكثر قلقا بشأن تركيا. ونتيجة لذلك، بدأت هذه البلدان في تغيير الخريطة الجيوسياسية لشرق المتوسط، ​​من خلال إعادة رسم حدودها البحرية، وأخذ عرض مصر لتصدير الغاز إلى أوروبا باستخدام منشآت الغاز الطبيعي المسال الخاصة بها على محمل الجد.

وبسبب شعورها بالعزلة في منطقة معادية، كان على قيادة تركيا أن تتصرف بسرعة لضمان مقعد على طاولة المفاوضات المستقبلية بشأن الغاز في البحر المتوسط. ولطالما نظرت تركيا إلى الحكومة المتمركزة في طرابلس باعتبارها حليفها ​​المطلوب في منطقة المتوسط. ومع ذلك، لم يتمكن رئيس الوزراء "فايز السراج" من منح تركيا اتفاقية الحدود البحرية في وقت سابق؛ لأن طرابلس كانت تخشى خسارة دعم القاهرة وأثينا والاتحاد الأوروبي. وتأتي خسارة هؤلاء اللاعبين الإقليميين والدوليين بثمن باهظ بالنسبة لطرابلس، التي لا تزال تكافح من أجل مقاومة هجوم الجنرال "خليفة حفتر" وقواته للاستيلاء على العاصمة منذ أبريل/نيسان من هذا العام.

لكن المجتمع الدولي أظهر تقاعسا واضحا في وقف هجوم "حفتر" أو على الأقل تحييد دعم مصر والإمارات للجنرال الليبي. وفي الوقت نفسه، قللت أنقرة من دعمها العسكري لـ"السراج"؛ ما أدى إلى تعريض موقف طرابلس ضد قوات "حفتر" للخطر. وجعلت هذه العوامل طرابلس ضعيفة بشكل غير عادي؛ ما دفعها للمحاولة باستماتة من أجل الحصول على حليف يمكنه أن يساعد بصدق في مواجهة هجوم "حفتر". وعرضت أنقرة المساعدة العسكرية اللازمة لطرابلس في مقابل اتفاقية الحدود البحرية التي تعيد تركيا إلى لعبة الغاز.

  • الرد المصري

وبسبب اتفاقية "أنقرة طرابلس" البحرية، كانت هناك تداعيات دبلوماسية وسياسية وعسكرية لا يمكن تجاهلها. على وجه الخصوص، ألقت مصر بكل ثقلها السياسي والعسكري خلف "حفتر" لتأمين مصالحها. وأجرت البحرية المصرية تدريبات مراقبة بحرية في المناطق الاقتصادية في البحر المتوسط. ومن الناحية السياسية، انتقدت القاهرة الاتفاق التركي الليبي، فيما انتقد الرئيس "عبدالفتاح السيسي" حكومة طرابلس ووصفها بأنها "رهينة للميليشيات".

إضافة إلى ذلك، أعلن رئيس مجلس النواب المصري اعتراف القاهرة بمجلس النواب الذي يتخذ من طبرق مقرًا له باعتباره الكيان الشرعي الوحيد الذي يمثل ليبيا، وهو ما يتعارض مع موقف مصر القديم المتمثل في الحفاظ على العلاقات الرسمية مع الحكومة التي تتخذ من طرابلس مقرًا لها. وتزامن الدعم البرلماني المصري للحكومة التي تتخذ من طبرق مقرًا لها مع زيادة قوات "حفتر" تقدمها في طرابلس. وتشير هذه التحركات إلى أن مصر وحلفاءها يهدفون إلى توفير الدعم العسكري والدبلوماسي لـ "حفتر" لإنهاء معركة طرابلس بسرعة وإسقاط حكومة "السراج" قبل مؤتمر برلين المقترح، الذي يهدف إلى وقف العمليات العسكرية في ليبيا.

  • حروب المتوسط

وفي هذه الأثناء، استخدمت اليونان وقبرص الرومية وضعهما في الاتحاد الأوروبي وشنتا هجوما دبلوماسيا مضادا لعزل تركيا وقتل الاتفاقية وعواقبها القانونية على الصعيد الدولي. وانحاز الاتحاد الأوروبي إلى دوله الأعضاء، مؤكدا أن الاتفاق التركي الليبي "لا يتوافق مع قانون البحار، ولا يمكن أن ينتج عنه أي عواقب قانونية بالنسبة لأية دول أخرى". هذا الرد الصارم من الاتحاد الأوروبي، جنبا إلى جنب مع اقتراب "حفتر" من السيطرة على طرابلس، دفعا أنقرة للتصديق على الاتفاق مع طرابلس في الأمم المتحدة، سعيا استخدام الاتفاق على الأقل كورقة مساومة مع قوى شرق المتوسط.

وتدرك القوى المتوسطية أن اللعبة النهائية لأنقرة بالاتفاق مع طرابلس هي التفاوض على حصة من غاز المتوسط، وهو خط أحمر لمصر واليونان و(إسرائيل) وقبرص الرومية. وتمتلك دولتا الاتحاد الأوروبي، اليونان وقبرص الرومية، الأسس القانونية الأكثر متانة في نزاعهما مع تركيا، ومن المرجح أن يواصلا عزل تركيا سياسيا ودبلوماسيا.

وعلى الأرض في ليبيا، قد يتصاعد الصراع بين مصر وتركيا حول طرابلس. وكثفت مصر دعمها لـ"حفتر" للاستيلاء على طرابلس وسحق حكومة "السراج". وفي هذه الأثناء، تستعد تركيا لإرسال قواتها إلى ليبيا أملا في أن تبقي مساعدتها العسكرية حكومة "السراج" وقتا أطول بما يكفي لتكون ورقة مساومة في كفاحها الطويل في شرق المتوسط.

المصدر | محمد سليمان - إنسايد أرابيا

  كلمات مفتاحية

غاز شرق المتوسط منتدى غاز شرق المتوسط شرق المتوسط دول شرق المتوسط حقول شرق المتوسط حقول الغاز شرق المتوسط

أردوغان: أفشلنا مخططات استبعاد تركيا عن المتوسط