نزلة مصر.. أرض الفن وصناعة الإبداع

الاثنين 30 ديسمبر 2019 08:46 ص

وادٍ ضيق ينحدر عن مستوى إحدى قرى محافظة الفيوم، جنوب القاهرة، جذب بتضاريسه الريفية صُناع السينما لعقود.

في قرية النزلة، تلك البقعة المتميزة بوادٍ منخفض نحو 30 مترا عن مستوى الأرض، يجتهد شاب ثلاثيني ترتسم على وجهه ابتسامة رضا وهو ينحت من الطين لوحات فنية.

وكخلية نحل، يعمل فنانو القرية في صناعة الفخار اليدوي، فهناك من يقوم بتشكيله، وآخر بتجميعه بحفرة طينية، وآخرون بنشر منتجاتهم في الهواء الطلق لتجف.

"حسني أحمد ربيع"، شاب ثلاثيني، تحدث للأناضول في فخر عن عدد سنوات عمله في صناعة الفخار، التي بدأت منذ طفولته، وكيف أنه وشقيقه الأصغر "جابر، ورثا المهنة أبًا عن جد.

يسرد "حسني" قصة الفخار من بدايتها، حيث تمر صناعته بعدة مراحل، تبدأ بإحضار الطمي من "البحار" ويضاف عليها التبن "قش الأرز والقمح المطحون".

يخلط "التبن" مع "الطمي" بنسبة معينة يعلمها "حسني" ورفاقه جيدًا لأنها إذا زادت ينكسر المنتج خلال مرحلة الحرق.

بعد ذلك يتم تشكيل الطين إلى الشكل المطلوب ثم يتم وضع "الفخّار" في الهواء الطلق ليجف وبعدها يتم حرقه في الأفران، وأخيرًا عرضه للبيع.

فن الأشكال والألوان

يتابع "حسني" سرد القصة قائلًا "نعمل أشكالا وألوانا من الفخار.. نتميز فيها عن غيرنا" منها "الصحفة" (صحن) التي تستخدم لإطعام الطيور، و"قدر" الذي يستخدم لصناعة الفول، و"البوكلة" التي تستخدم في حفظ وتخزين منتجات الألبان، و"صحن" ويستخدم لعمل الكسكسي.

ليس هذا فحسب، حيث يصنع "حسني" ورفاقه منتجات بينها "بربخ" الذي يستخدم لصرف المياه بالأراضي الزراعية ولبناء أبراج الحمام، و"زلعة" التي تستخدم في الإضاءة والديكور، و"الزير" الذي يستخدم لحفظ المياه كما أنّه يستخدم للديكور وزراعة الورورد والأشجار في الفنادق، و"شواية" وتستخدم لشوي اللحوم والدواجن.

ولفت إلى أنّ منتجاتهم تتميز برخص ثمنها وأنها في متناول الجميع، حيث تتراوح أسعار المنتجات من 10 وحتى 30 جنيهًا (أقل من دولارين) ما عدا "الزير" و"الدفاية" يبلغ سعرهم 100 جنيه (نحو 6 دولارات)؛ نظرًا لكبر حجمهما.

انطلاق للعالمية 

وحسب "حسني"، ذاع صيت قرية "النزلة" منذ فترة طويلة في عدة دول أجنبية وعربية، وأصبحت تصدر منتجاتها من الفخار إلى العديد منها، وفي مقدمتها إيطاليا وألمانيا وسويسرا وأسبانيا وهولندا.

ودلل "حسني" على ذلك بابتكار صناع القرية "الدفاية" من الفخار والتي تستخدم للتدفئة عبر إشعال النيران بداخلها، وسط إقبال كبير على شرائها خصوصًا في فصل الشتاء.

الكثير من الأجانب يأتون لزيارة القرية ليس فقط لشراء الفخار، بل للاستمتاع بجمالها ما ساهم في اهتمام الحكومة بتطويرها ورصف طرقها.

مركز الفنون

طبيعة القرية المميزة وانتشار الورود بها مع وجود مجرى مائي صغير، والبيئة الجبلية، جعلها كذلك قبلةً لصُنّاع الأفلام والمخرجين لتصوير الأعمال الفنية.

"جابر أحمد" (25 سنة)، يشير في حديث إلى أن القرية شهدت تصوير أعمال فنية بارزة في السينما المصرية، منها فيلم "دعاء الكروان" للفنانة "فاتن حمامة" عام 1959، و"البوسطجي" المأخوذ من قصة الكاتب الكبير "إحسان عبدالقدوس" عام 1968.

كما تم تصوير مشاهد من مسلسل "كابتن جودة" عام 1986، ولقطات من مسلسل "سر الأرض" عام 1994، ثم نسيها المنتجون فترة طويلة من الزمن، حتى تصوير فيديو كليب للمطربة "أصالة" عن أغنية "بنت أكابر" بالقرية وسط الفخار.

كما يوجد بقرية النزلة مركزًا للفنون بمنطقة صناعة الفخّار يضم لقطات وبوسترات للأفلام والأعمال الفنية التي تم تصويرها بالقرية ويتم فتحه للزوار للتعرف على تاريخها.

ووفق معلومات تاريخية، شارك أهل القرية في بناء هرم سنوسرت الثالث (أحد أعظم ملوك الفراعنة القدماء) بمنطقة اللاهون بمحافظة الفيوم وذلك باستخدام الطوب اللبن فوق ربوة عالية. 

وكان الهرم مكسوًا بالحجر الجيري بأمر من الملك سنوسرت الثاني، وفقًا لروايات أهالي القرية الذين يفتخرون بأنّ أجدادهم شاركوا في بناء أحد الأهرامات. 

تشتهر "النزلة" أيضًا بأنها "أم القرى" حيث إنها من أقدم قرى الفيوم، فهي حسب مصادر تاريخية، موجودة منذ العصر الفرعوني، ومنذ ذلك الوقت عرفت القرية صناعة الفخار وتوارثوها أجيالًا وراء أجيال حتى يومنا هذا.

المصدر | الأناضول

  كلمات مفتاحية

محافظة الفيوم