الكويت.. بين التغيير واستمرار خيبة الأمل

الثلاثاء 31 ديسمبر 2019 11:13 ص

بين التغيير واستمرار خيبة الأمل

قد تجد الحكومة الجديدة في الكويت نفسها أمام معضلة إدارة تناقضات يصعب التوفيق بينها.

ستظل حكومة صباح الخالد تعاني الهشاشة لذا عليه كسر حلقة الفساد وضعف الفاعلية وتطبيق إصلاحات اقتصادية واجتماعية بشفافية.

ولن يتحقّق كسر الفساد وتطبيق الإصلاحات إلّا إذا تبنّت الحكومة الجديدة روحية التغيير الإيجابي وقاومت الأساليب القديمة.

*     *     *

بقلم | بدر موسى السّيف

تحمل الحكومة الجديدة في الكويت في طياتها الوعود بتحقيق التغيير الذي تشتدّ الحاجة إليه، لكنها أيضاً تواجه شبح استمرار الأمور على حالها على نحوٍ مخيّب للآمال. فالحكومة الجديدة التي أبصرت النور بعد أقل من شهر، جاءت على إثر قيام أمير البلاد، صباح الأحمد الصباح، بحلّ المأزق السياسي الأخير في الكويت من خلال تعيين صباح الخالد الصباح كرئيس وزراء جديد للبلاد.

رئيس الوزراء البالغ من العمر 66 عاماً، والمعروف بفصاحته، هو دبلوماسي مخضرم يحظى باحترام واسع، كما أنه وزير متمرّس تولى حقيبة الخارجية على مدار الأعوام الثمانية الماضيّة.

وتربطه، من خلال جدّه حمد، قرابة بـمبارك الكبير، فصباح الخالد هو ابن حفيد مبارك الكبير الذي يُشكّل المتحدّرون منه الفرع الحاكم في أسرة الصباح. وهو أيضاً ابن أخت الأمير. ويتعزز هذا الانتماء إلى السلالة الحاكمة من خلال زواجه بكريمة سالم العلي الصباح، عميد الأسرة الحاكمة ورئيس الحرس الوطني.

بيد أن صباح الخالد عُيِّن في أعقاب أزمة، أطاحت بحكومة سابقة، ويباشر مهامه قبيل أشهر من الانتخابات المقرر انعقادها في العام 2020، أي في وقتٍ سيعمد فيه بعض النواب إلى عرض عضلاتهم لتسجيل نقاط من أجل ضمان إعادة انتخابهم. علاوةً على ذلك، وبسبب الانتخابات النيابية، لن تُعمّر حكومته طويلاً إذ يجب تعيين حكومة جديدة بعد الانتخابات. وقد أُخِذت جميع هذه العوامل في الاعتبار عند اختياره للوزراء في حكومته.

لقد استغرق صباح الخالد أربعة أسابيع لتشكيل الحكومة. وتُقدّم المحصّلة النهائية لمحة سريعة عن الاتجاه الذي ستسلكه هذه الحكومة. فقد انضم سبعة وزراء جدد إلى التشكيلة الحكومية، وهذا يعني أن نصف الحكومة يتألف من وجوه جديدة، ما يُعبّر عن نيّة رئيس الوزراء إحداث تغيير في النظام.

لكن هذا التوجّه يحدّ منه عودة وزراء لا يحبّذهم عددٌ كبير من أبناء المجتمع الكويتي. وهي أيضاً حكومة غير تقليدية نظراً إلى أنها حكومة شابّة وفقاً للمعايير السائدة في البلاد، فمتوسط أعمار وزرائها هو 48 عاماً.

لأول مرة في تاريخ الكويت، عُيِّنت ثلاث نساء في الحكومة. تتولى هؤلاء السيدات خمس حقائب وزارية، بينهن أول امرأة تشغل منصب وزيرة المالية في الخليج. في حين أن هذه الخطوة جديرة بالتنويه، إلّا أن الوقت أزف لتوسيع حصة المرأة في الحكومة بصورة دائمة. والأمل هو أن يصبح الأداء، لا الجندر، المعيار الأساسي في الحكم على الوزراء.

غياب التيارات الإسلامية وغيرها من الفصائل السياسية البارزة، يُضفي طابعاً تكنوقراطياً على الحكومة. لقد اتخذ رئيس الوزراء خيارات متوقعة بهذا الخصوص، عبر ترقية شخصيات بيروقراطية رفيعة المستوى داخل وزاراتها.

وفيما يتعلق بالتحصيل العلمي، تابع عشرة وزراء دراستهم في الخارج، ويحمل سبعة وزراء درجة الدكتوراة. لكن هذه الخلفية المثيرة للإعجاب على صعيدَي التحصيل العلمي والخبرات لا تعني أن الجدارة كانت العامل الأساسي في تعيينهم.

فتشكيل الحكومات الكويتية كان ولايزال يخضع لاعتبارات أخرى، مثل منظومة الكوتا، والمحاولات التي تُبذَل عن قصد لتمثيل مختلف المجموعات الكويتية. وقد اتّبع رئيس الوزراء القواعد غير الرسمية المعتمدة في هذا السياق عبر الإبقاء على الممارسة القائمة منذ وقت طويل بتسمية وزير لتمثيل الأقليّة الشيعيّة والعديد من الوزراء المنتمين إلى قبائل مختلفة. فضلاً عن ذلك، أُعيد تعيين وزيرَين، وهما نجلا وزيرَين سابقين، في الحكومة، مايعكس مدى رسوخ الروابط الأسرية في المجتمع الكويتي شديد التلاحم.

لأول مرة في تاريخ الكويت، لا يكون وزير الداخلية عضواً في الأسرة الحاكمة، وهو الاستثناء الوحيد في دول الخليج راهناً. فهل هي خطوةٌ نحو فتح الباب أمام المواطنين لتسلّم مناصب كانت حكراً على أسرة الصباح فقط؟ أم أنه مؤشرٌ على أن أعضاء أسرة الصباح غير مستعدّين للقبول بالمنصب في هذه المرحلة الحرجة؟

لا جواب واضح، لكن تركيبة الحكومات المقبلة سوف تساهم في توضيح الأمور. وعلى ضوء ذلك، تمثيل الأسرة الحاكمة ضئيل في الحكومة، حيث يقتصر على ثلاثة وزراء من آل الصباح، هم وزراء الدفاع والخارجية والصحة، وأحدهم يتولى أيضاً منصب نائب رئيس الوزراء.

يُشار إلى أن الحكومة السابقة كانت تضم عدداً أكبر من وزراء الأسرة الحاكمة، ثلاثة منهم في منصب نائب رئيس الوزراء (أحد هؤلاء الثلاثة في منصب نائب أول وهو منصب تم الغاءه في الحكومة الحالية).

لا يجب أن يُحكَم على رئيس الوزراء صباح الخالد انطلاقاً من تركيبة حكومته فقط. فالخطوات التي اتخذها قبل التشكيل كشفت الكثير عن أسلوبه في العمل. إذ يدرك صباح الخالد السبب الذي كان خلف استقالة رئيسَي الوزراء السابقين، وهي تحديداً اتّهامات الفساد.

لذلك يسعى إلى أن يكون شفّافاً. وفي هذا الصدد، وجّه "دعوة مفتوحة" غير مسبوقة للقاء وسائل الإعلام، وهي خطوة تجنّب أسلافه الإقدام عليها.

وطلب رئيس الوزراء أيضاً من كل مَن يملك معلومات عن الفساد بأن يتقدّم للتبليغ عنها. وقد تلقّف الكويتيون الدعوة بكل حماسة، وازداد عدد الحالات التي جرى التبليغ عنها بنسبة 60 في المئة مقارنةً بالمعدّل المعهود.

بالإضافة إل ذلك، استهل رئيس الوزراء اجتماعاته بلقاء مع ممثلين عن الهيئة العامة لمكافحة الفساد (نزاهة)، موجِّهاً بذلك رسالة بشأن أولوياته المتعلقة بالسياسات ورغبته في تنفيذ تمنيات الأمير. واجتمع صباح الخالد أيضاً برؤساء مجلس الأمة ومجلس القضاء الأعلى وديوان المحاسبة في مقرّ كل منهم.

بيد أن الفساد عميق الجذور المستشري في الكويت، لا يكفي لمكافحته وجود رئيس وزراء يتمتع بالإرادة اللازمة. ينبغي على حكومته أن تجعل المعركة ضد الفساد في رأس قائمة أهدافها.

وسوف يكون جدول الأعمال الذي ستعلن عنه الحكومة قريباً والقرارات الأولى التي سيتخذها الوزراء، بما في ذلك ملء العديد من المناصب الشاغرة برتبة وكيل وزارة ، مؤشراً معبِّراً عن مستوى الجديّة بهذا الخصوص.

في عهد الأمير صباح الأحمد الصباح، شكّل رئيس الوزراء السابق ناصر المحمد سبع حكومات وعيّن 53 وزيراً بين عامَي 2006 و2011، في حين شكّل رئيس الوزراء جابر المبارك سبع حكومات وعيّن 57 وزيراً بين عامَي 2011 و2019.

وحتى لو لم يكسر صباح الخالد أياً من هذين الرقمَين القياسيين، ستظل حكومته أو حكوماته تعاني الهشاشة. تجنّباً لذلك، عليه أن يكسر حلقة الفساد وضعف الفاعلية وأن يطبّق الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الموعودة، بمايحافظ على الشفافية والجرأة اللتين تميّزت بهما انطلاقة ولايته في رئاسة الوزراء. ولن يتحقّق ذلك إلّا إذا تبنّت الحكومة الجديدة روحية التغيير الإيجابي وقاومت إغواء العودة إلى الأساليب القديمة.

* د. بدر موسى السيف زميل غير مقيم بمركز كارنيغي للشرق الأوسط، تهتم أبحاثه بالخليج وشبه الجزيرة العربية.

المصدر | ديوان - مركز كارنيغي للشرق الأوسط

  كلمات مفتاحية