برقيات تجسس سرية تكشف كيف مارس سليماني نفوذه الهائل بالعراق

الاثنين 6 يناير 2020 11:54 م

على مدي العقود الأربعة التي انقضت منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979، عدد قليل من القادة الإيرانيين هم الذين حققوا مكانة، كالتي حققها اللواء "قاسم سليماني"، القائد العسكري الذي قتل في غارة جوية أمريكية، يوم الخميس.

بعد غزو العراق عام 2003، ظهر "سليماني" باعتباره العدو الأكثر قدرة في البلاد، تجاه الولايات المتحدة الأمريكية، ووصف الجنرال الأمريكي، "ديفيد بترايوس"، "سليماني" بأنه "شخصية شريرة حقا" وذلك في خطاب بعثه الأول إلى "روبرت جيتس"، الذي كان حينها وزيرا للدفاع.

على مر السنين، اكتسب "سليماني" سمعة كقائد عسكري مخيف، كان يسيطر على شبكة من ميليشيات تحركها دوافع أيدولوجية، تعمل بالوكالة في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

وتظهر صورة أكثر دقة لـ"سليماني" من أرشيف تم تسريبه لبرقيات تجسس إيرانية سرية حصلت عليها "ذي إنترسبت"، وتم عمل هذه الوثائق من قبل ضباط من وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية، أو وزارة الداخلية، المتمركزة في العراق بين عامي 2013 و2015، عندما كانت الحرب الإيرانية ضد "الدولة الإسلامية" في أوجها، وكان "سليماني" يدير الأمور.

وتكشف التقارير كيف كان يُنظر إلى "سليماني" في بعض أركان مؤسسة الاستخبارات الإيرانية، والصورة التي تظهر لا تتماشي دائما مع الصورة العامة التي تم صنعها بعناية شديدة للجنرال باعتباره "استراتيجيا لا يقهر".

بينما كانت تحتدم الحرب التي تقودها إيران ضد تنظيم "الدولة"، أعرب الجواسيس الإيرانيون سرا عن قلقهم من أن التكتيكات الوحشية الي يفضلها "سليماني" ووكلاؤه العراقيون كان ترسي أسسا لرد فعل كبير ضد الوجود الإيراني في العراق، وتم أيضا انتقاد "سليماني" بشأن ادعاءات تتعلق بالمباهاة بذاته خلال القتال.

ساعدت صور القائد الإيراني في ساحات القتال في جميع أنحاء العراق في بناء صورته كقائد عسكري مبدع، لكن تلك الصورة الضخمة كانت تحوله أيضا كرمز للإرهاب للعديد من العراقيين العاديين.

بعض البرقيات تحدد تواريخ لظهور "سليماني" في ساحة المعركة، واجتماعات مع كبار المسؤولين العراقيين، بينما توضح برقيات أخرى أنشطة الميليشيات التابعة له بالعراق.

كقائد لقوة نخبة القدس، ذراع العمليات الخارجية لفيلق الحرث الثوري، كان "سليماني" لديه أكثر من منافس قوي بوزارة الاستخبارات الإيرانية.

في بعض الوثائق، انتقد ضباط مخابرات "سليماني"، في إبعاد المجتمعات العربية السنية، والمساعدة في خلق ظروف، قد تبرر تجدد الوجود العسكري الأمريكي بالعراق.

في عام 2014، أعربت وزارة الداخلية في وثيقة عن أسفها، جزئيا لأن "سليماني" قدم دوره كقائد للعديد من الميليشيات الشيعية العراقية التي تقاتل تنظيم "الدولة"، وألقى السنة العراقيون باللوم على الحكومة الإيرانية الذيي عانى الكثيرون منهم على أيدي هذه القوات نفسها.

وناقشت الوثيقة الهجوم الأخير الذي قامت به القوات المدعومة من إيران ضد مقاتلي تنظيم "الدولة" في المجتمع السني الزراعي في جرف الصخر، واشتمل الهجوم على عدد من عناصر المجموعات الشيعية بما في ذلك جماعة سيئة السمعة تعرف باسم "عصائب أهل الحق".

ونجحت الميليشيات في هزيمة "الدولة الإسلامية"، لكن انتصارها سرعان ما أفسح المجال أمام ارتكاب مذبحة عامة بحق السكان المحليين، ما حول حلاوة الانتصار إلى مرارة، على حد تعبير أحد الضباط.

وورد في الوثيقة أنه "من اللازم والضروري، وضع بعض الحدود على أعمال العنف التي تشن ضد السكان السنة الأبرياء في العراق، وإلا فسيستمر العنف بين الشيعة والسنة، في الوقت الحالي، كل ما يحدث للسنة بشكل مباشر أو غير مباشر، ينظر إليه على أنه قد تم من قبل إيران حتى عندما لا يكون لإيران أي علاقة بذلك".

ورأت الوثيقة نفسها بأن الترويج العلني لدور "سليماني" في الحرب كان موجها صوب بناء رأس مال سياسي في إيران، ربما لترشيحه مستقبلا لمنصب الرئيس، لكنها احتوت أيضا على معلوما أكثر دقة في شخصية قائد فيلق القدس، وكيف يرى نفسه.

وأشارت الوثيقة إلى أن "سليماني" كان يكن مشاعر مودة تجاه رئيس الوزراء التركي السابق، "أحمد داود أوغلو"، الذي كان حليفا مقربا للرئيس التركي، "رجب طيب أردوغان"، لفترة من الزمن، كان "داود أوغلو" يعتبر القوة الفكرية وراء سياسة تركيا الخارجية.

"سليماني"، كان لديه علاقات قديمة مع "أحمد داود أوغلو"، ويقارن دوره في إيران مع دور شخص مثل "داود أوغلو" في السياسة التركية، وفقا للتقرير السري.

ومع ذلك، فإن تصور "سليماني" الذاتي قد تطور مع مرور الوقت، فمع حلول عام 2014، وبينما كانت الحرب بالوكالة الإيرانية ضد "الدولة الإسلامية" في أوجها، كان قد بدأ ينظر لنفسه على نحو أقل كمفكر سياسي، وعلى نحو أكثر كقائد للجيش والمخابرات يشبه "هاكان فيدان"، رئيس جهاز المخابرات التركي القوي.

لا يحتوي تقرير وزارة الاستخبارات على مزيد من التفاصيل حول علاقات "سليماني" مع كبير المسؤولين الأتراك، لكن التحول الواضح في تصوره الذاتي يواكب التطورات في المنطقة، فمثلما ساعد "فيدان" في توجيه حرب بالوكالة التركية في سوريا، كانت إيران تكثف من جهودها المماثلة في العراق.

وفى أواخر عام 2014، ووفقا للوثائق المسربة، كان هناك بالفعل برنامج موسع لإرسال مقاتلي الميليشيات الشيعية العراقية إلى إيران للتدريب، والإعداد الأيديولوجي، ولعب الحرس الثوري الإيراني دورا حاسما في هذا البرنامج.

استمر مقاتلو الميليشيات الشيعة في قتال "الدولة الإسلامية"، لكنهم اتهموا في بعض الأحيان بشن حرب طائفية عشوائية داخل العراق وتقويض الحكومة المنتخبة في البلاد.

تحتوي وثائق المخابرات الإيرانية السرية على نظرة فاحصة لكيفية تنظيم هذه الحملة التدريبية مع تسليط الضوء أيضا على الأسباب غير الاعتيادية، لسعي العراقيين لطلب دعم "سليماني" والحرس الثوري.

وفي اجتماع عقد في سبتمبر/أيلول 2014 في القنصلية الإيرانية في البصرة، أخبر قائد ميليشيا عراقية عنصرا استخباراتيا إيرانيا أنه يريد أن يتم إدارة مقاتليه تحت السيطرة الإيرانية، بدلا من توجيههم من قبل الجيش العراق أو وحدات الحشد الشعبي، التي تشكلت لقتال تنظيم "الدولة".

وأبلغ القائد محاوره الإيراني أن لديه بالفعل 600 مقاتل مدربين تدريبا جيدا ويعتزم زيادة ميليشياته في المستقبل القريب، لكنه كان قلقا من أن قواته قد تفقد انضباطها العقائدي دون إرشاد إيراني.

وقال إن العديد من المتطوعين في الحشد الشعبي "ربما حتى لا يصلون"، وأضاف أن بعض القادة وحتى الجنود في قوات الأمن العراقي يشربون الخمر، طلب القائد من العنصر الاستخباراتي الإيراني أن "ينسق لهؤلاء الجنود، ليخضوا لقيادة إيران"، خشية أن تضرر معنويات مقاتليه وانضباطهم بطريقة أو بأخرى.

لكن يبدو أن بعض العراقيين قاموا بإضفاء الطابع الرومانسي على الحرس الثوري الإيراني، ووجد بعض مقاتلي الميليشيات الذي أرسلوا إلى إيران للتدريب التجربة لم تلب توقعاتهم المرتفعة.

"لسوء الحظ، فإن أولئك الذين نرسلهم إلى إيران لتلقي التدريب ليسوا راضين عن الوضع الثقافي في إيران"، أبلغ قائد قوات آخر خضعت قواته للتدريب بالفعل في إيران لعنصر استخباراتي تابع لوزارة الاستخبارات، وفقا لتقرير صدر في نفس الشهر.

واشتكى هذا القائد من أن "الإخوة في الحرس الثوري الإيراني، يصلون فقط الصلوات الخمس، وأن المقاتلين الإيرانيين لم يكن لديهم الحماسة في ممارساتهم الدينية، كما توقع المتدربون العراقيون".

وانتهى المطاف بهذه الميليشيا العراقية بلعب دور مهم، وإن كان مثيرا للجدل، في الحرب ضد تنظيم "الدولة"، وفى أعقاب مقتل "سليماني"، يجدون أنفسهم في مرمى الجيش الأمريكي.

في غضون 24 ساعة من الضربة التي قتلت قائد قوة القدس، وقعت غارة أخرى شمال بغداد، ما أسفر عن مقتل وجرح العديد من أفراد الميليشيا التي تدعمها إيران.

هناك علامات قوية على أن هذه الحملة بدأت للتو، في وقت متأخر من يوم الجمعة، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أنها أدرجت عصائب أهل الحق، الذي شارك في مذبحة 2014 في جرف الصخر، كمنظمة إرهابية اجنبية وفرضت عقوبات على العديد من قيادتها.

وعلى المدى القصير، من شبه المؤكد أن العنف سوف يتصاعد في الشرق الأوسط، وفي وقت متأخر السبت، وجه الرئيس الأمريكي تهديدا استفزازيا بقصف 52 هدفا تم اختيارها داخل إيران إذا قامت إيران بالرد على مقتل "سليماني"، بما في ذلك المواقع الثقافية الإيرانية.

لكن إيران لا تحتاج حتى إلى الرد العنيف لفرض ثمن مقتل قائد قوة القدس، فردا على الغضب واسع النطاق من الغارة التي أودت بحياة "سليماني"، تعهد رئيس الوزراء العراقي، الذي تم وصفه في وثائق وزارة الداخلية بأنه له علاقة خاصة مع إيران، والذي يتمتع بدعم "سليماني" الشخصي عندما طالبت الاحتجاجات بإزاحته الخريف الماضي، تعهد يوم الجمعة الماضي بعقد جلسة برلمانية لمراجعة وضع القوات الأمريكية في العراق، وبحلول يوم الأحد، كان البرلمان قد صوت على طرد الجيش الأمريكي من البلاد.

إذا جعلت الحكومة العراقية القوات الأمريكية تغادر، ردا على مقتل "سليماني" فسيكون هذا فصلا آخر في قصة أصبحت مألوفة، على غرار الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، فإن هذا العمل العدواني الأخير (مقتل "سليماني") قد يكون بمثابة نجاح تكتيكي للولايات المتحدة ينتهي به الأمر بتوفير انتصار استراتيجي لإيران.

المصدر | ذي إنترسبت - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

قاسم سليماني الجنرال قاسم سليماني اغتيال قاسم سليماني

العراق يطالب مجلس الأمن الدولي بإدانة الضربة الأمريكية