جيوبوليتيكال فيوتشرز: ما هي الخطوة التالية لأمريكا وإيران؟

الثلاثاء 7 يناير 2020 06:53 م

لفهم المواجهة الحالية بين إيران والولايات المتحدة، قد نبدأ بالحروب الفارسية البابلية. لكن، لمزيد من التحديد، يمكننا فقط أن نبدأ بقرار الولايات المتحدة سحب قواتها من العراق بعد انتخاب "باراك أوباما".

وتم الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 دون معارضة من إيران، بل دعمت الأخيرة الغزو بشكلٍ خفي. وخاض العراق وإيران حربا وحشية خلال الثمانينيات؛ أسفرت عن سقوط مليون قتيل، وكلفت البلدين نحو 5 مليارات دولار. ولم يمضِ وقت طويل على ذلك حتى بالغ العراق بتقدير موقفه بغزو الكويت؛ ما أدى إلى اندلاع حرب الخليج  الثانية.

وبالنسبة لإيران، كانت سيطرة السنة على العراق تهديدا وجوديا. لذلك، كانت طهران مسرورة برؤية سقوط "صدام حسين"؛ لأن غيابه كان سيخلق لها فرصة للسيطرة على الحكومة التالية.

وذهبت الحرب إلى مسار مختلف. وواجهت الولايات المتحدة الطموحات الشيعية؛ حيث تولى الرئيس الأمريكي السابق "بارك أوباما" منصبه ملتزما بإيقافها، وخطط لسحب معظم القوات الأمريكية وليس جميعها، وبناء جيش عراقي يتألف من كل من السنة والشيعة الأصدقاء للولايات المتحدة.

 وعارضت إيران، بطبيعة الحال، هذا الأمر. لكن بعد ذلك، جاء تنظيم "الدولة"، الذي أجبر واشنطن على الإبقاء على قواتها في العراق، وتسبب في تدخل إيران حتى لا تسقط السلطة في بغداد من جديد في أياد سنية. وتعاونت الولايات المتحدة وإيران مع بعضهما في تلك المعركة.

ومع ذلك، كان الطرفان حذرين بشكل كبير من بعضهما البعض؛ بسبب تطلعات إيران النووية. وأسفر سعي طهران للأسلحة النووية عن فرض عقوبات ضخمة على البلاد، وإلى هجوم إلكتروني إسرائيلي واسع على مرافق التخصيب النووي الإيراني؛ ما أعاق البرنامج بشكل كبير. وأدى ذلك إلى إعادة فتح إمكانية إبقاء القوات الأمريكية في البلاد، وذلك في الوقت الذي كان فيه الرئيس الحالي "دونالد ترامب" يتولى مهام منصبه.

وقال "ترامب" إنه يريد تقليص الأثر العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط، لكنه فضل أيضا تغيير النظام في إيران. وكان لهذا التناقض الظاهر علاقة بمنطق الانسحاب الأمريكي.

وبالنسبة لإيران، تُعتبر السيطرة المباشرة على العراق أو تحييده على الأقل ضرورة جيوسياسية، لكن طهران لا تستطيع تحمل حرب أخرى. وبعد الحرب ضد تنظيم "الدولة"، تسبب انسحاب القوات الأمريكية، وترك عدد صغير جدا من القوات في ترك إيران في وضع قوي للغاية. وفي الوقت نفسه، حافظت إيران على عدد من الجماعات المؤيدة لها في لبنان وسوريا واليمن والعراق، وكانت تدعم نظام "بشار الأسد" حتى قبل التدخل الروسي.

بمعنى آخر، استخدمت إيران عملياتها في مختلف البلدان، بالإضافة إلى استغلال انخفاض عدد القوات الأمريكية لإنشاء مجال هائل من النفوذ، فيما يعرف باسم "الهلال الشيعي"، الذي يمتد من إيران إلى البحر المتوسط ​​وصولا إلى بحر العرب.

وتابع هذه الاستراتيجية سلسلة من جنرالات النخبة الإيرانيين، مثل "قاسم سليماني". إذ انتقلت إيران من الدفاع عن نفسها فقط أمام العراق إلى الظهور كقوة رئيسية في الشرق الأوسط.

  • التصعيد مع الولايات المتحدة

وتشكلت النظرة الأمريكية الحالية لإيران إلى حد كبير في حقبة ما بعد عام 1979، مع احتلال السفارة الأمريكية في طهران، وقصف ثكنات المارينز في بيروت. وفي حين أنه من الصحيح أن إيران مسؤولة عن كلا الحادثين، إلا أنه صحيح أيضا أن إيران أكثر براجماتية مما يتم تصويره في بعض الأحيان. فهي تتعاون مع الولايات المتحدة عندما تحتاج إليها، وتتصرف بشكل عدائي عندما لا يحدث ذلك. وهذا سلوك طبيعي إلى حد ما، لكنه يخلق حالة من الارتباك يجب على واشنطن التعامل معها.

لذلك، عندما حان الوقت لتحويل انتباهها إلى طهران بعد هزيمة تنظيم "الدولة"، كان لدى واشنطن استراتيجيتان. تتمثل الأولى في رعاية تحالف دولي لتقويض مجال النفوذ الإيراني المتنامي. والأعضاء الرئيسيون في هذا التحالف هم (إسرائيل) والسعودية والإمارات.

وركزت (إسرائيل) على مهاجمة الأصول الإيرانية في سوريا، وربما في لبنان. وكان السعوديون والإماراتيون يقاتلون وكلاء إيران الشيعة في اليمن. وفي العراق، حيث اندلعت معركة بين السنة، الذين فقدوا سلطتهم منذ سقوط "صدام"، والشيعة في البلاد، وقعت إدارة هذه المعركة على عاتق الجنود وضباط الاستخبارات الأمريكيين، الذين كانوا لا يزالون في البلاد.

وتمثلت الاستراتيجية الثانية في زيادة العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران؛ ليس بسبب برامجها النووية أو الصاروخية الباليستية، لكن لتذكير إيران بمخاطر التوسع في مجال نفوذها. وألحقت العقوبات أضرارا بالغة بالاقتصاد الإيراني، كما اندلعت الاحتجاجات والاعتقالات المرتبطة بالتراجع الاقتصادي.

ولم تتعرض الحكومة في طهران لتهديد بسبب العقوبات، لكنها كانت كافية لشل الاقتصاد، وإثارة الاضطرابات الداخلية، وبالتالي تطلبت الرد. وكانت هناك أعمال شغب في لبنان والعراق، بشكلٍ هدد النفوذ الاجتماعي السياسي الإيراني. بعبارة أخرى، كانت المكاسب التي حققتها إيران أمام خطر أن تنعكس، في حين كان الاقتصاد الإيراني ذاته يعاني الضعف.

وكانت إيران بحاجة إلى حل. وكان هدفها الأول إظهار ضعف الولايات المتحدة كضامن للاستقرار الإقليمي، وإبراز قدرة الإيرانيين على فرض ضغوط اقتصادية مضادة، وفي أسوأ الأحوال، الاستعداد للتدخل الأمريكي، والذي سيكون غالبا بقوة غير كافية بما قد يعزز موقف الحكومة الإيرانية، وبما يوفر قضية جديدة تجتمع عليها جموع الجماهير والميليشيات التي ترعاها إيران.

وكانت المحاولة الأولى لذلك في الخليج العربي؛ حيث استولى الإيرانيون على عدة ناقلات نفط. وكان الأمل في أن يؤدي ارتفاع أسعار النفط والضغط على مستهلكي النفط في الولايات المتحدة إلى وقف العمليات العدائية ضد إيران. لقد كان تكتيكا منخفض المخاطر وعالي الفائدة، لكنه فشل في النهاية في تحقيق أهدافه، خاصة بعد أن رفضت الولايات المتحدة شن هجوم جوي على إيران ردا على ذلك، ودعمت بشكل غير مباشر مصادرة المملكة المتحدة ناقلة إيرانية قبالة ساحل جبل طارق.

وكانت المحاولة الثانية بالهجوم على منشأة نفط سعودية عبر "الحوثيين" اليمنيين. وتم تصميم هذه المحاولة أيضا لزيادة أسعار النفط، وتشجيع السعوديين على إعادة النظر في علاقتهم مع التحالف المدعوم من الولايات المتحدة. ومرة أخرى، لم يحقق الهجوم هدف إيران النهائي.

وكانت إيران في وضع محفوف بالمخاطر بشكل متزايد. فقد استمرت الاضطرابات الداخلية بسبب العقوبات. وكان مجال نفوذها تحت الضغط على كل الجبهات، خاصة في لبنان والعراق؛ حيث تتزايد المشاعر المعادية لإيران.

  • التوترات الأقرب

واستدعى تدهور موقف إيران نظر الحكومة في المزيد من الإجراءات الحازمة، خاصة في العراق. وكان التصرف، كما حدث في مرات عديدة من قبل، عبر "فيلق القدس"، فرع النخبة من قوات الحرس الثوري الإيراني، بقيادة "قاسم سليماني".

ومثل قوات العمليات الخاصة الأمريكية، يتخصص "فيلق القدس" في تدريب ودعم القوات المتحالفة في الخارج، بما في ذلك "حزب الله" في لبنان، وقوات "الحشد الشعبي" في العراق.

وعندما جرى مهاجمة القواعد الأمريكية في العراق، كان الافتراض أن الهجمات تم التخطيط لها، وربما تنفيذها، عبر ميليشيات يدعمها "فيلق القدس"، مثل "كتائب حزب الله" العراقية.

وسواء كانت الولايات المتحدة تعلم قبل أو بعد الهجمات أن "سليماني" كان في العراق بعد رحلة إلى سوريا، كان من الواضح أنه تم التخطيط لعمليات كبرى ضد أفراد دبلوماسيين وعسكريين أمريكيين في العراق ولبنان وسوريا. وكان إلقاء القبض على "سليماني" سيكون كارثيا على إيران. وكانت إيران تواجه مخاطرة كبيرة بالنظر إلى معرفة "سليماني" بقدراتها التشغيلية. ويعني هذا أن الإيرانيين قرروا التصعيد إلى ما بعد الهجمات السابقة.

وكان "فيلق القدس" مكلفا بمهاجمة منشآت محددة لتقويض القدرة العسكرية أو الاستخباراتية أو لتحقيق أهداف نفسية وسياسية. وعلى أي حال، مع رؤيته بالقرب من مطار بغداد، علمت الاستخبارات الأمريكية أنه لم يكن هناك فقط لترتيب الأوضاع، بل كان هناك لتصحيح خلل ما في النفوذ الإيراني في بلاد الشام. بعبارة أخرى، كان يعمل مع وكلائه في العراق لتنفيذ عمليات كبيرة. وارتأت الولايات المتحدة أنه لا يجب السماح بتنفيذ هذه العمليات بأي شكل، وأن قتل "سليماني" كان ضرورة عسكرية.

ويجب أن يُصاغ كل هذا في السياق الاستراتيجي. فلا تريد الولايات المتحدة الانخراط في عمليات مكثفة في المنطقة. وتعتمد واشنطن على العقوبات والوكلاء بدلا من ذلك.

ولا تزال إيران ترغب في الحفاظ على مجال نفوذها في البحر المتوسط، لكن قبل كل شيء، لديها أولوية أكبر في تحييد العراق واستقراره. ولا يمكن لإيران أن تسمح للعراق بأن يصبح معقلا للقوات المناهضة لها، ولا يمكنها شن حرب تقليدية ضد الولايات المتحدة و(إسرائيل) والسعودية والإمارات. لذلك يجب على إيران استخدام ما استخدمته بشكل فعال في الماضي، أي العمليات الخاصة والسرية التي يمكن إنكارها.

ومعنى ذلك أن إيران ستأخذ كامل وقتها للرد. ويترتب على ذلك أن الولايات المتحدة وحلفاءها، بعد أن اشتروا الكثير من الوقت بقتل قائد "فيلق القدس"، يجب عليهم الآن استخدام هذا الوقت بفعالية.

المصدر | جيوبوليتيكال فيوتشرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مقتل سليماني قوات أمريكية النفوذ الإيراني الحكومة العراقية

روحاني وماكرون يبحثان تداعيات اغتيال سليماني

هكذا تربح إيران وتخسر إسرائيل والخليج من اغتيال سليماني

ستراتفور: مقاربات حساسة للقوى العالمية تجاه الأزمة الإيرانية الأمريكية