فورين بوليسي: إيران تستطيع أن تجد سليماني آخر

الأربعاء 8 يناير 2020 01:35 م

كانت إحدى أقوى الحجج لقتل "قاسم سليماني" - قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني منذ فترة طويلة، والذي قُتل في غارة جوية أمريكية الأسبوع الماضي – أنه كان خطيرًا بشكل غير عادي، وربما بشكل فريد أيضًا.

قابلية الاستبدال

أعلن "مارك دوبويتز"، وهو من الصقور المناهضين لإيران في مؤسسة "الدفاع عن الديمقراطيات"، أن "سليماني كان معادلاً لقائد قيادة العمليات الخاصة المشتركة الأمريكية ومدير وكالة المخابرات المركزية ووزير الخارجية الإيراني الحقيقي"، ووصف مقتله بأنه "مدمر" للحرس الثوري الإيراني و النظام الايراني.

عبر "أندرو إكسوم"، المسؤول السابق في إدارة "أوباما"، عن مشاعر مماثلة، حيث كتب في مجلة "ذا أتلانيك": "كان سليماني النسخة الإيرانية المجمعة من "ديفيد بترايوس" و"ستان ماكريستال" و"بريت ماكجورك"، جميعهم في شخص واحد [لأول مدير المخابرات المركزية السابق والثاني قائد سابق للعمليات الخاصة المشتركة والثالث مستشار خاص سابق في المجلس القومي الأمريكي]".

وأضاف "إكسوم" أن إيران تواجه نقصًا في رأس المال البشري، قائلًا: "لا أعرف أي إيراني كان غير قابل للاستبدال في تحقيق طموحات حكومته في الشرق الأوسط، بقدر سليماني".

إن دور سليماني الرئيسي وإيلاء الحكومة الإيرانية الأهمية لإنجازاته يجعل من السهل المبالغة في فكرة عدم قابليته للاستبدال.

سوف يجلب خليفة "سليماني" - نائبه العميد الجنرال "إسماعيل قاني" - بالطبع مهارات ومواهب مختلفة لهذا المنصب، لكنه سيرث أيضًا الشبكات والمؤسسات القائمة التي لم تكن تعتمد بشكل أوحد على الرجل الذي ساعد في بنائها.

خسارة جسيمة ولكن..

بالتأكيد، ليس هناك شك في أن مقتل "سليماني" يمثل خسارة جسيمة لإيران، حيث يتمتع قائد الحرس الثوري الإيراني بخبرة طويلة في الحرب الثورية.

لقد رعى شخصياً العلاقات مع "حزب الله" اللبناني، و"الحوثيين" في اليمن، والحركات الفلسطينية، والمجموعات شبه العسكرية في العراق، والمكونات الأخرى لما أطلق عليه المحللون "شبكة تهديد إيران".

كما وُصِف بانتظام بأنه صاحب كاريزما، وبمرور الوقت مثلت خبرته وسمعته مميزات خاصة، بشكل كان مقنعًا بذاته للمحاورين الذين تعاملوا معه.

تحدث "سليماني" بنفسه باللغة العربية، وساعد في سد الفجوة الثقافية بين إيران الناطقة باللغة الفارسية والعديد من العملاء المحتملين في العالم العربي. لعب "سليماني" بالفعل دوراً مهماً في قيادة العمليات شبه العسكرية لإيران في المسارح الرئيسية مثل لبنان في التسعينيات، ثم أصبح أكثر أهمية لطموحات إيران مع انزلاق العراق إلى الفوضى عقب الغزو الأمريكي عام 2003، ونما دوره بشكل أكبر بعد الحرب الأهلية السورية عام 2011.

في كلتا الحالتين، تمكن "سليماني" من إدارة عملاء إيران بنجاح شديد، مما أدى إلى توسيع نفوذ إيران بشكل كبير.

كان "سليماني" شخصية مهمة أيضًا على المستوى المحلي، وعلى الرغم من أنه كان في البداية شخصية غامضة، إلا أن إيران قامت بمرور الوقت بتلميع صورته، مما منحه وضعًا ساحرًا وأيقونيًا باعتباره المدافع البطولي عن البلاد.

واجه النظام الإيراني مشاكل اقتصادية حادة، تُعزى جزئيًا إلى حملة "الضغط الأقصى" الأمريكية التي أعقبت الانسحاب الأمريكي من الصفقة النووية الإيرانية. وبوصف سليماني بطلًا يتم تصويره على أنه يقاتل أعداء البلاد؛ فقد قام بتعزيز هيبة النظام، حيث كان النظام يظهر دعاية متمركزة حول "سليماني" - مثل صوره مع الأطفال أو صوره مرتديًا الكوفية الفلسطينية - عندما كان يحتاج لتلميع مصداقيته عند الشعب.

قارن بعض المحللين بين اغتيال "سليماني" وقتل الولايات المتحدة لزعيم تنظيم القاعدة "أسامة بن لادن" وزعيم الدولة الإسلامية "أبو بكر البغدادي"، لكن هذه المقارنة غير موفقة، فغالباً ما تعتمد الجماعات الجهادية السنية اعتمادًا كبيرًا على القائد صاحب الكاريزما، أما إيران والحرس الثوري الإيراني فيعتمدان على المؤسسات بشكل جيد، وهو ما تبين في قرار خلافة "سليماني" السريع.

إيران تعتمد على المؤسسات

تشير المحللة للشأن الإيراني، "سوزان مالوني"، إلى أن إيران فقدت في الواقع قادة في ساحة المعركة بشكل منتظم منذ الأيام الأولى للثورة، ومع شن الحرس الثوري لحرب غير تقليدية منذ سنوات عديدة، فإن لديه دكة احتياط فيها الكثير من الضباط ذوي الخبرة.

كان "سليماني" بالطبع ضابطًا ماهرًا، ولكن إحدى السمات المميزة للقادة العظماء هي أنهم ينشؤون مؤسسات ويلهمون الآخرين. بالإضافة إلى ذلك، فإن لدى إيران تقاليد بمكافأة الضباط العدوانيين، مما يشير إلى أن خلفاء "سليماني" قد يكونون أيضًا متحمسين للمواجهة.

قد تتمثل المقارنة الأنسب في مقتل "سليماني"، في "حزب الله" اللبناني، وهو الحليف الأهم والأقوى لإيران. ففي عام 1992، قتلت (إسرائيل) قائد "حزب الله"، "عباس موسوي"،  فيما بدا قرارًا منطقيًا بالنظر إلى مهارة "موسوي" والكاريزما الخاصة به، وكذلك البراعة التي أظهرها "حزب الله" فيما يقرب من عقد من القتال ضد (إسرائيل) آنذاك.

لكن "حزب الله" قائم على المؤسسات بشكل جيد ولديه دكة احتياط كبيرة من القادة ذوي الخبرة، وهكذا تبين أن "حسن نصر الله"، الذي حل بديلًا لـ"موسوي"، كان أحد أكثر قادة المقاتلين كاريزما وكفاءة في عصرنا.

وسّع الحرس الثوري الإيراني شبكاته في الشرق الأوسط والعالم تحت قيادة "سليماني". لكنه بالطبع لم يكن يدير كل الشبكات أو حتى معظمها بشكل يومي، وترك ذلك لأتباعه، بما في ذلك خليفته الآن "قاني"، الذي كان ناشطًا في أفغانستان ومسارح أخرى، وهكذا، ستظل التفاصيل العملية للعلاقات كما هي حتى مع تزعم قائد جديد.

فرصة لتجاوز الاضطرابات

ستحاول إيران أيضاً أن تعزز لدى الشعب صورة "سليماني" كشهيد، والحقيقة إنها بدأت تفعل ذلك بالفعل في دعايتها عبر إرسال جثته إلى مدن أضرحة متعددة في إيران للحداد.

في الوقت الحالي، يحتشد الإيرانيون ضد الضربة، مما يسمح للنظام بتجاوز الاضطرابات التي ابتليت بها البلاد لعدة أشهر، على الأقل حتى الآن. من المرجح أيضًا أن يمجد الحرس الثوري الإيراني على وجه الخصوص "سليماني" في السنوات المقبلة، مستخدمين مثاله لإلهام الحرس ككل.

لكن سُمعة "سليماني" قد تكون هي الشئ الذي لا يمكن تعويضه، على الأقل في المدى القصير، ومع ذلك، فالأبطال هم شئ يمكن صناعته.

يستخدم النظام الإيراني الدعاية بمهارة، ويمكنه تصعيد نجم "قاني" أو قائد آخر لملء دور المدافع البطولي الذي احتله "سليماني" لدى النظام.

لذا فإن مقتل "سليماني" ضربة لقوات الحرس الثوري الإيراني وقدرات إيران الشاملة. ومع ذلك، سيكون من الخطأ افتراض أن موت قائد عسكري واحد، بغض النظر عن مدى هيبته، سيغير بشكل كبير إما سياسات إيران أو قدرتها على إحداث الفوضى في جميع أنحاء العالم.

المصدر | فورين بوليسي - ترجمة الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

قاسم سليماني مواجهة ايران فيلق القدس الحرس الثوري الإيراني

جيوبوليتيكال فيوتشرز: ما علاقة هجوم كينيا بمقتل سليماني؟

رويترز: إيران تستثمر في وسائل لمواجهة غير مباشرة مع أمريكا