نيويوركر: كيف تقرأ إسرائيل التصعيد بين إيران والولايات المتحدة؟

الجمعة 10 يناير 2020 10:19 م

في الولايات المتحدة، كانت التحليلات المبكرة لاغتيال إدارة "(دونالد) ترامب" للواء "قاسم سليماني"، قائد قوات "فيلق القدس" الإيرانية، تميل إلى أن تكون مصحوبة بتحليلات مقابلة لمجموعة الخيارات الإيرانية المتاحة للانتقام، مثل الهجمات على السفن في الخليج العربي، وضرب الأصول النفطية السعودية، واستهداف القوات الأمريكية في العراق، وتنفيذ عمليات ضد (إسرائيل)، وتخريب البعثات الدبلوماسية المختلفة، بشكل كان يوحي بأن مثل هذا الرد أمر لا مفر منه.

ولم يكن التساؤل حول إن كان سيأتي، بل أين سيأتي. ومن خلال هذا الاستدلال، كانت مبررات الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، التي أعلنها، يتم وزنها إن كانت عملية مبررة أو لا وفق العواقب المنتظرة. كما قال الجنرال "ديفيد بترايوس" لـ "فورين بوليسي": "ﻻ نبالغ في خطورة هذا. لقد كان سليماني المهندس والقائد التشغيلي للجهد الإيراني الراسخ للسيطرة على ما يسمى بالهلال الشيعي، الذي يمتد من إيران إلى العراق إلى جنوب لبنان مرورا بسوريا. 

وبعد مقتل "سليماني"، ورد أن المرشد الأعلى الإيراني "علي خامنئي" أبلغ مجلس الأمن القومي التابع له بأن رد إيران لا ينبغي أن يتم تنفيذه عبر الوكلاء، بل عبر القوات الإيرانية، في هجوم مباشر متناسب على المصالح الأمريكية. وفي تغريدة لـ "ترامب"، أكد أنه إذا حدث ذلك، فإن إدارته تخطط لمهاجمة 52 هدفا إيرانيا، وهو رقم يذكر بعدد الرهائن الأمريكيين الـ 52 الذين تم احتجازهم في طهران عام 1979.

وفي وقت مبكر من صباح الأربعاء، جاء أول رد إيراني؛ حيث أطلقت وحدات من الحرس الثوري الإسلامي أكثر من 10 صواريخ باليستية على قاعدتين عسكريتين في العراق حيث تتمركز القوات الأمريكية. ولم ترد أنباء عن وقوع إصابات، وكان الضرر ضئيلا على ما يبدو. وفي وقتٍ لاحق من صباح الأربعاء، في خطابٍ مقتضب من البيت الأبيض، قال "ترامب"، بشيء من الشماتة، إن إيران "تبدو وكأنها عاجزة".

وبعد إعلان إيران تخليها عن شروط الاتفاق النووي، دعا "ترامب" حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وهي منظمة سخر منها كثيرا، للقيام بدور، وكرر تهديداته وعقوباته ضد إيران، لكنه قال إنه مستعد "للسلام مع كل من يسعى إليه".

ومهما فعل "ترامب"، أو لم يفعل، كرد فعل، فإن النظر في أي تحرك عسكري دون حساب للعواقب لا يرقى إلى مستوى الخطة الاستراتيجية. ويلوح خطر التصعيد في المنطقة. وحتى مع تفوق أمريكا الجوي، تظل إيران تملك الأرض. وكان الوابل الصاروخي أقل الخيارات الاستراتيجية لإيران.

فبعد مقتل "سليماني"، الذي جاء عبر غارة جوية بطائرة بدون طيار بالقرب من مطار بغداد، دعا البرلمان العراقي القوات الأمريكية لمغادرة تلك البلاد التي تتمتع بأغلبية شيعية، وهدد "ترامب" بفرض عقوبات اقتصادية على العراق، لكن ذلك سيضر برئيس الوزراء "عادل عبد المهدي"، الذي وعد المدن، التي انفجرت بها المظاهرات مؤخرا، بجلب الاستثمار الأجنبي.

ولا يتحدث أحد عن مصير القواعد الأمريكية في العراق، الأمر الذي يجعل استمرار القتال ضد "الدولة الإسلامية" موضع تساؤل، ناهيك عن النتائج الهزيلة للحرب الأمريكية الرهيبة هناك. وفي هذه الأثناء، يدين النظام السوري ببقائه لإيران، ويظل "حزب الله" المدعوم من إيران يسيطر على لبنان، حيث حذر زعيمه "حسن نصر الله" من أن "الانتحاريين" في جميع أنحاء المنطقة سيجعلون الأمريكيين "مهانين مهزومين خائفين".

ولكن كيف كانت (إسرائيل) تنظر إلى كل هذا؟ حسنا، يبدو مقتل "سليماني" مختلفا تماما في (إسرائيل) عما هو عليه الحال في الولايات المتحدة، حيث رأت في تلك العملية تحركا أكثر حسما إلى حد ما، إن لم يكن موصى به من قبلها، في شكل حلقة جديدة من لعبة تمارسها في المنطقة منذ أعوام .

وقال رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو"، الذي قيل إن وزير الخارجية "مايك بومبيو" أبلغه بالضربة الأمريكية مقدما، إن "ترامب يستحق التقدير الكامل"، رغم أنه حاول بعد ذلك إخلاء مسؤولية (إسرائيل) عن القتل، ووصفه بأنه "عملية أمريكية".

ووصف "بيني جانتس"، زعيم المعارضة الذي يحاول إحراج "نتنياهو"، الهجوم بأنه "قرار شجاع". ولم يدِن أي زعيم حزب كبير علانيةً عملية القتل. ويوم الأحد، كتب "أليكس فيشمان"، المراسل الأمني ​​لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، التي تتخذ من تل أبيب مقرا لها: "لأعوام، حاولت (إسرائيل) دون جدوى تسخير الولايات المتحدة لمواجهة عسكرية مع إيران. ويوم الجمعة، نجحنا أخيرا".

ويقدم "فيشمان" الأمور صريحة للغاية، لكنه لم يخرج عن السياق العام لخبراء الأمن الإسرائيليين، الذين اعتبروا أنه من المسلم به أن تخوض (إسرائيل) حرب استنزاف مع إيران وعملائها، "حماس" في غزة و"حزب الله" في لبنان وسوريا. ويفترضون أيضا أنه على الرغم من قدرات (إسرائيل) النووية، فإن برنامج إيران النووي وتطويرها للصواريخ الموجهة، يشكل تهديدا خطيرا، إن لم يكن وجوديا.

ومنذ أكتوبر/تشرين الأول، عندما بدا "ترامب" مستعدا للتخلي عن الأكراد الذين يقاتلون شمالي سوريا، خشي خبراء الأمن الإسرائيليون من أن راعيهم الأمريكي يظهر علامات على الانسحاب من المنطقة. وكان خوفهم الأكبر هو أن يترك (إسرائيل) لمواجهة إيران وحدها.

ولكن يبدو أن اغتيال "سليماني" غيّر جزءا من المفاهيم الإسرائيلية عن "الردع"، فقد أصبح قتل القادة جزءا من اللعبة. وعندما تمت مقابلة "عاموس يادلين"، المدير التنفيذي لمعهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، الذي شغل سابقا منصب رئيس الاستخبارات العسكرية ونائب قائد سلاح الجو الإسرائيلي، حول عملية الاغتيال، على موقع "واي نت" الإخباري، ذكر اغتيال "عماد فايز مغنية"، قائد "حزب الله"، في عملية مشتركة بين جهاز الموساد ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.

وقال "يادلين" إنه كما فعل قادة "حزب الله"، فإن القادة الإيرانيين سيردون الآن بطريقة محسوبة. ويفترض جميع خبراء الدفاع تقريبا نوعا من تقسيم العمل في هذه المنافسة الإقليمية، حيث تردع الولايات المتحدة برامج إيران النووي والصاروخي، وتتحمل (إسرائيل) مسؤولية مواجهة القدرات الصاروخية لوكلائها.

وأضاف "يادلين" أن الإيرانيين "لا يريدون حقا الدخول في حرب مع أعظم قوة في العالم. وسوف يتسبب أي هجوم واسع النطاق، مثل الهجوم الذي هدد به القادة الإيرانيون، الجمعة، ضد 32 موقعا، بما في ذلك تل أبيب، في جلب القوة الأمريكية الساحقة، بما في ذلك قاذفات صواريخ بي1 وبي2، وكل ما تملكه الولايات المتحدة".

ولم يكن على "يادلين" أن يضيف أنه إذا  أرسل "حزب الله" عشرات الآلاف من الصواريخ والقذائف، فإنه يثير شبح كيفية قيام سلاح الجو الإسرائيلي بالرد. وفي الأشهر الأخيرة، نفذ سلاح الجو الإسرائيلي عشرات الهجمات في سوريا، وحتى في العراق. وقال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الجنرال "أبيب كوتشافي"، الشهر الماضي، في مؤتمر عقد في "هرتسليا": "إلى جانب القيود المفروضة على برنامجها النووي، تواصل إيران تطوير صواريخ يمكنها الوصول إلى الأراضي الإسرائيلية. ونحن نبذل جهودا كبيرة لضمان عدم حصول أعدائنا على أسلحة دقيقة، وسنفعل ذلك في العلن والسر، حتى مع خطر نشوب صراع".

ومنذ أكتوبر/تشرين الأول، تشعر (إسرائيل) بالقلق من أن إدارة "ترامب" غير ملتزمة تماما تجاه دورها في المنطقة. وقد أخبرني "يادلين"، في ذلك الوقت، أن التخلي عن الأكراد "أعطى إيران دفعة غير مباشرة، ومنحها طريقا بريا مباشرا عبر العراق إلى سوريا، ومن هناك إلى لبنان، لتدير عملياتها حول الخليج".

وقد هاجمت إيران سفن الشحن في الخليج، ثم هاجمت حقول النفط السعودية، وأسقطت حتى طائرة أمريكية بدون طيار قيمتها 100 مليون دولار. وقال "يادلين" إن "التصور هو أن الأمريكيين" يرغبون في فرض عقوبات، وعلى استعداد لتقديم مساعدات اقتصادية"، مضيفا: "عندما يتعلق الأمر بالخيار العسكري، فإنهم  (الأمريكيين) مترددون للغاية". مؤكدا أن (إسرائيل) لا تحتاج إلى مساعدة عسكرية أمريكية، لكن هذا الانسحاب يعني تخفيض "الردع".

ومن المفترض أن عملية اغتيال "سليماني" قد قلبت الأمور. وقال رئيس سابق آخر للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، وهو "أهارون زئيفي فركش"، للإذاعة الإسرائيلية، الأحد، إن "سليماني" كان في وضع فريد "لمواصلة نشر الثورة"، ليس في المقام الأول لإبادة (إسرائيل)، ولكن لبناء العلاقات الإيرانية مع المتمردين من اليمن إلى سوريا إلى غزة، وربما يثبت الاغتيال أنه كان ضرورة.

وقال "فركش" إنه، مع ذلك، فإن "النظام الإيراني براجماتي"، حتى أن "سليماني" والرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" عملا  معا مع الاستخبارات الأمريكية المركزية لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق.

ولا يريد الإيرانيون أي هجوم أمريكي آخر؛ لذا فإن أولويتهم القصوى هي "عدم خسارة العراق"، وبالتالي خسارة الجسر البري من طهران إلى بيروت. علاوة على ذلك، فإنهم يعلمون أن مواقعهم النووية معرضة بشكل خاص للهجوم الجوي. وكما قال مسؤول دفاع إسرائيلي سابق رفيع المستوى، في مايو/أيار 2018، بعد أن أصبح "جون بولتون" مستشار "ترامب" للأمن القومي، إن إدارة "ترامب" ستجد الهجوم على المنشآت النووية "أمرا مغريا"، بوجود "الأدوات الدقيقة التي طورتها أمريكا لضرب المواقع والعمليات النووية الإيرانية".

وأبدى "عوزي عراد"، الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي لـ "نتنياهو" من عام 2009 إلى عام 2011، ملاحظة حول أن أكثر المواقع النووية الإيرانية معرضة للخطر. وقال: "يعلم القادة الإيرانيون أن أمريكا لا يمكنها ضرب المنشآت النووية فحسب، بل وأيضا قواعدها العسكرية، وموانئها البحرية، وأيضا منشآت الحرس الثوري".

ويعتقد "عراد" أن كلا الطرفين سوف يتطلع الآن إلى التهدئة، وأن "ترامب" لا يرغب في تغيير النظام في إيران. وقال "عراد" إن ما يبدو هو أنه يريد فقط تخويف النظام الإيراني، وما يثبت ذلك قوله: "يقال إن إيران لم تفز مطلقا في حرب ولم تخسر أبدا أي مفاوضات". ثم مرة أخرى، اعترف "عراد" أنه إذا استمر التصعيد وسوء التقدير، فلا يعرف أحد أبدا، خاصة مع "ترامب"، إلى أين قد تؤول الأمور.

وقال: "نأمل أن يتسبب الخوف من سوء التقدير المتبادل في إعادة الجانبين إلى الحكمة. لكن الحسابات الخاطئة ممكنة". وقد يجد "ترامب" نفسه في حلقة متبادلة من التصعيد، ليتحول الأمر إلى ما يشبه الحرب، ومن ثم يغير موقفه من تغيير النظام.

ويفضل "يادلين" و"عراد" وفركش" جميعا، على عكس "ترامب"، الحفاظ على الاتفاق النووي الإيراني. وهم ينأون جميعا بأنفسهم عن لامبالاة "نتنياهو" بمبادرات السلام مع فلسطين. واقترح معهد الدراسات الاستراتيجية القومية خطوات مؤقتة أحادية الجانب لتنفيذ حل الدولتين. وقد ترشح "يادلين" ضد حكومة "نتنياهو" عام 2015 كوزير للدفاع في قائمة معارضة تضمنت "حزب العمل".

ومع ذلك، يعتقد "يادلين" و"عراد" أن لدى إيران فرصة لاختبار المسار الدبلوماسي بعد الاتفاق النووي، من خلال الموافقة على المفاوضات حول تقليص برنامجها الصاروخي، على سبيل المثال، كوسيلة لتجنب العقوبات المتبقية، وإلا تفضل الاستمرار في مغامرتها الإقليمية. وفي هذا السياق، يُنظر إلى عملية "ترامب" ضد "سليماني"، على أنها انعكاس لمثل هذه المغامرة.

ويقول المسؤولون العسكريون الإسرائيليون، بشكل متكرر، إن نظرية الردع لديهم تأخذ في الاعتبار دوافع العدو وقدراته. لكن هذه النظرية، القائلة بأنه إذا كانت القوة العسكرية الإسرائيلية هي ما يخيف قوات العدو، فعندما تكتسب هذه القوات قدراتها، فإن دوافعها ستتغير دون وعي، وتجعل الخوف هو الدافع، لذا إذا شعرت بالخوف من أن  يهاجمك العدو، فإنك تتخيل أنه سيفعل ذلك لا محالة.

وبالنسبة لـ (إسرائيل)، فقد سيطرت عليها تلك الفكرة أساسا قبل حملة سيناء عام 1956، عندما هاجمت مصر لتدمير طائرات سوفيتية كانت مصر قد حصلت عليها مؤخرا. ولم يتغير هذا التفكير قط. فكما هو الحال الآن، جندت (إسرائيل) قوى عظمى للقتال إلى جانبها؛ حيث تواطأت مع فرنسا وبريطانيا، لاحتلال قناة السويس. ثم، كما هو الحال الآن، اتبعت (إسرائيل) الهجمات الدورية لبناء الردع كأمر روتيني. لقد أصبحت حالة الحرب لدى (إسرائيل) طبيعية.

لكن في المقابل، يظهر خطر كبير، يمثله "نتنياهو"، وهو أنه طالما شعر القادة الإسرائيليون بأنهم في حالة من الردع الناجح، فإنهم يتوقفون عن تخيل كيف للدبلوماسية طويلة الأجل أن تكون أكثر إلحاحا من الخطوات الفورية لإبادة قدرات العدو.

ومع وجود "حزب الله" في لبنان، قد تكون حرب (إسرائيل) في الشمال طبيعية الآن. ولا يكاد موقف أمريكا تجاه إيران والشرق الأوسط بأسره يضاهي موقف (إسرائيل) من وكلاء إيران. لذا فإن مسؤوليات أمريكا أقل إلحاحا وتعقيدا.

وبالنسبة لـ "ترامب"، تظل الدبلوماسية خيارا قائما. ولا شك في أن العديد من خبراء الأمن الإسرائيليين، بمن فيهم "يادلين"، لديهم نفس الفكرة. وقد أثبت الاتفاق النووي الإيراني أن الحرب مع إيران ليست حتمية.

المصدر | برنارد أفيشاي / نيويوركر - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مقتل سليماني العلاقات الإيرانية الإسرائيلية دونالد ترامب

بعد اغتيال سليماني.. إسرائيل تترقب رد إيران وتصرف ترامب