المحور التركي الروسي.. نفوذ يتمدد من سوريا إلى ليبيا

الاثنين 13 يناير 2020 04:46 م

من آن لآخر، يشهد مسرح الأحداث في المنطقة العربية تغيرات درامية يتراجع معها الثقل السياسي لبلدان وتحالفات ومحاور، في مقابل تزايد فعالية دول ومحاور أخرى، ويأتي "المحور التركي - الروسي" على رأس هذه المحاور التي تزداد فاعليتها، حيث بات التحالف الضمني بين أنقرة وموسكو محركا رئيسيا في العديد من ساحات الصراع الساخنة في المنطقة.

تؤكد المبادرة التركية - الروسية لوقف إطلاق النار في ليبيا، الذي دخل حيز التنفيذ ابتداءً من يوم الأحد 12 يناير/كانون الثاني الجاري، على هذه الحقيقة، حيث بات من الواضح أن تحالف المصالح بين أنقرة وموسكو باتت له الكلمة الأقوى ميدانيا في ليبيا خلال وقت قصير، بشكل أجبر الجنرال المدعوم من مصر والإمارات والسعودية "خليفة حفتر" على وقف هجومه على العاصمة طرابلس، على الأقل في الوقت الراهن.

فما الذي يحدث في خارطة موازين القوى بالمنطقة؟ وما سر فعالية المحور التركي الروسي؟ وهل يمكن أن يمتد تحالف المصالح بين البلدين إلى قضايا وبلدان أخرى؟

تساؤلات عدة تطرح نفسها في ظل صراع إقليمي ودولي محتدم على الساحتين الليبية والسورية، حيث تتنافس جميع الأطراف الفاعلة، الإقليمية منها والدولية، لتأمين مصالحها السياسية والأمنية، ونيل نصيبها من ثروات المنطقة من النفط والغاز، وتأمين حصصها في عقود إعادة الإعمار في البلدين اللذين دمرتهما الحرب.

أوراق أنقرة

بين عشية وضحاها، تبدل المشهد في ليبيا، من حيث اللاعبين والقوى المؤثرة والوكلاء، فضلا عن القوى الأجنبية الداعمة لمختلف الأطراف في الصراع طويل الأمد الذي اندلعت شراراته في 2011، مع الإطاحة بالزعيم الليبي الراحل "معمر القذافي".

وقعت اللحظة الفارقة في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إثر قيام الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" بتوقيع مذكرتي تفاهم مع رئيس الحكومة الليبية "فايز السراج"، تتعلقان بالتعاون الأمني والعسكري، وتحديد مناطق الصلاحية البحرية لكلا البلدين.

ورغم أن العلاقات الودية بين أنقرة وحكومة الوفاق - المعترف بها دوليا - تمتد إلى ما قبل الاتفاق الأخيرة، فإن المذكرة الأمنية منحت أنقرة شرعية للتدخل في الصراع الليبي بضوء أخضر من الحكومة المعترف بها، وهو تدخل تهدف أنقرة من خلاله تحقيق عدة مصالح في آن واحد.

أولها الحفاظ على حصتها في غاز شرق المتوسط، وتأمين نصيبها من الكعكة الثمينة لإعادة إعمار ليبيا، واسترداد ديون وتعويضات مستحقة للحكومة والشركات التركية لدى ليبيا منذ عهد "القذافي" تقدر قيمتها بحوالي 2.7 مليار دولار.

ويمكن القول إن قرار تركيا إرسال جنودها إلى ليبيا لدعم حكومة طرابلس حرك المياه الراكدة، وبدأ في موازنة الموقف العسكري الميداني الذي كان قد بدأ يميل بشكل كبير إلى "حفتر" وأنصاره، كما أنه أربك حسابات المحور العربي الداعم لـ"حفتر"، والذي تتقدمه الإمارات ومصر، ومن ورائهما فرنسا وبشكل ما روسيا.

لعبة الشطرنج

بخلاف ذلك، يبدو أن دبلوماسية أنقرة النشطة، وحزمها العسكري، نجحا في تحفيز بعض دول الجوار للدخول على خط الأزمة، والحيلولة دون استئثار القاهرة وأبوظبي بالقرار الليبي، وهو ما ظهر بوضوح في موقف الجزائر التي قررت التخلي عن سباتها السياسي، وكشرت عن أنيابها في مواجهة ما وصفته بـ"العدوان" من قبل "حفتر" وداعميه على الحكومة الشرعية في ليبيا، معلنة أن "طرابلس خط أحمر" بالنسبة للجزائر.

بالمثل، لعب الرئيس التونسي الجديد "قيس سعيد" دورا دبلوماسيا في حقن الدماء ودعم الشرعية في البلاد عبر لقائه مع ممثلي المجلس الأعلى للقبائل والمدن الليبية، لبحث إمكانية إطلاق مبادرة لحل الأزمة الليبية.

نجحت تركيا مبكرا إذن في كسر احتكار مصر والإمارات لأوراق القوة في الصراع الليبي، وعبر استغلال علاقاتها مع روسيا التي تطورت خلال الصراع السوري، نجحت أنقرة في كسب شرعية سريعة لدورها في ليبيا من خلال مبادرة وقف إطلاق النار، التي لقيت استجابة من طرفي النزاع.

وفي تأكيد على المكتسبات التركية، أيد اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، الذي تم عقده بشكل طارئ في بروكسل، أيد اتفاق وقف إطلاق النار التركي الروسي.

وفي محاولة لاستعادة زمام المبادرة، أكد الوزراء الأوروبيون على أهمية انعقاد مؤتمر برلين نهاية الشهر الجاري لإعادة إطلاق المسار السياسي بحثا عن خارطة طريق تنهي الأزمة في البلاد.

ومن المقرر أن تشارك 11 دولة في مؤتمر برلين المنتظر، وهي: الولايات المتحدة، وروسيا، وفرنسا، وبريطانيا، والصين، بالإضافة إلى ألمانيا، وتركيا، وإيطاليا، ومصر، والإمارات، والجزائر، بينما لاتزال مشاركة كل من تونس وقطر في المؤتمر غير مؤكدة.

ومع تزايد اللاعبين على الساحة الليبية، تقلص الدور المصري - الإماراتي، مقابل تزايد نفوذ المحور التركي - الروسي، ودخول الجزائر كلاعب جديد نشط إلى الصراع، في ظل كونها أكبر المتأثرين بالوضع الأمني في ليبيا مع ارتباط البلدين بحدود يبلغ طولها نحو 1000 كم.

مناطق آمنة

من الواضح أن التنسيق التركي - الروسي في الملف الليبي يرتكز على شراكة استراتيجية وخبرات متراكمة من التجربة السورية، التي شهدت تعاونا لافتا للنظر بين الجانبين، وتفاهمات بشأن إعادة التموضع، في وقت تراجع فيه التأثير الأوروبي وانحسر الدور العربي في الصراع السوري.

وسهلت التفاهمات بين أنقرة وموسكو لتركيا تنفيذ عمليات عسكرية نوعية لتأمين حدودها مع سوريا، أبرزها عمليات "درع الفرات"، و"غصن الزيتون"، و"نبع السلام"، إضافة إلى عقد ترتيبات لتسيير دوريات مشتركة، وإنشاء مناطق آمنة لإعادة اللاجئين السوريين إلى أراضيهم، وفرض قرارات هدنة في إدلب وغيرها.

ويوفر التصعيد الأمريكي تجاه تركيا، جنبا إلى جنب مع تحالف واشنطن مع قوات سوريا الديمقراطية الذي تصنفها أنقرة كمنظمة إرهابية، مزيدا من الدوافع لأنقرة لتعزيز تنسيقها مع روسيا، ومع ذلك، لا يمكن إغفال وجود خلافات في وجهات النظر بين البلدين بشأن مستقبل نظام "بشار الأسد"، وشكل ومكونات المعارضة السورية.

وما بين قمتي إسطنبول، وسوتشي، كان المحور التركي - الروسي فاعلا رئيسيا في مسار أستانة إلى جانب إيران، والمعني في المقام الأول برسم معالم المشهد السوري القادم، بما في ذلك خريطة الحل السياسي، والنتائج المرتقبة من اجتماع اللجنة الدستورية بجنيف.

ويتمدد هذا الدور إلى صياغة استراتيجيات المرحلة المقبلة، بما في ذلك مستقبل الأكراد، وحجم تواجد القوات الإيرانية على الأراضي السورية، بل طبيعة نفوذ الولايات المتحدة داخل الملعب السوري.

وفيما تتواصل التفاهمات الروسية - التركية في سوريا، يبدو أن البلدين يتجهان لتدشين اتفاق "أستانة جديد" في ليبيا ظهرت معالمه جليا في إعلان وقف إطلاق النار، وإجبار طرفي النزاع "حفتر" و"السراج"، على الجلوس إلى مائدة المفاوضات في موسكو، وليس في أي عاصمة عربية أو أوروبية، وهي إشارة ذات مغزى لا تخطئها عين.

ولا شك أن إنجاز تسوية سياسية في ليبيا، سيضيف إلى رصيد محور "أنقرة - موسكو" بوصفه طرفا فاعلا ومؤثرا في رسم مستقبل المنطقة العربية، وقد يتمدد دور هذا المحور إلى ملفات أخرى، مع الأخذ في الاعتبار أن اتفاق أو تباين المصالح هو ما يحكم تحركات جميع القوى خلف الكواليس.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

بلومبرج: فريق تركي روسي سيراقب وقف إطلاق النار في ليبيا

الانهيار الخطير للتحالف الأمريكي التركي

تركيا تربط إرسال قوات إضافية لليبيا بوقف إطلاق النار

تعزيزات عسكرية تركية تصل إلى الحدود السورية