كيف تحولت الجامعة العربية إلى أداة في يد محور الثورات المضادة؟

الأحد 2 فبراير 2020 09:35 م

بات انحسار دور جامعة الدول العربية في ملفات المنطقة الحيوية أمرا معتادا، لكن الأمر زاد عبر تحولها إلى طرف في الأزمات التي تشهدها المنطقة، حيث توجه لها الاتهامات بتأجيج العديد من الصراعات في المنطقة.

ومن هذا التراجع في دور الجامعة العربية، والشكوك المتزايدة في حياديتها، فإن العديد من البؤر العربية الساخنة تحولت إلى ساحات صراع مفتوحة اجتذبت قوى إقليمية دولية، وهو ما ظهر تحديدا في الأزمة الليبية، مع دخول روسيا وتركيا وأوروبا إلى خط الأزمة.

وزاد تقزم الجامعة، خلال السنوات الأخيرة، تحديدا منذ العام 2011 مع انطلاق شرارة الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن والبحرين وعمان، ولاحقا إبان موجته الثانية في السودان والجزائر ولبنان والعراق.

دولة المقر

لا يمكن بأي حال من الأحوال فصل أسباب انحسار دور الجامعة العربية، بل تحولها إلى الخصم بالنسبة إلى العديد أعضائها، عما تمر به دولة المقر (مصر) من ظروف سياسية منذ الانقلاب العسكري في يوليو/تموز 2013.

وتقف مصر إلى جانب كل من الإمارات والسعودية والبحرين، في محور يعرف إعلاميا بـ"محور الثورات المضادة"، بسبب الدور الذي قامت به هذه الدول قتل انتفاضات الربيع العربي، وعكس مكاسب الثورات الشعبية.

لاحقا، تورط هذا المحور ذاته في تفتيت الإجماع العربي بعد قيام الدول الأربع بفرض حصار ضد قطر منذ يونيو/حزيران 2017.

وزاد الطين بلة -إن صح التعبير- مع تورط ذاته في تأجيج الصراع الليبي، وقيام القاهرة وأوظبي والرياض على وجه التحديد بتقديم الدعم إلى الجنرال "خليفة حفتر"، في جهوده للانقلاب على حكومة "الوفاق" (معترف بها دوليا)، والسيطرة بالقوة العسكرية على العاصمة طرابلس.

والعام الماضي، اتهم المجلس الأعلى للدّولة الليبي، الجامعة العربية، بأن بياناتاها وقراراتها باتت رهينة لحسابات وأجندات دول عربية بعينها، في إشارة إلى مصر والإمارات.

اجتماع طارئ

وعقب بدء هجوم "حفتر" على طرابلس في 4 أبريل/نيسان الماضي، طلبت حكومة "الوفاق" الليبية، عقد اجتماع طارئ لمجلس الجامعة لبحث العدوان على طرابلس، دون استجابة.

لكن في ديسمبر/كانون الأول الماضي، عقدت الجامعة اجتماعا طارئا؛ لبحث التدخل التركي في ليبيا، منددة بقرار البرلمان التركي بإرسال قوات لدعم حكومة طرابلس، دون التطرق للتدخل المصري والإماراتي لصالح "حفتر".

واعتبر مندوب الوفاق الليبية، لدى الجامعة، "صالح الشماخي"، أن موقف الجامعة يخضع لتدخلات وضغوط دول داعمة لـ"حفتر"، متهما إياها بأنها تكيل بمكيالين وهدد بانسحاب بلاده منها.

وانتقد المندوب الليبي، الاستجابة السريعة لطلب عقد الاجتماع، بينما الجامعة العربية لم تستجب للطلب الذي تقدمت به ليبيا، منذ بداية "العدوان الغاشم" لحفتر على العاصمة طرابلس، بحسب وصفه.

وأضاف المندوب الليبي مؤكدا: "تجاهلت الجامعة الأمر تماما، ولم يقم أمينها العام (المصري أحمد أبوالغيط) بأية مبادرات، بل ولم نسجل له زيارة ليبيا طوال السنوات الماضية، رغم إلحاحنا وطلبنا المتكرر.. طيلة 9 أشهر من العدوان والجامعة تغط في سبات عميق".

وردت الجامعة، على اتهامات "الوفاق"، ملقية اللوم في ذلك على الدول التي لم تكمل النصاب القانوني لعقد اجتماع لهذا الغرض، وفق تصريحات أحد مسؤولي الأمانة العامة.

الأمين العام

في الوقت نفسه، يواجه "أحمد أبوالغيط"، الأمين العام للجامعة ووزير خارجية مصر الأسبق، اتهامات بالتورط في تطويع قرارات وبيانات الجامعة، لصالح دولة المقر، وحلفائها الخليجيين.

وفي ما اعتبر سقطة دبلوماسية، لها دلالاتها، نقل عن "أبوالغيط" تأكيده أن "التدخلات العسكرية غير العربية (في إشارة إلى تركيا) في الأراضي العربية تظل مرفوضة إجمالا من الدول العربية"، دون إدانة التدخلات المصرية والإماراتية والسعودية في الصراع الليبي.

ومنذ توليه المنصب منتصف العام 2016، دأب "أبوالغيط"، على مهاجمة ثورات الربيع العربي، رافضا تسميتها بـ"الربيع"، ومحملا إياها المسؤولية عن الدمار وانتشار التطرف والإرهاب في المنطقة.

وزاد بالقول، في تصريحات له عام 2018: "هناك خطأ يجب أن نقف في وجهه ونقومه، موجود حاليا، أدى إلى انتشار موجات التطرف والإرهاب، وهو ما يسمى بثورات الربيع العربي".

3 دول

ويعتقد الباحث اليمني "ياسين التميمي"، أن جامعة الدول العربية "باتت مرتهنة بالكامل لإرادة 3 دول، لا يمثل التضامن العربي أحد أهدافها".

واتهم "التميمي" السعودية ومصر والإمارات، بالعمل على "تفكيك المنظومة العربية، وإنهاء دور مجلس التعاون الخليجي، والتورط في صراعات ذات كلفة عالية، ونتائج كارثية، كالتي نراها في سوريا واليمن وليبيا وحتى في مصر نفسها".

ويؤكد الكاتب العراقي "نظير الكندوري"، أن مواقف الجامعة العربية تسير وفق بوصلة ومواقف الحكام العرب الحاليين، وتخضع لمصالح قوى بعينها.

ويضيف أن "الجامعة العربية ليست مستقلة في قراراتها، ولا تمثل الرأي العام للشعوب العربية في الدول التي تمثلها"، لافتا إلى أن "كل التوصيات التي خرجت بها الجامعة لم يكن لها تأثير في تغيير سياسات الدول الكبرى"، بحسب "الأناضول".

وإزاء تغييب الجامعة العربية، وارتهان قراراتها المتعلقة بالأزمة الليبية، وفق بوصلة عواصم بعينها، سارعت قوى إقليمية ودولية، مثل تركيا وروسيا، ولاحقا ألمانيا والجزائر، إلى ملء الفراغ العربي سياسيا ودبلوماسيا.

وخلال الشهر الماضي، كانت أنقرة وموسكو مسرحا لمفاوضات تهدف إلى دفع مسار الحل السياسي في ليبيا، أعقبتها برلين باستضافة مؤتمر دولي للهدف ذاته، ثم الجزائر باستضافة مؤتمر دول الجوار الليبي، في غياب واضح للجامعة العربية.

إزاء تلك المعطيات، يمكن القول إن غياب دور الجامعة كدور فاعل على مسرح الأحداث، طيلة السنوات الماضية، ليس جديدا، لكن الخطير تحولها إلى طرف في الصراع، لمصلحة أطراف على حساب أخرى، وتورطيها عمدا لخدمة مصالح محور الثورات المضادة.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

بعد الجامعة العربية.. البرلمان العربي يهاجم تركيا