الحسابات الخفية وراء صمت الدول العربية على صفقة القرن 

الجمعة 31 يناير 2020 10:04 ص

بينما يملي عمليا الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" على الفلسطينيين شروط السلام الإسرائيلية، غابت أي ردود فعل رسمية نارية من العواصم العربية، وبدت الدول العربية غارقة في الصمت والترحيب الضمني.

تطرح مواقف الدول العربية سؤالا عن كيفية تغير العالم خلال عقود قليلة فقط؛ فعلى سبيل المثال عام 1973 وفي خضم حرب السادس من أكتوبر/ تشرين الأول بين مصر و(إسرائيل) لجأ العرب إلى استخدام النفط كسلاح فعال ضد الولايات المتحدة وكل الدول الغربية، التي دعمت (إسرائيل) في حربها.

على إثر ذلك، ارتفع سعر النفط آنذاك أربعة أضعاف ما دفع بالاقتصاد الأمريكي ومعها اقتصادات الدول الغربية إلى ركود اقتصادي خانق استمر سنوات وتسبب في ظاهرة واسعة للبطالة في الدول الصناعية الكبرى.

أيضا في عام 1979 وبعد زيارة الرئيس المصري الراحل آنذاك، "أنور السادات"، إلى (إسرائيل) والتفاهم بشأن مسار السلام المصري الإسرائيلي،  جمدت الجامعة العربية عضوية مصر ونقلت مقرها من القاهرة إلى تونس وفرضت مقاطعة اقتصادية على القاهرة.

لكن العالم الآن لم يشهد إلا بيانات خجولة في بعض الدول العربية تحمل بعض العبارات الرافضة للخطة ولكن دون بيانات رنانة وطنانة، على عكس ما كان في الماضي.

الأكثر مفاجأة، أن سفراء بعض الدول مثل دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين وعمان كانوا حاضرين أثناء إعلان "ترامب" و"نتنياهو" "صفقة القرن"، والأكثر من ذلك لفتاً للانتباه هو ما قاله السفير الإماراتي في واشنطن بعد إعلان "ترامب"، حيث وصف خطة الرئيس الأمريكي بـ"الخطة الجدية" وبـ "نقطة انطلاق مهمة" لمفاوضات مستقبلية تحت رعاية الولايات المتحدة، حسب تعبيره.

لكن من اللافت أيضا أن أيا من الدول العربية لم تعلن رسميا دعمها ووقوفها مع تصورات "ترامب" حول "السلام"، وفي نفس الوقت لم تبدِ الدول العربية أي انتقادات شديدة اللهجة ضد "ترامب" وإدارته.

على سبيل المثال، ذكرت الخارجية السعودية في بيان "أن المملكة تثمن جهود ترامب بشأن خطة سلام شامل"، مؤكدة "دعمها لإجراء مفاوضات سلام مباشرة تحت رعاية الولايات المتحدة".

وفي الوقت نفسه، ذكرت وسائل الإعلام الرسمية السعودية أن الملك "سلمان بن عبدالعزيز" أجرى اتصالا هاتفيا بالرئيس الفلسطيني "محمود عباس" للتأكيد على موقف المملكة "الثابت" من القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني.

مصر أيضا، دعت الإسرائيليين والفلسطينيين في بيان إلى "دراسة معمقة" للخطة.

أما الجامعة العربية فقد قررت عقد جلسة استثنائية على مستوى وزراء الخارجية، السبت المقبل.

الدولة الوحيدة التي كانت واضحة إلى حد ما في موقفها هي الأردن، فقد حذر وزير الخارجية "أيمن الصفدي" من "مخاطر إجراءات إسرائيلية أحادية الجانب".

وتعتبر المملكة الأردنية مجبرة على اتخاذ موقف يتسم بالشدة ولو ظاهريا، فغالبية سكانه من أصول فلسطينية، ومعظمهم من أحفاد اللاجئين الفلسطينيين، الذين فقدوا أراضيهم وممتلكاتهم بعد حرب عام 1948.

لكنه في الوقت نفسه، لا تستطيع المملكة الهاشمية عمليا فعل شيء؛ فرغم كل الاحتجاجات، يشتري الأردن الغاز من (إسرائيل)، كما تعتمد المملكة الفقيرة على مساعدات الدول المانحة، بينها الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية.

الثورة الإيرانية السبب

العدو الإيراني المشترك دفع أعداء الأمس إلى التحالف اليوم من أجل المستقبل، حيث إن عام 1979 يشكل علامة فارقة في مواقف الكثير من الدول العربية، خصوصا دول منطقة الخليج، بحسب مراقبين.

في ذلك العام، ظهرت إيران بنظام "إسلامي" يرفع راية "تحرير القدس" ويعتمد نهج "تصدير الثورة الإسلامية" وبدأت الدول العربية، خصوصا الخليجية، تعيد النظر في حسابات العدو والصديق.

في تلك المراجعات، خرجت (إسرائيل) من قائمة الأعداء التقليديين للحكام العرب، وزارت وفود إسرائيلية دولا عربية وخليجية والعكس حدث أيضا، وبات العلم الإسرائيلي يرفرف في عدة عواصم عربية. فيما فتحت (إسرائيل) مكاتب لها في دول لم تعترف بها رسميا.

لذلك بدا رد فعل القوى العربية على خطة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" للسلام في الشرق الأوسط أنه يعطي أولوية للعلاقات الوثيقة مع الولايات المتحدة، والتي تعد حيوية للتصدي لإيران، على حساب الدعم التقليدي الثابت للفلسطينيين.

وضرب رد فعل السعودية مثالا للتوازن‭‭ ‬‬الدقيق المطلوب الآن من دول عربية خليجية ومصر والأردن، التي تعتمد على الجيش الأمريكي أو على الدعم المالي للولايات المتحدة وتجد نفسها متعاونة مع واشنطن و(إسرائيل) في مواجهة إيران.

عبء القضية الفلسطينية

"يا لها من دلالة.. تبشر بالمستقبل.. يا لها من دلالة تبشر بالحاضر".. بتلك الكلمات أشاد"نتنياهو" بحضور سفراء الإمارات والبحرين وعمان اجتماع البيت الأبيض وسط تصفيق حاد.

الرافضون للصفقة لم يروها بشارة، إذ نددوا بحضور السفراء بوصفه "تخليا مخزيا" عن القضية الفلسطينية.

في العالم العربي، تعتبر الشعوب العربية (والأنظمة إلى وقت قريب) دعم الفلسطينيين، موقفا موحدا، لكن عددا من الأنظمة العربية قامت مؤخرا بخطوات مستقلة وعملية تجاه الخصم التاريخي (إسرائيل).

وقال الباحث في مؤسسة "تشاتام هاوس" البحثية البريطانية، "نيل كويليام"، إنه "لا توجد حكومة أو حاكم يرغب في أن ينظر إليه على أنه يبيع الفلسطينيين بثمن بخس ويقدم لـ"نتنياهو" نصرا كهذا وينتهي به المطاف بدفع الفاتورة".

وأضاف "في الوقت نفسه، فإن كل الدول ربما باستثناء مصر تعتمد على الولايات المتحدة ولن تخاطر بإغضاب ترامب بالنظر إلى ميله للتصرف مثل طفل عدواني".

كان العاهل السعودي قد أعلن في السابق للعرب أنه لن يوافق على أي خطة لا تعالج وضع مدينة القدس المتنازع عليها أو حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وسط تصورات بتغير موقف الرياض تحت قيادة ولي عهد السعودية الأمير "محمد بن سلمان"، الذي لديه علاقة وثيقة بـ"جاريد كوشنر"، مستشار "ترامب" وصهره والمهندس الرئيسي لخطة السلام الحالية.

ويقول المسؤولون الفلسطينيون إن الأمير "محمد بن سلمان"، الحاكم الفعلي للسعودية، ضغط على الرئيس الفلسطيني في السابق لدعم خطة "ترامب" رغم المخاوف الخطيرة.

وينفي المسؤولون السعوديون أي اختلاف بين الملك وولي العهد، وانتقد "نايف مدخلي"، وهو سعودي بارز غالبا ما ينشر تغريدات على "تويتر" داعمة للحكومة، خطة "ترامب" وقال: "لا وألف لا.. تسقط صفقة القرن".

ويتوقع المحللون أن يرفض معظم المصريين الخطة لكنها لن تمثل مشكلة لحكومة الرئيس "عبدالفتاح السيسي"، الذي يشن حملة صارمة بالفعل على المعارضة.

المصدر | الخليج الجديد + رويترز

  كلمات مفتاحية

صفقة القرن عبدالفتاح السيسي محمد بن سلمان

المجتمع المدني الفلسطيني: صفقة القرن تجاوز للخطوط الحمراء

كارتر يعتبر صفقة القرن انتهاكا للقانون الدولي