استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

تـحــركي يـا مـصـــر!

الخميس 30 يوليو 2015 10:07 ص

لم تغب عن بالي للحظة واحدة خلال الأيام الأخيرة عبارة وردت في حديث لمدير الاستخبارات الأميركية. قال «جون برينان» أن السياسة الخارجية يمكن أن تتسبب أحيانا بضرر يصيب الأمن القومي. جدير بالذكر أن المجلس الأميركي للشؤون الخارجية، أحد أجهزة المجتمع المدني المتخصصة في السياسة الخارجية والمستقلة عن الدولة، لم يترك هذا التصريح يمر من دون إعلان احتجاجه، وإن بأناقة.

لن أكون الكاتب السياسي الوحيد في مصر الذي حذر مرارا خلال أكثر من عقدين من الضرر الذي يمكن أن يصيب الأمن القومي لدولة ما بسبب تدخل أجهزة بيروقراطية أخرى غير وزارة الخارجية في صنع «سياسة خارجية» مستقلة وتنفيذها من دون التشاور مع الفروع الأخرى للأمن القومي.

في مناسبة أخرى، توقفت طويلا أمام الرسالة التي نشرها الأمير «بندر بن سلطان»، السفير الأسبق للسعودية في واشنطن، وصاحب الخبرة والعلاقات الوطيدة مع كثير من كبار موظفي البيت الأبيض. اهتمامي بالرسالة يعود إلى عبارة وردت فيها تنقل عن «هنري كيسنجر»، صديق الأمير، بحسب قوله، تحذيره من خيانة الدولة الصديقة، فضررها أكبر وأخطر من الضرر الناجم عن أعمال عدائية تقوم بها دولة غير صديقة.

أذكر جيدا أنه في لقاءات خاصة مع وزراء خارجية مصريين تولوا مسؤولية الديبلوماسية المصرية خلال العقدين الأخيرين، أعربوا عن استنكارهم لتشبث أجهزة في الدولة المصرية بصنع سياسة خارجية لا تحظى بالرضى العام الإقليمي والداخلي. ساد الشعور وقتها بأن قوى داخلية وخارجية تحاول قدر استطاعتها عزل مصر وتجميد نشاطها الإقليمي وإقامة جدار نفسي يحرمها من ممارسة حقها في المشاركة في الجهود المكثفة الساعية، في ذلك الحين، لتشكيل «بيئة أمنية إقليمية» جديدة في الشرق الأوسط.

لم يكن متاحا بالشكل المناسب داخل «مجتمع السياسة الخارجية»، وأقصد به الأجهزة والجمعيات والخبرات المتخصصة في عملية صنع وتحليل القرار في الشأن الخارجي. أقول، لم يكن متاحا التفكير بصوت عال وأسلوب علمي ورؤى مستنيرة وجريئة في مستقبل مصر الإقليمي. جرت محاولات ليست قليلة لتحريك ركود السياسة الخارجية المصرية وحلحلة العلاقات بين أجهزة صنع السياسة بعدما تيبست، لمصلحة فكر جديد ومرونة تستحقها المرحلة، ولكن دون جدوى.

تكسرت المحاولات كافة على صخرة موقف عنيد يرفض الحركة ويحذر من الابتعاد قيد أنملة عن الحاضر الساكن والمتحجر، ويكاد يكفر كل من يجازف بالتفكير في مستقبل لدور مصر ومكانتها الخارجية. أرادوا، فيما يبدو، الحفاظ على الأمن الداخلي وتحصينه ضد تداعيات أي تغيير في موقع مصر أو في جانب من جوانب سياستها الخارجية. وأظن أن هناك من يحاول حتى الآن إعادة فرض هذه السيطرة.

ندفع الآن ثمنا باهظا للتجاهل الذي أحبط معنويات أفراد السياسة الخارجية المصرية وكياناتها. مصر الآن ضحية اقتناع ساذج فرض علينا الركون مطمئنين إلى صداقات دول إقليمية وعالمية. ركدت حركتنا ورقد تفكيرنا وتركنا الإقليم يتشكل من حولنا ولكن بعيدا عنا، قطعة قطعة ولاعبا لاعبا، ونحن مستمتعون بأوهام «الصداقات الدولية»، وبخاصة صداقات دول كان الظن أنها لن تتخلى عنا. دول عظمى طلبت من أصدقائها الالتزام والطاعة والاطمئنان، بينما راحت ترتكب أخطاء جساما استفاد منها خصومها الذين صاروا بسبب انجرافنا في صداقات غير ذات معنى عميق أو هدف قومي أصيل، خصوما لنا وراحوا يحملوننا مسؤولية ما ارتكبه أصدقاؤنا الكبار.

لم ندرك في الوقت المناسب، أو بالذكاء المناسب، أن حروب أميركا كانت في بعض الأحوال مفيدة لآخرين. الحرب في أفغانستان أفادت الصين التي سوف تعتمد على كنوز المادة الخام المختزنة في بطون جبالها بعد انسحاب قوات الحلف الغربي. كذلك قدمت أميركا لإيران العراق هدية لا أثمن منها بعد حرب أهلكت العراقيين وضعضعت قواهم وشتتت وحدتهم وأجبرتهم على قبول أي بديل.

اصطف العرب وراء التدخل العسكري الأميركي في العراق عملا بواجب الصداقة، فخسروا العراق. واصطف الأفارقة خلف الولايات المتحدة لتقسيم السودان فخسروا جنوب السودان ويخسرون دارفور.

كنا أكرم أمم الأرض في تعامل حكامنا مع الولايات المتحدة حتى راحت فلسطين، وأفاق عرب كثيرون، لم يعرفوا في العالم غير أميركا صديقا، على اقتناع أن واشنطن خدعتهم في صفقتها الإيرانية!

نكتشف الآن أننا أهملنا في حق مصر ومكانتها، حين طبق بعض حكامنا بأمانة أو سذاجة، معايير الصداقة الدولية، ليعيشوا في أمان تحت حماية أميركا، أو ليعيشوا في رغد معونة سنوية لا أظن ان الشعوب استفادت الكثير منها، أو أنها، أي المعونة، طورت مفاهيمنا الاستراتيجية نحو الاكفأ والأحسن، أو أنها عوضتنا عما خسرناه سياسيا بسببها على كل المستويات.

ليس هذا على كل حال صلب موضوع حديثنا اليوم، إنما هو التزامنا لسنوات بل عقود عديدة بالاصطفاف وراء واشنطن وأصدقائها ضد إيران. التزمنا العهد، وكانت النتيجة أننا نقف الآن في آخر صف من دول بعضها كان نبيها ومتنبها لهذا اليوم، يوم ترفع فيه عن إيران العقوبات وتصبح سوقا شاسعة للصادرات والواردات وتسعى لممارسة نفوذ على مساحات واسعة، إن هي أطلت غربا نحو الشرق الأوسط، أو أطلت شمالا وشرقا نحو وسط آسيا وجنوبها.

أعيب على هؤلاء الذين كانوا في مراكز القوة وصنع السياسة في مصر على امتداد عقدين أو ثلاثة، هؤلاء حرموا الديبلوماسية المصرية من ممارسة حقها في الاستعداد لهذا اليوم. أعيب عليهم أنهم تركونا، شعبا ومفكرين ومثقفين وخبراء، بعيدين عما يحدث في إيران. ابتعدنا عن إيران بقوة وقوى الأمر والنهي. ابتعدنا عن كل مصادر المعلومات عن التقدم النووي والعلمي والالكتروني والسياسي الإيراني.

ابتعدنا عن فرص التعمق في فهم طرق التفكير الإيرانية سواء ما اكتسبته من ماض طويل في الديبلوماسية والخبرة في الشؤون الآسيوية، أو ما اكتسبته في ظل حكم مستقر، وإن محافظ، ولكن متحفز للتقدم العلمي والاستراتيجي. ابتعدنا عن تقدير التفاصيل الضرورية في عمليات صنع السياسة والقرار في إيران عندما ابتعدنا عن الاختلاط بخبرائهم ومفكريهم. حرمونا، خوفا علينا من الفتنة الشيعية، وهي التي لم تكن يوما تمثل جزءاً مهما في تفكيرنا السياسي أو الديني، ولا تمثل أي خطر على هويتنا أو عقيدتنا المصرية.

ألوم كل من حاول أن يخفي عنا حقائق إيران، بسلبياتها وإيجابياتها، لأنه كان السبب في أن جاء يوم يتفاجأ فيه المحلل السياسي المصري، وبشكل أخص، صانع القرار السياسي بحقيقة لم يدرك من قبل عمقها، وهي أن المجتمعات السياسية الخليجية قد لا تكون كما كنا نراها على البعد، وحدة متطابقة السياسات والأهداف والعلاقات الخارجية.

حدث ما حدث الأسبوع الماضي. حدث هرج ومرج شديدان في سوق السياسة العالمية بعد الإعلان عن التوصل إلى اتفاق مع إيران، فإذا بالنقاش في مصر يتدهور إلى مستوى من يحاول الإجابة بسرعة على أسئلة بدائية.

أسئلة من نوع: أين نحن في مصر من هذه «المواقف» الخليجية؟ كيف نلحق بركب سريع الخطى لنقترب من إيران؟

نسأل ونكرر السؤال، ماذا أعددنا عبر عشرين عاما أو ثلاثين لهذا اليوم؟ ونسأل هل مسموح لنا بوقت نحشد فيه خبراء مصريين في الشؤون الاقتصادية والعسكرية الإيرانية؟

نسأل، متى نحاسب أنفسنا على سنوات ضاعت بسبب القمع والنفاق وتضخيم التهديدات الأمنية، وبسبب التدخل في صنع السياسة الخارجية من جانب أطراف لها مصالح أخرى، أو بأحسن الكلمات، لها رؤية خاصة جدا للأمن القومي المصري يثبت لنا الآن أنها أضرت ضررا جسيما بأمن مصر وسلامتها ومكانتها.

لكل هذه الأسباب غِبْنا، وفي غيابنا تشكلت بيئة أمنية إقليمية مختلفة عن كل ما عهدناه من قبل. تدخلت أطراف عديدة لتملأ فراغ القوة الاستراتيجية. ظهرت على الساحة في كل الإقليم وبحشد كثيف وتمويل هائل جماعات وميليشيات دينية متطرفة.

عاد «الإخوان» وظهر «داعش» و «النصرة» و «فجر الإسلام».. وعشرات أخرى. هذه هي الكيانات التي شاركت بنصيب وافر في تشكيل البيئة الأمنية الاقليمية الجديدة، وهي نفسها التي أجبرت مؤسسات العمل العربي المشترك على الانزواء حتى تقوم هي أولا وتهيمن وتسيطر. بمعنى آخر، النظام الإقليمي العربي يعاد تشكيله حول هذه الكيانات والميليشيات، وما السعي لإنشاء قوة أمن عربية سوى محاولة متأخرة جدا لإثبات رفض النظام العربي الرسمي لقيام نظام بديل. 

أتصور، أو أتمنى أن تتحرك مصر في الأيام القادمة بنية ثابتة نحو اصلاح بعض ما فسد. وأظن أنها سوف تلجأ إلى مسارين لتتحرك عليهما: مسار سريع للحاق بمن سبقونا من دول العالم وسرعة أبطأ مخصصة للتعامل بمنتهى الكفاءة والدقة مع حساسيات واستراتيجيات دول إقليمية أخرى. سيتعين على مصر أن تعيد بسرعة فتح ملفات علاقاتها بإيران.

كان الأمل لدى قوى محددة أنها لن تفتح هذه الملفات مرة أخرى إلا يوم يتقرر اختفاء إيران الإسلامية من خريطة الشرق الأوسط، أو يوم انفراط المذهب الشيعي واختفاء آثاره في كل أنحاء المشرق والشرق الآسيوي. أعرف أن في هذه الملفات ما يشجع على التفاؤل بالنسبة للسلام الإقليمي والأمل في قيام وئام وعلاقات طيبة بين الفرس والعرب.

كان لمصر الصناعة والسياسة جولات ناجحة في إيران، وكان للعمل المالي والمصرفي محاولات جادة لإقامة تعاون جيد. وكان للخلفية الثقافية المصرية والدينية تراث حافل لدى الإيرانيين شعبا وحكومة. كل هذه الملفات وغيرها تسمح لمصر ان تعد العدة لتقوم بدور هي الوحيدة، في اعتقادي، المؤهلة له، وهو إبعاد عفاريت المذهبية عن مسارات العلاقات العربية ـ الإيرانية.

كذلك فإنه لدى مصر العزم، والعزيمة أيضا في ما اعتقد، على عدم الزج بنفسها طرفا «متطرفا» أو شديد الانحياز في هذا الخلاف.

لدينا من الجروح الأليمة التي خلفتها حرب ضد الإرهاب، ما يجعلنا نصمم كلاما وأفعالا تفيد في تفكيك الرابط الخبيث القائم حاليا بين بعض حكومات الإقليم والكيانات الإرهابية والمتشددة.

أعرف أن مصر لم تحاول إلا نادرا استخدام الإرهاب والكيانات المتطرفة كأداة في صراعاتها الخارجية. لذلك اعتقد انه سيكون مطلوبا منها دفع الاطراف المتورطة في علاقات مع قوى متشددة أو إرهابية للتــحرر من ارتباطاتها وقطع الأموال والسلاح عنها وعن غيرها من قوى التعصب، والتركيز على ضرورة تشكيل بيئة أمنية إقليمية جديدة.

  كلمات مفتاحية

مصر الاتفاق النووي إيران الأمن القومي السياسة الخارجية مستقبل مصر الإقليمي