مهمة مكة.. استقصائي يكشف الرواية الأخرى لحادث جهيمان (شاهد)

الاثنين 3 فبراير 2020 11:33 ص

كشف برنامج "ما خفي أعظم" الذي تبثه قناة "الجزيرة" التفاصيل الدقيقة للعملية الدامية لفك حصار الحرم المكي بتاريخ 20 نوفمبر/تشرين الثاني 1979.

وحصل البرنامج الاستقصائي على وثائق تثبت أن دولا أجنبية أسهمت في تحرير الحرم المكي، على خلاف الرواية السعودية الرسمية التي تقول إن الجيش السعودي وحده هو الذي تولى العملية.

والتقى البرنامج بقائد الفريق الفرنسي "بول باريل"، وأحدِ القناصة الفرنسيين "كريستيان لامبرت"، اللذين شاركا في العملية التي قضت على جماعة "جهيمان" داخل الحرم؛ وكشفا فيه تفاصيل تُنشر للمرة الأولى عن كيفية حسم المعركة، كما قدر الضابط "باريل" عدد قتلى عملية تحرير الحرم بين 3 آلاف و3 آلاف، وليس 300 كما تقول رواية السعودية.

وخلافا للرواية السعودية، فتوجد وثيقة صادرة عن وزارة الدفاع الفرنسية بعنوان "مهمة مكة"، تتضمن شكر المملكة على المساعدة التي قدمتها دولة صديقة في تحرير الحرم المكي.

وإجابة عن سؤال: لماذا لا تريد السعودية الإفصاح عن مشاركة دولة أجنبية؟ يقول "باريل" إن "هذا الأمر سيتسبب في إحراج لآل سعود، لذلك فإن هذا الأمر ظل قيد السرية طيلة الأعوام الأربعين الماضية".

وكانت الرياض كشفت للمرة الأولى في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 عن صور تتعلق بعملية تحرير الحرم المكي، لكن الرواية السعودية تنكر وجود أي مساعدة أجنبية في تحرير الحرم.

كيف وقع الحصار؟

في فجر يوم 20 نوفمبر/تشرين الثاني 1979، اقتحمت جماعة مسلحة تتبع "جهيمان العتيبي" الحرم المكي، وأغلقوا جميع منافذه وأبوابه، واستطاع "جيهمان" الاستيلاء على مكبر صوت الإمام، وتحدث للحجاج، الذين يقدر عددهم بخمسين ألف حاج ومصل كانوا يستعدون لصلاة الفجر، وطلب من المسلمين الإطاحة بـ"آل سعود" الذين تخلوا عن تعاليم الدين وأصوله، وطالبهم بمبايعة "المهدي" المنتظر، الذي كان في الحقيقة صهره "عبدالله القحطاني".

تمكن إمام الحرم من الهرب، ووصل القصر الملكي الساعة السابعة مساء، ولكن الملك الذي كان نائما لم يعلم الأمر إلا الساعة السابعة والنصف.

فما كان من الملك إلا أن أصدر أوامره للحرس الملكي بمحاصرة الحرم، والقضاء على المسلحين، قبل أن تتسرب الأنباء للخارج.

وحصل "ما خفي أعظم" على وثيقة من السفارة الأمريكية بتاريخ 24 نوفمبر/تشرين الثاني 1979، موجهة لوزارة الخارجية الأمريكية تشير فيها إلى أن السلطات السعودية تقول إن عملية تحرير الحرم المكي قد أنجزت، لكن الوثيقة الأمريكية تشير إلى أن السعودية استعانت بطيارين أمريكيين، للتحليق فوق الحرم، وقامت السفارة بالتحقيق مع الطيارين بعد كل طلعة جوية لهما، حيث أكدا وقوع أضرار كبرى بالحرم المكي.

وبمرور الوقت، بدء تسرب الأنباء، وإثارة قلق كبير في العالم الإسلامي؛ وضعت السعودية خططا لتحرير الحرم، منها العمل على إغراقه بالمياه، ثم تسريب الكهرباء وصعق المتمردين، لكن هذه الخطة لم تتم لأن إغراق الحرم يتطلب كميات كبيرة من المياه، ويوقع قتلى بين الحجاج أيضا، كما أن هذه المياه ستتسرب داخل الأرض.

وما زاد حرج السلطات السعودية بدء حدوث قلاقل وفوضى بعدة مدن بالبلاد، كما كانت عاجزة عن إصدار فتوى تتيح القتال في الحرم المكي والقضاء على المتمردين، وتزامن ذلك مع تمكن جماعة "جهيمان" من إيقاع خسائر في الجيش السعودي.

فما كان من السعودية إلا أن طلبت العون من فرنسا، وكان وزير الداخلية السعودي التقى ذات مرة قائد الوحدات الخاصة "بول باريل"، وأعجب بمهاراته، فطلب مساعدته هو شخصيا.

وبموجب تكليف رسمي فرنسي من الرئيس الأسبق "جيسكار ديستان" مباشرة؛ توجه "باريل" واثنان من زملائه؛ أحدهما يدعى "كريسيتان لامبرت"، وكان ثلاثتهم من أشهر القناصة في العالم في ذلك الوقت إلى الرياض، حيث التقوا ملك السعودية "خالد بن عبدالعزيز آل سعود" وكبار القادة العسكريين.

ويقول "باريل"، إنه عندما التقى المسؤولين السعوديين كانوا بحالة قلق وارتباك كبرى، ولم تكن لديهم أية معلومات عن المسلحين، حتى ما يتعلق بعددهم وعتادهم.

بدأ "باريل" ورفيقاه تدريب الجيش السعودي، الذي كان في حالة نفسية متردية، كما كان يجهل أفراده كيفية استخدام أقنعة الغاز، وكانت سترات الوقاية لديهم ليست فعالة، فتولى الجنود الفرنسيون تدريبهم، وأعطوهم سترات واقية، مما زاد من ثقتهم وقدرتهم على مواجهة المسلحين.

وبعد تقدير "باريل" حجم المشكلة؛ طلب من سلطات بلاده إرسال ألفي قنبلة غاز، تزن 7 أطنان، ويتميز هذا الغاز بقدرته على إصابة المستهدف بالعمى، ويعزز رغبة الهروب لديه، لكن السلطات الفرنسية -في البداية- رفضت طلبه، وأرسلت له وثيقة تصف فيها طلبه بالجنون، وتطلب منه اتلاف الوثيقة فور قراءتها.

لكن الرئيس الفرنسي سأل "باريل" عن نسبة توقعه لنجاح العملية، فأجابه 85%، فأمر بتزويده بما طلب.

يقول "باريل" إن السعوديين كانوا يريدون الحصول على 10 أضعاف هذه الكمية، لأنهم كانوا يريدون إنهاء الحصار وإنقاذ نظام الحكم بالمملكة بأي ثمن.

قامت خطة "باريل" وصديقيه على استهداف قناصة جماعة "جهيمان" الذين كانوا يسيطرون على الأماكن المرتفعة بالحرم، وأجبروهم على التوجه للغرف السفلية، وهي تقدر بـ370 غرفة، ومن خلال أجهزة رصد الزلازل تمكن "باريل" وفريقه من تحديد الغرف التي يوجد بها المسلحون، فقاموا بحفر ثقوب فيها، وفي صباح اليوم التالي، الموافق 4 ديسمبر/كانون الأول 1979، قاموا برمي الغاز من خلال الثقوب، فقتل المتمردون الذين كانوا متواجدين فيها.

وبعد ذلك تمت السيطرة على الحرم، وفتحت ممرات آمنة، حيث سعت السلطات السعودية للقبض على من تبقى من المتمردين، مؤكدا أن لجان الفرز الأمنية كانت تعمل بسرعة سعيا للفرز بين الحجاج والمسلحين، وقال إنه شاهد عمليات إعدام ميدانية.

مكافأة فرنسا

أما عن المكافأة التي حصلت عليها فرنسا، فكانت عبارة عن صفقات أسلحة فرنسية وعقود ضخمة، والمقابل كان الصمت على ما جرى، وبدا ذلك من رفض "لامبرت" الإجابة عن سؤال عما إذا كانوا دخلوا الحرم المكي؟ وهو السؤال الذي رد عليه "باريل" بدبلوماسية قائلا إنهم كانوا يتحركون في كل مكان وفي الغرف السفلى، ولا يعرفون بالضبط أين هم.

وأوضح "باريل" أن أيا من السعوديين لم يسألهم عن ديانتهم، إنما كان السؤال عن دقة الأسلحة التي لديهم.

ورغم سعادة "باريل" بنجاح العملية، فإنه لم يخف ألمه، واصفا ذلك بالمجزرة التي قتل فيها 5 آلاف شخص، بينهم 3 آلاف حاج على الأقل، حسب تقديره.
 

ووقعت حادثة اقتحام الحرم المكي يوم 20 نوفمبر/تشرين الثاني 1979، أي قبل 40 عاما، حينها اقتحم نحو 200 رجل يقودهم "جهيمان العتيبي" و"محمد القحطاني" المنتميان لـ"الجماعة السلفية المحتسبة"، الحرم المكي فجرا وسيطروا عليه بقوة السلاح، معلنين عن ظهور "المهدي المنتظر".

ونجحت السلطات السعودية في السيطرة على الوضع في الحرم، الذي احتجز فيه آلاف المصلين، بعد نحو أسبوعين، لتنتهي تلك الحادثة بمقتل غالبية المهاجمين والقبض على الباقين منهم، ثم إعدامهم، بجانب سقوط قتلى ومصابين في صفوف رجال الأمن والمصلين.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

جهيمان العتيبي جهيمان اقتحام الحرم المكي