العقوبات الأمريكية على العراق.. تهديد جدي أم خداع واضح؟

الثلاثاء 4 فبراير 2020 11:19 ص

يتعرض الاقتصاد العراقي  لمخاطر كبيرة بسبب قرار الولايات المتحدة قتل الجنرال الإيراني "قاسم سليماني" في العراق، والجهود الانتقامية - العسكرية والسياسية - من قبل إيران وحلفائها في بغداد لإنهاء الوجود العسكري الأمريكي في البلاد.

ينبع الخطر من تهديد الرئيس "دونالد ترامب" بفرض عقوبات اقتصادية على العراق إذا مضت بغداد قدما في المطالبة بطرد القوات الأمريكية بحجة استعادة السيادة التي انتهكتها واشنطن بقتل "سليماني" على الأراضي العراقية.

حرص الرئيس الأمريكي على تقديم وجهة نظر مفادها أن العقوبات ستكون غير مسبوقة، على الإطلاق، لكن هل التهديد حقيقي، أم أنه مجرد ذر للرماد في العيون من واشنطن؟

السؤال جاد وعواقبه كبيرة على العراق، تسببت كلمات "ترامب" في ضائقة فورية واستحضرت تذكيرًا مؤلمًا بالتجربة المؤلمة للعقوبات الدولية في التسعينات في أعقاب غزو "صدام حسين" للكويت، إن تكرار هذه التجربة، حتى على نطاق محدود، سيكون مدمرا للغاية لاقتصاد العراق الهش.

ما مدى احتمالية فرض العقوبات؟ وما شكلها؟ لننظر في مواقف أصحاب المصلحة الرئيسيين؛ الولايات المتحدة والعراق وإيران.

بالنسبة للولايات المتحدة، فإن إخضاع العراق للعقوبات سيتعارض مع الآراء التقليدية بشأن المصالح والأهداف الأمريكية في البلاد. ويشمل ذلك ضمان الهزيمة الدائمة لتنظيم "الدولة الإسلامية" ومنع ظهور الجماعات المتطرفة العنيفة الأخرى، وتعزيز النمو الاقتصادي والحفاظ على إمدادات الطاقة المستقرة، وتحجيم نفوذ إيران في العراق.

سيتم تقويض جميع الأهداف بشدة إذا ضغطت الحكومة العراقية من أجل الانسحاب الأمريكي بشروط غير مواتية لواشنطن، وردت الأخيرة بالعقوبات، من المرجح أن تستهدف العقوبات الشديدة احتياجات العراق العسكرية وصناعة النفط والقطاع المالي.

ومن شأن تدهور هذه القطاعات الحيوية أن يعرض العراق لخطر أكبر من عودة تنظيم "الدولة الإسلامية"، والضغط على اقتصاده المعتمد على النفط، ويزيد من زعزعة استقرار سياسته الهشة، وسيؤدي إلى فترة جديدة من العزلة التي من شأنها أن تمكّن إيران من استيعاب العراق بشكل أعمق.

من المتوقع أن يتجنب البيت الأبيض في العادة هذا المسار إن أمكن، لكن هذا ليس البيت الأبيض الطبيعي.

بالنسبة لإيران، فإن ترك العراق تحت العقوبات الأمريكية سيضر بمصالحهم الاقتصادية الخاصة، منذ انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة وإعادة فرض العقوبات على إيران، تتطلع طهران إلى توسيع موطئ قدمها في الاقتصاد العراقي في محاولة لتحويله إلى رئة ثالثة.

تصر إيران على أنه يتعين عليها توسيع التجارة مع العراق، على الرغم من أن البضائع الإيرانية تملأ بالفعل المتاجر والمنازل العراقية، على حساب الشركات العراقية، ويوفر الغاز والكهرباء الإيرانية ثلث شبكة الكهرباء في العراق.

كما استغلت إيران البنوك العراقية لتجاوز التدقيق وتوجيه الأموال إلى "حزب الله" وغيره من الوكلاء، لا يمكن للعراق الخاضع للعقوبات المنقطعة عن النظام المالي الدولي أن يدفع مليارات الدولارات ثمنا للسلع الاستهلاكية ولا يولد مبالغ من العملة الصعبة اللازمة لإيران مقابل الغاز والكهرباء، ناهيك عن تحويل الأموال إلى الوكلاء في أماكن أخرى.

بالنسبة للعراق نفسه، هناك زوايا مختلفة يجب مراعاتها، بالنسبة للطبقة السياسية العراقية، فإن استعداء الولايات المتحدة، والتعرض لعقوبات من خلال الإصرار على طرد القوات الأمريكية سيكون له تكلفة عالية.

قد تعني العقوبات انخفاض عائدات النفط المتاحة، لتمويل المشتريات الحكومية كما أنه سيهدد قدرة العراق على الاحتفاظ برواتب القطاع العام المتضخمة والقضاء على قدرة الأحزاب السياسية على بناء شبكات المحسوبية والمحافظة عليها.

وقد يتسبب انقطاع الرواتب في جميع أنحاء العراق في انتشار الاحتجاجات إلى كل محافظة من مناطق العراق، بما في ذلك المحافظات ذات الغالبية السنية والكردية التي ظلت حتى الآن هادئة إلى حد كبير.

العراق معرض ليس فقط للعقوبات المباشرة ولكن أيضًا لحظر الإعفاءات التي تسمح للعراق باستيراد الغاز والكهرباء الإيرانيين على الرغم من العقوبات الأمريكية على إيران.

وقد يخلق حرمان العراق من هذه الاستثنادات ضغوطا كبيرة على شبكة الكهرباء العراقية، خاصة مع اقتراب صيف العراق الحار.

وكان هذا النوع من الاضطراب في إمدادات الطاقة من إيران هو الذي أدى إلى اندلاع الاحتجاجات القاتلة في البصرة في صيف عام 2018 وأشعل النار في الجنوب العراقي.

سيكون أمن العراق في خطر بشكل خاص، ومن شأن أي عقوبات مباشرة أن تعني انهيار التعاون الأمني بين بغداد وواشنطن، وقد تزداد الأمور سوءًا إذا بدأت العقوبات في حرمان بعض أنظمة الدفاع الأكثر تطوراً وكلفة في العراق - ولا سيما طائراتها من طراز F-16 أو دبابات M-1 - من قطع الغيار والصيانة فضلا عن التدريب.

بالنسبة للعراقيين العاديين، فإن الصورة أكثر قتامة، يتذكر الملايين الفقر المدقع والحرمان الذي ساد التسعينات والذي أودى بحياة مئات الآلاف من الجوع والمرض.

لذلك، لدى جميع أصحاب المصلحة حوافز للابتعاد عن حافة الهاوية، ولكن على الرغم من العلامات المبكرة لتراجع التصعيد عندما يتعلق الأمر باحتمالات نشوب صراع كبير بين إيران والولايات المتحدة، فإن الأزمة بعيدة عن الحل.

يدعم تحالف "مقتدى الصدر" والميليشيات الموالية لإيران جهودهم في البرلمان بمظاهرات حاشدة تطالب بالانسحاب الأمريكي، مع مضايقات ثابتة للميليشيات ضد القوات الأمريكية والسفارة حتى باستخدام الصواريخ.

في غضون ذلك، حرص "ترامب" على تذكير بغداد، أثناء لقائه بالرئيس "برهم صالح"، بأن العقوبات لا تزال مطروحة.

لا يمكن للعراق أن يتحمل عواقب طرد القوات الأمريكية، وستقف واشنطن على رجليها إذا استجابت للطرد بالعقوبات، ويجب أن تدرك إيران أن الإصرار على دفع الولايات المتحدة خارج العراق سوف يأتي بنتائج عكسية.

والسؤال الرئيسي الذي سيحدد النتيجة هو: كيف سيدرك أصحاب المصلحة هؤلاء ويقيموا إيجابيات وسلبيات الخيارات المتاحة لهم؟

سيأتي المؤشر الأول في فبراير/شباط عندما فترة الاستثناء التي منحتها الولايات المتحدة للعراق بخصوص استيراد الغاز والكهرباء الإيرانيين، ومن المتوقع أن تجدد واشنطن الاستثناء أو نسخة معدلة منه بطريقة تقلل من الواردات العراقية من إيران لكنها لن تلغيها تمامًا.

في الوقت نفسه، ستسعى طبقة سياسية في بغداد إلى تفاهم مع إيران والميليشيات حول وقف الهجمات الصاروخية وتعديل موقفهم فيما يتعلق بالوجود الأمريكي من الطرد الكامل إلى التخفيض التدريجي بشروط يتفق عليها الطرفان.

من أجل الشعب العراقي، دعونا نأمل أن تسود الرؤوس الأكثر حكمة.

المصدر | عمر النداوي | إنسايد أرابيا - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

قوات أمريكية عقوبات أمريكية الحكومة العراقية مقتل سليماني

واشنطن تعلق على تكليف علاوي بتشكيل الحكومة العراقية

لماذا فشلت إدارة ترامب في حملات "أقصى ضغط"؟