هل يمنح التصعيد الإيراني الأمريكي فرصة للصين بالشرق الأوسط؟

الثلاثاء 4 فبراير 2020 07:54 م

دفع مقتل اللواء "قاسم سليماني" الشرق الأوسط إلى الاقتراب أكثر من ويلات الحرب، فهل تستطيع الصين أن تصبح وسيطا للسلام، أم أنها ببساطة ستترك الولايات المتحدة تتورط في فيتنام أو عراق أو أفغانستان أخرى؟

إن مبادرات الصين المتزايدة في الشرق الأوسط تعني تصاعد رهانات بكين إذا تعثرت السياسة الأمريكية تجاه المنطقة الغنية بالطاقة.

ففي حين أن سياستها تجاه الإيجور أثارت المخاوف بين الدول الإسلامية، إلا أن الصورة الذهنية عن الصين المتمثلة في عدم التدخل والحياد في صراعات المنطقة، إضافة إلى علاقاتها الاقتصادية المتنامية مع جميع الأطراف يجعلها لاعبة مؤثرة في منطقة معقدة.

وبالتالي، فإن الانتكاسات المستمرة في سياسة أمريكا تجاه الشرق الأوسط، من الانسحاب من كل من سوريا والاتفاقية النووية الإيرانية، إلى التوترات المتزايدة بعد اغتيال "سليماني"، قد توفر مساحات يمكن للصين استغلالها.

لكن في حين أنه من المغري أن تلعب بكين دورا موسعا، فإن الدروس المستفادة من تجربة واشنطن تخفف من هذه الرغبة، ومن المرجح أن يظل تأثير الصين خارج القضايا الاستراتيجية والاقتصاد ضعيفا.

  • منعطف مقتل "سليماني"

في حين أن مقتل "سليماني" كان بمثابة ضربة كبيرة للحرب الإيرانية بالوكالة في المنطقة، إلا أنه قد لا ينهي طموحات طهران ومن المرجح أن يعرض مصالح واشنطن للانتقام خاصة على المدى القصير.

ستواصل الشبكة اللوجستية والبنية التحتية والتحالفات مع العديد من الجماعات غير الحكومية التي بناها القائد الإيراني القتيل، تزويد إيران بالقدرة على إبراز السلطة في الدول المجاورة.

على الصعيد المحلي، قد يكون لمقتل "سليماني" تأثير حاشد بين الإيرانيين الذين كانوا يحتجون منذ نوفمبر/تشرين الثاني ضد الحكومة بسبب ارتفاع أسعار الوقود، والمصاعب الاقتصادية، واستنزاف موارد إيران في النزاعات الإقليمية.

يمكن للقيادة الإيرانية الاستفادة من هذه الشرعية المحلية للرد على الإجراءات الأمريكية، مثل ما أظهرته الهجمات الصاروخية المباشرة ضد قاعدتين أمريكيتين في العراق، ومع ذلك فإن الإسقاط الخاطئ لطائرة مدنية أوكرانية أعطى قضية جديدة للمتظاهرين.

قد تقوم الميليشيات المدعومة من إيران في لبنان وسوريا والعراق أيضا بهجمات تعاطفية ضد أهداف أمريكية، وفي حين أن الجهود المبذولة لتهدئة التصعيد مستمرة، وأن قادة القوى الكبرى دعوا إلى ضبط النفس، فإن كلا من علاقات "سليماني" الشخصية العميقة مع قادة الميليشيات والمطالب الشعبية بالانتقام -التي قوبلت بتهديدات انتقامية أمريكية- تشير إلى أن التوترات لن تتبدد بسهولة.

وبالتالي، قد تجد الولايات المتحدة نفسها ملتزمة بتوفير مزيد من الموارد لتأمين مصالحها في المنطقة، بدلا من تقليص قواتها.

  • رهان الصين على الشرق الأوسط

من منظور منافسة القوى الكبرى، قد يكون الحصول على منافس متورط في مسرح جانبي لصالحك. لكن الشرق الأوسط ليس مسرحا جانبيا مفتقدا للأهمية، وأبرزت الصين نفسها اهتماما بالمنطقة في السنوات الأخيرة.

ففي عام 2004، تم إنشاء منتدى التعاون الصيني العربي، وهو آلية حوار رفيعة المستوى تغطي مجالات واسعة من السياسة والتجارة والتنمية والتبادل الثقافي.

وفي عام 2017، أقامت الصين أول قاعدة خارجية لها في جيبوتي، ولعبت دورا نشطا في مهام مكافحة القرصنة في المحيط الهندي.

كما سلط معرض الصين والدول العربية لعام 2019 الذي عقد في سبتمبر/أيلول الماضي في مقاطعة نينجشيا الضوء على التعاون في التقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي وتقنية الجيل الخامس والواقع الافتراضي والملاحة الفضائية.

وفي أواخر نوفمبر/تشرين الثاني، أي بعد أسبوع من إعلان وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" أن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية لا تنتهك القانون الدولي، استضافت بكين منتدى أمن الشرق الأوسط.

كان من بين الحاضرين رئيس الوزراء العراقي السابق "إياد علاوي" ونائب رئيس الوزراء الأردني السابق ووزير الخارجية "جواد العناني" والأمير "تركي الفيصل" من السعودية.

وشارك في المنتدى أكثر من 200 شخصية من الدول العربية وإيران وتركيا وروسيا والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين.

أخيرا، وقبل أسبوع من مقتل "سليماني"، نفذت الصين مع روسيا وإيران مناورات بحرية غير مسبوقة قبالة خليج عمان؛ حيث وصف التلفزيون الحكومي الإيراني التطور بأنه "مثلث جديد للقوة في البحر".

  • أرضية خصبة للتدخل الصيني

بالنظر إلى تأثير طهران على "حماس" التي تحكم غزة، فإن اغتيال "سليماني" قد يؤثر سلبا أيضا على "صفقة القرن" التي طرحها الرئيس "دونالد ترامب"، والتي قطعت وعودا بتحقيق انفراجة في السعي صعب المنال لتحقيق سلام دائم بين (إسرائيل) وفلسطين.

في الواقع، فإنه حتى قبل بدء الأزمة، قطعت فلسطين بالفعل علاقاتها مع الولايات المتحدة بعد أن نقلت الأخيرة سفارتها من تل أبيب إلى القدس.

يرى الفلسطينيون أيضا أن اقتراح "ترامب" كمحاولة رشوة لهم؛ حيث يقلل من النطاق الجغرافي لطموحاتهم الوطنية في مقابل الحصول على مكسب اقتصادي موعود، وهو ما يشعرون أنه غير مقبول.

إن إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، ووقف تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، التي تم الاستيلاء عليها من سوريا في حرب عام 1967، يثير جميعها المخاوف بشأن تنامي انحياز الولايات المتحدة لـ(إسرائيل).

من المحتمل أن الصين استشعرت فرصة لإيجاد مدخل، خلال استضافتها لمنتدى الشرق الأوسط في نوفمبر/تشرين الثاني؛ فتقدمت باقتراح فكرة جديدة ترتكز إلى حد كبير على مفهوم أوسع للأمن، والدور المهم للتنمية، والحل العادل للنزاعات، والحوار الحضاري والتعاون لمكافحة الإرهاب.

لكن في الوقت الذي تنمو فيه ثقة بكين بالتأكيد، يبقى أن نرى ما إذا كانت مستعدة لتعقيدات المنطقة أم لا.

هناك عوامل كثيرة تغذي الاستياء المتزايد في الشرق الأوسط من دور واشنطن في المنطقة المضطربة، ويشمل ذلك التحيز المتزايد لـ(إسرائيل)، والخوف من دعم الولايات المتحدة لتغيير الأنظمة وخاصة خلال الربيع العربي، وتحول السياسة تجاه إيران، والمشاركة في مأساة اليمن من خلال مبيعات الأسلحة إلى السعودية واستمرار عدم الاستقرار في العراق بعد "صدام حسين".

علاوة على ذلك، فإن عودة ظهور أمريكا كأكبر منتج للنفط والغاز في العالم وأولويتها المتزايدة لمنافسة القوى العظمى في منطقة المحيط الهادي والهندي قد يقلل أيضا من أهمية الشرق الأوسط للسياسة الخارجية الأمريكية.

كل هذه العوامل قد توفر أرضية خصبة للتقدم الصيني، لكن في حين تمتلك بكين بعض المزايا، إلا أن غزو الشرق الأوسط لابد أن يواجه تحديات أيضا.

وتركيز الصين على عدم التدخل، وتفضيل التنمية الاقتصادية، على عكس تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان، يعزز جاذبيتها بين العواصم الإقليمية في الشرق الأوسط.

وفضلا عن ذلك، فإن دعم بكين للأنظمة الاستبدادية في المنطقة يضع واشنطن في موقف صعب، كما أن دعم الصين المستمر لحل الدولتين (فلسطينية وإسرائيلية) يحافظ على صورتها الإيجابية بين الجماهير الفلسطينية والعربية والإسلامية.

وتعد الصين عميل رئيسي للخام والغاز في الشرق الأوسط، ومؤسس رئيسي للبنية التحتية لاقتصادات المنطقة التي تطمح إلى التنويع.

وتوفر الاستثمارات والأسواق الصينية ملجأ للبلدان التي تواجه عقوبات غربية، وقد يؤدي تطوير نظام البترو-يوان إلى إضعاف النفوذ الاقتصادي والمالي للولايات المتحدة، فضلا عن تقليل فاعلية الحظر الذي تفرضه الولايات المتحدة، بما في ذلك ضد إيران وربما العراق.

إضافة إلى ذلك، يعد الشرق الأوسط بالتأكيد جغرافيا مهمة لـ"مبادرة الحزام والطريق"؛ نظرا لاحتياطياته من الطاقة وموقعه الاستراتيجي، وقد أصبحت دبي على سبيل المثال، قاعدة للاستثمارات الصينية التي تستهدف أفريقيا.

وتعتبر التقاليد المشتركة للحكم الاستبدادي، وغياب التورط الصيني المدمر في التاريخ الحديث المضطرب للمنطقة، والمكانة الاقتصادية للصين، عوامل تدعم أفضليتها بين دول المنطقة.

  • لا يخلو الأمر من تحديات

ومع ذلك، فإن المخاوف بشأن الاستثمارات الصينية في بعض الدول الإسلامية مثل باكستان ومعاملة الإيجور قد تمثل توترات، كما كان الحال في بعض الأحيان بين تركيا والصين.

كما أن التنافس الإقليمي مثل ذلك بين الرياض وطهران، وتطلعات القوى المتوسطة مثل تركيا وإيران، والنسيج المعقد للديناميات العرقية والدينية والطائفية، تشكل أيضًا تحديات أمام اهتمام بكين المتزايد بالمنطقة.

لقد حاولت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة إخراج نفسها من مستنقع الشرق الأوسط، وقد توفر تجربة واشنطن الكثير من الرسائل التحذيرية لبكين.

صحيح أن الولايات المتحدة لديها اهتمام عميق بالجغرافيا السياسية في المنطقة، إلا إنه يمكن القول إنها لم تكن تنوي الانغماس في تعقيدات سياساتها المحلية، ويبقى أن نرى ما إذا كان يمكن للصين تجنب هذا المنحدر الزلق.

المصدر | بلانكو بتلو/أوراسيا ريفيو - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

النفوذ الصيني قاسم سليماني العلاقات الأمريكية الصينية منطقة الشرق الأوسط

نواب أمريكيون يطالبون بمعاقبة الصين بسبب انتهاك حقوق الإيجور