فورين أفيرز: هكذا قتلت خطة ترامب أي مساحة للتفاوض

الأربعاء 5 فبراير 2020 07:36 م

أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" أنها تقدم اقتراح لحل شامل وخلاق للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وبالرغم أن "ترامب" يستمر في استنكار الجهود الفاشلة للإدارات السابقة، فقد استند فريقه فعليا إلى المفاهيم والمبادئ وحتى الصياغة التي بُنيت عليها الخطط السابقة.

ومع ذلك، حاول الوسطاء الأمريكيون السابقون إرساء أساس للاتفاق عن طريق حل المواقف المتباينة بين الجانبين، في حين يبدو أن فريق "ترامب" قرر ببساطة حل قضايا الوضع النهائي، وهي الحدود والأمن والقدس واللاجئين والاعتراف المتبادل، لصالح (إسرائيل)، بشكل كامل قبل بدء المفاوضات.

على سبيل المثال، ظل المفاوضون الأمريكيون دائما يولون اهتماما خاصا لتأمين الحدود بين الأردن ودولة فلسطينية مستقبلية، خشية أن تصبح هذه الحدود بوابة لجماعات مسلحة قد تعبر الضفة الغربية للوصول إلى (إسرائيل). وأثناء إدارة الرئيس السابق "باراك أوباما"، تشاور فريق من خبراء الأمن الأمريكيين مع نظرائهم الإسرائيليين والفلسطينيين حول وضع خطة يمكن من خلالها لقوات الأمن الفلسطينية السيطرة تدريجيا على الحدود.

ومن تلك الخطة، استعار فريق "ترامب" مفهوم وضع معايير أمنية لقياس التقدم الفلسطيني، ولكن طبقتها بدلا من ذلك على الأمن الداخلي داخل الدولة الفلسطينية المفترضة، حيث تكون (إسرائيل) هي الحاكم النهائي على الأداء الفلسطيني. وجرى حل قضية أمن الحدود، من خلال إعطاء "وادي الأردن" بأكمله لـ (إسرائيل). وتحيط خطة "ترامب" الدولة الفلسطينية المنتظرة بالأراضي الإسرائيلية، فتلغي جوارها مع الأردن، وتحول "أريحا" إلى جيب فلسطيني، والدولة الفلسطينية إلى عدة جيوب منفصلة.

وبالمثل، كافح المفاوضون السابقون للتوفيق بين المطالب المتنافسة بالسيادة على القدس، وخاصة في المنطقة المقدسة التي تشمل المدينة القديمة والمقدسات المسيحية والإسلامية واليهودية فيها. وفي الماضي، سعى المفاوضون إلى حل مسألة السيادة لصالح الحكم المشترك للمدينة القديمة. وبدلا من ذلك، قام فريق "ترامب" بحل هذه المسألة عبر منح (إسرائيل) السيادة على كامل المنطقة للأبد، بما في ذلك الأحياء المسيحية والإسلامية والمسجد الأقصى.

وعلى مدار الـ52 عاما الماضية، تمكن اليهود من زيارة الموقع المعروف باسم "جبل الهيكل" لليهود، والمسجد الأقصى الشريف للمسلمين، ولكن بسبب الحساسيات الدينية، سمحت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة للمسلمين فقط بالصلاة هناك. وأصبح ذلك جزءا من الوضع الراهن الذي يحكم إدارة الأماكن المقدسة. وتلتزم خطة "ترامب" بالحفاظ على هذا الوضع الراهن، لكنها تنص أيضا على منح اليهود حق الصلاة على جبل الهيكل، وهو ما سيكون في الواقع خروجا مثيرا للقلق عن التقاليد.

وكتعويض عن نبذ مطالبهم بالسيادة على الحرم الشريف، وهو ثاني أقدس موقع في الإسلام، تعرض الخطة على الفلسطينيين مركزا سياحيا شمال القدس، والوصول الخاضع لسيطرة (إسرائيل) من هناك إلى الأماكن الإسلامية والمسيحية المقدسة. وهذا هو نوع العرض الذي رفضه "ياسر عرفات" في كامب ديفيد في يوليو/تموز عام 2000، وأبلغ الرئيس "بيل كلينتون" آنذاك بأنه إذا قبل ذلك، فلن ينتظر شعبه لقتله؛ بل إنه يفضل قتل نفسه عندئذ.

وتتجاهل خطة "ترامب" الصيغ الأخرى التي تم التفاوض بشأنها بشق الأنفس، لصالح تلك غير الواضحة وغير المتوازنة. ومنذ إدارة "كلينتون"، على سبيل المثال، كان الأساس لجميع المقترحات الأمريكية الخاصة بالقدس هو النص على أن الضواحي العربية في القدس الشرقية يجب أن تخضع للسيادة الفلسطينية، وأن تخضع الضواحي اليهودية للسيادة الإسرائيلية.

ولكن خطة "ترامب" تضع كل الضواحي العربية في القدس الشرقية تقريبا تحت السيادة الإسرائيلية، تاركة للفلسطينيين ضاحية عربية واحدة، و مخيما للاجئين، على الجانب الشرقي من الجدار الذي تخلت عنه (إسرائيل) خلال الانتفاضة الثانية. وعلى هذا الجزء من القدس الشرقية، يُقال للفلسطينيين الآن إن بإمكانهم بناء عاصمتهم، التي يفصلها الجدار عن كل من المسجد الأقصى و300 ألف فلسطيني من سكان القدس الشرقية.

وفيما يتعلق بالمستوطنات، فكر المفاوضون الإسرائيليون والفلسطينيون في السابق في ضم (إسرائيل) الكتل الاستيطانية الرئيسية الواقعة على طول حدود عام 1967 بين (إسرائيل) والضفة الغربية، طالما يحصل الفلسطينيون على ما يعادل الأرض من (إسرائيل) كتعويض. وبموجب هذا الترتيب، يتم استيعاب 85% من المستوطنين في نحو 3 إلى 5% من أراضي الضفة الغربية التي تحصل عليها (إسرائيل). ويتم إخلاء المستوطنات النائية في قلب الضفة الغربية للسماح بدولة فلسطينية متجاورة.

وتبنى فريق "ترامب" في المقابل فكرة تبادل الأراضي، لكن الخطة توفر أراضي قاحلة على الحدود المصرية للفلسطينيين، تعويضا عن دمج جميع مستوطنات الضفة الغربية في (إسرائيل)، بما في ذلك المستوطنات النائية. وسوف تكون النتيجة دولة فلسطينية متفرقة ومتباعدة الأجزاء، مع عدم وجود إمكانية للاتصال الإقليمي. وبدلا من ذلك، تقترح خطة "ترامب" الاتصال عبر "النقل"، من خلال أنفاق تربط جزر الأراضي التي تخضع للسيادة الفلسطينية. وتبقى هذه الأنفاق، بالطبع، تحت السيطرة الإسرائيلية.

ويتفق الكثير من الإسرائيليين والأمريكيين ذوي النوايا الحسنة، وحتى بعض زعماء الخليج، مع كاتب العمود في صحيفة "نيويورك تايمز" "بريت ستيفنز"، الذي قال مؤخرا إن "الرفض الفلسطيني اليوم سيؤدي حتما إلى الحصول على الأقل غدا". وكان "ديفيد بن جوريون"، أول رئيس وزراء لـ(إسرائيل)، قد أخذ الدولة اليهودية المقطوعة، التي عرضتها الأمم المتحدة عام 1947، وبنى عليها. ولم يشمل هذا العرض حينها حتى شريحة من القدس كعاصمة لـ(إسرائيل). وكانت المدينة كلها تحت إشراف دولي.

ويقول بعض الفلسطينيين إنهم يجب أن يتبنوا نهجا مماثلا؛ حيث يجب أن يأخذوا الدولة الفلسطينية المقطوعة التي تُعرض عليهم الآن، والمساومة من أجل شروط أفضل. وفي الواقع، صرح "جاريد كوشنر"، المهندس الرئيسي لخطة "ترامب"، أنه إذا لم يحب الفلسطينيون جوانب الخطة، فيمكنهم التفاوض من أجل إجراء تغييرات.

لكن هذه الحجة تتجاهل الخلل الكبير في الخطة كنقطة انطلاق للمفاوضات. ويتجاهل أيضا حقيقة أن ما تقدمه خطة "ترامب" ضئيل للغاية وبشكل مشروط، فمن أجل الحصول على هذا القدر الضئيل من الأرض والسيادة، يتعين على السلطة الفلسطينية أولا أن تفي بمعايير الديمقراطية الغربية، ثم عليها السيطرة على غزة ونزع سلاحها، وهو أمر لا تملك السلطة الفلسطينية أي وسيلة للقيام به. ومن الذي سيحكم على ما إذا كانت الحكومة الفلسطينية قد أوفت بهذه المتطلبات؟ نعم، إنها (إسرائيل) نفسها.

والأسوأ من ذلك، تم تقديم خطة "ترامب" باعتبارها قرارا نهائيا. ويتحدث فريق "ترامب" كما لو أن كل شيء قد تم الاتفاق عليه بالفعل بين "ترامب" ورئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو"، وكل ما تبقى هو متابعة ذلك من قبل فريق أمريكي إسرائيلي، (وليس فريقا إسرائيليا فلسطينيا)، لتحديد الخطوط الدقيقة لخريطة "ترامب" المحددة سلفا.

وتقف هذه المهمة، وتشكيل حكومة إسرائيلية جديدة بعد انتخابات 2 مارس/آذار، على ما يبدو في طريق ضم (إسرائيل) لـ"غور الأردن" وجميع المستوطنات، بغض النظر عما إذا كانت هناك أية مفاوضات إسرائيلية فلسطينية. وتحصل (إسرائيل) على كل هذه الغنائم، كما يشرح مهندسو خطة "ترامب"، مقابل فقط قبول فكرة الدولة الفلسطينية، والتخلي عن 30% من الضفة الغربية. لذا يمكن للفلسطينيين أن يسألوا بكل معقولية: "إذن، ماذا بقي للتفاوض عليه؟"

ولأعوام، عارضت الحكومات الإسرائيلية الحل المفروض، والتزمت الإدارات الأمريكية رسميا بتجنب فرض الحل. والآن، قام فريق "ترامب"، بالتشاور الوثيق مع "نتنياهو"، ودون أي تشاور على الإطلاق مع المسؤولين الفلسطينيين، حول وضع حل شامل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ويبدو أن "ترامب" عازم على فرضه على الفلسطينيين. ولا عجب في أنه عندما ينظر الفلسطينيون إلى خطة "ترامب"، فإنهم يرفضون فورا الجلوس على طاولة مفاوضات لا تميل فقط بشكل دراماتيكي نحو (إسرائيل)، بل تم توزيع جميع أوراقها الرابحة على (إسرائيل).

ومع ذلك، لا يمكن للفلسطينيين التغلب على شيء بلا شيء. وسوف يوفر رفضهم لخطة "ترامب"، التي تبدو حتمية في ضوء الشروط المعروضة، المبرر لـ"نتنياهو" للمضي قدما في الضم الذي باركه "ترامب".

وبدلا من ذلك، يجب على القيادة الفلسطينية تجاوز خطة "ترامب" وإعلان استعدادها للدخول في مفاوضات مباشرة مع حكومة إسرائيلية جديدة بعد انتخابات 2 مارس/آذار. ويجب أن تفعل ذلك على أساس قرارات مجلس الأمن الدولي المتفق عليها مسبقا، التي تنص على حل الدولتين وتبادل الأرض مقابل السلام.

ويمكن للقادة الفلسطينيين أن يستشهدوا بمبادرة جامعة الدول العربية، التي تجيز تطبيع 22 دولة عربية للعلاقات مع (إسرائيل) بمجرد إتمام الصفقة الفلسطينية. وقد تعزز مثل هذه الخطوة الدعم العربي الهش، وتولد دعما من المجتمع الدولي. ومن يدري؟ فقد يجبر دخول الفلسطينيين في محادثات مباشرة مع (إسرائيل) "ترامب" على التخلي عن خطته، ومحاولة الوصول إلى مقاربة أكثر توازنا وواقعية لحل نزاع القرن.

المصدر | مارتن إندايك - فورين أفيرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

صفقة القرن دونالد ترامب مفاوضات السلام

كيف مثلت صفقة القرن انقلابا في الاستراتيجية الإسرائيلية؟