بيلوسي وترامب.. فصول الانتقام والانقسام لن تنتهي بتبرئة الرئيس

الخميس 6 فبراير 2020 06:20 م

يمكن وصف العلاقة بين الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" وزعيمة مجلس النواب "نانسي بيلوسي" بأنها علاقة "غير عادية"، حتى بمعايير واشنطن ذاتها، فكلاهما لديه تأييد واسع وقبضة حديدية على حزبه، ولذلك كانا سببا في الانقسامات التي عانت منها واشنطن خلال عام 2019.

وبالرغم من ذلك، كان "ترامب" و"بيلوسي" في أحيان كثيرة يقومان بحل تلك الخلافات، ويجسد ذلك احتداد "بيلوسي" على أحد الصحفيين عندما سألها عما إذا كانت تكره "ترامب"، فكان ردها أنها "تصلي من أجل الرئيس طوال الوقت"، كما كان "ترامب" يؤثر التريث في مواجهتها.

 

لكن يبدو أن الخلاف بين "ترامب" و"بيلوسي" وصل إلى ذروته خلال العام الجديد، وتحديدا خلال خطاب "حالة الاتحاد" الذي لم يكن يحمل نصيبا من اسمه مطلقا، حيث تعمد الرئيس ورئيسة مجلس النواب إحراج بعضهما بشكل غير مسبوق.

و"حالة الاتحاد" هو خطاب سنوي يلقيه رئيس الولايات المتحدة الأمريكية أمام جلسة مشتركة للكونجرس (مجلسي النواب والشيوخ) في مبنى الكابيتول هيل.

  المرأة الحديدية

يصف البعض " بيلوسي" (79 عاما) بالمرأة الحديدة، فهي أول امرأة في تاريخ الولايات المتحدة تترأس مجلس النواب، وباتت قائدة معسكر المواجهة "ترامب"، ورمز الديمقراطيين وزعيمتهم.

ولكن كان لافتا أنه في غالبية مناوشاتهما السياسية السابقة، كالخلاف حول الجدار العازل مع المكسيك، والتغير المناخي، والرعاية الصحية.. تخلي "ترامب" عن اتباع أسلوبه الشرس بالهجوم على معارضيه مع "بيلوسي" وكان يؤثر التريث على العجلة، ويفضل اللين على العنف.

وعزا البعض موقف "ترامب" غير المعتاد من "بيلوسي"؛ لإعجابه بالقوة التي تظهرها زعيمة الديمقراطيين.

من جانبه، اعتبر "ليون بانيتا"، وزير الدفاع السابق والمدير السابق أيضا لوكالة الاستخبارات المركزية "CIA" أن "بيلوسي" هي الشخص المناسب في المكان والوقت الصحيحين، موضحا أنه ليس متأكدا أن شخص أخر سيكون لديه الخبرة أو القدرة لموجهة "ترامب" كما فعلت "بيلوسي".

على الصعيد الوطني، تعد "بيلوسي" شخصية غير شعبية واستقطابية، ويعتقد أن الجمهوريين شنوا حملات منظمة لتحويلها إلى شخصية غير مؤثرة ووصف ميولها السياسية بأنها "يسارية متطرفة"، وكانوا يستهدفون بمساعيهم تلك التأثير على الديمقراطيين المعتدلين في المناطقة المتأرجحة، لكن بالرغم من ذلك عادت "بيلوسي" إلى الظهور في عهد "ترامب" كرمز سياسي وثقافي للديمقراطيين.

مناوشات حالة الاتحاد

يمكن القول إن مسؤولية "بيلوسي" عن تقديم "ترامب للمحاكمة أمام مجلس الشيوخ بهدف عزله، كانت بمثابة خطوة فارقة، يبدو أن الرئيس لم يغفرها لرئيسة مجلس النواب.

وقد ظهر هذا الخلاف جليا أثناء خطاب حالة الاتحاد، عندما رفض "ترامب"، الذي يجيد لعبة جذب الأضواء، مصافحة "بيلوسي " باعتبارها من ألد الأعداء، فعاجلته الأخيرة سريعا بتقديمه لممثلي الأمة بعبارة خالية من التعظيم والفخر اللذين يتم استخدامها في العادة في هذه المناسبات، وبعد انتهاء "ترامب" من خطابه عمدت "بيلوسي" إلى تمزيق نسخة من خطاب الرئيس لتنتقم منه على طريقتها الخاصة.

وجاء خطاب الاتحاد، قبل ساعات من تصويت مجلس الشيوخ (يهيمن عليه الجمهوريين)، والذي برأ "ترامب"، الأربعاء، من اتهامات بإساءة استخدام السلطة وعرقلة عمل الكونجرس.

نتائج عكسية

خلال الـ 12 شهرا الماضية، شكلت "بيلوسي" مصدر إزعاج للرئيس "ترامب"، واكتسبت زخما كبيرا، عندما نجحت في إعادة الديمقراطيين لقيادة مجلس النواب وأرغمت "ترامب" على تأجيل خطابه السنوي إبان أزمة إغلاق الحكومة الفيدرالية الأخيرة، قبل أن تكثف تصعيدها ضد الرئيس محاولة إخضاعه للمحاكمة البرلمانية على أمل تشويه صورته وتقليص حظوظه في الفوز بانتخابات 2020.

لكن على العكس من ذلك، نجا "ترامب" من المساءلة التي وصفها البعض بأنها "مقامرة غير محسوبة" من الديمقراطيين، وأصبحت حظوظه أقوي في أن يتم انتخابه لفترة جديدة في الانتخابات التي ستجري نهاية هذا العام، ولعل انتشاء الرئيس بتبرأته وانتصاره على "بيلوسي" يتجسد في التغريدة التي نشرها على حسابه وأوضح فيها - ساخرا ربما - أنه سيكون رئيسا للأبد وليس لفترة جديدة فقط.

ووفقا لمراقبين أمريكيين، فإنه على الرغم من نجاح "بيلوسي" في إقامة مراسم مساءلة رسمية لـ"ترامب"، لكن تلك الخطوة كانت مقامرة خطيرة ومحفوفة بالمخاطر، لأنها عززت الاستقطاب السياسي مع الجمهوريين ودفعتهم إلى تعزيز دعمهم لـ"ترامب" وجمع تبرعات لحملته الانتخابية، مما يزيد من فرص إعادة انتخابه .

كما أن مساعي "بيلوسي" الاستقطابية قد تؤدي أيضا في نهاية المطاف إلى تعريض الديمقراطيين إلى خطر خسارة الأغلبية في مجلس النواب الذي تترأسه، لافتين إلى أن "بيلوسي" مضت قدما في عملية المسائلة بهدف حماية الدستور والحفاظ على التوازن بين السلطات دون النظر للعواقب السياسية.

وفى أول رد لها على تبرئة الرئيس الجمهوري، اعتبرت " بيلوسي"، أن "ترامب"، "لا يزال يشكل تهديدا للديمقراطية" مشيرة، في بيان لها، إلى أن "الجمهوريين في مجلس الشيوخ قاموا بتطبيع الفوضى ورفضوا نظام الضوابط والتوازنات الذي يكفله دستورنا".

 وأضافت أن مؤسسي البلاد "وضعوا ضمانات في الدستور للحماية من أي رئيس مارق، لكنهم لم يتخيلوا أبدا أن يكون هناك زعيم مارق بمجلس الشيوخ يتخلى بجبن عن واجبه فيما يتعلق بصون الدستور".

وأوضحت "بيلوسي" أن "ترامب لا يزال يمثل تهديدا مستمرا للديمقراطية الأمريكية بإصراره على أنه فوق القانون وأنه يستطيع أن يفسد الانتخابات إذا أراد ذلك".

لكن فصول التجاهل والانتقام بين الخصمين اللدودين لا يبدو أنها ستنتهي بوصول إجراءات العزل إلى نهايتها وتبرئة "ترامب" التي ختمت رسميا فصول 6 أشهر من النزاع، على الأقل في الوقت الراهن.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

نانسي بيلوسي دونالد ترامب